دقت ساعة التعبئة من جديد في المغرب في سبيل نصرة قضية الصحراء المغربية التي تعتبر القضية الوطنية الأولى للمملكة وجزءا من سياسة البناء الديمقراطي التنموي الشامل. وإذا كان لمشروع قانون الحكومة السويدية الداعي إلى الاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة من أثر إيجابي، فهو يتمثل في لعب دور المنبّه إلى أن قضايا المغرب ليست منحصرة في مسائل الانتخابات الجهوية والجماعية، على أهميتها، وإنما تشمل عددا لا يحصى من القضايا الهامة، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية والنزاع الإقليمي المفتعل حولها.
وفي سياق مواجهة هذا التطور، تمّ عقد اجتماع بين رئيس الحكومة والأمناء العامين للأحزاب السياسية المغربية الممثلة في البرلمان، في كل من الحكومة والمعارضة، بتوجيه من الملك محمد السادس لبحث الأزمة الحالية في العلاقات بين المغرب والسويد بخصوص موقف ستوكهولم من القضية الوطنية المغربية.
وتم الاتفاق على تشكيل وفد من الأحزاب السياسية المغربية يتوجّه إلى ستوكهولم لفتح حوار واسع مع الحكومة السويدية ومختلف القوى السياسية وتوضيح صورة الموقف الحقيقي لقضية المغرب الوطنية، وتنبيه الحكومة السويدية إلى أنها سترتكب خطأ فادحا في معاداة المغرب والانحراف عن موقف الاتحاد الأوروبي الرسمي من قضية الصحراء الموضوعة تحت عهدة الأمم المتحدة في سبيل الوصول إلى حلّ سياسي متوافق عليه بين الأطراف المعنية بالنزاع.
في الواقع، إن طبيعة النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي تجاوز أمده أربعة عقود هي التي تفسر بروز مشكلات، مع هذه الدولة أو تلك، غير أنه لا ينبغي لمثل هذه المشاكل الدبلوماسية أن تحجب الإنجازات التي حقّقها المغرب، في هذا المجال، على جميع المستويات، حيث تمكن من إقناع عدد لا يستهان به من الدول بسحب اعترافها بمزاعم البوليساريو خلال العقدين الأخيرين.
على سبيل الذكر فإن أكبر انتكاسة عرفتها قضية الصحراء تعود إلى أكثر من ثلاثين عاما، أي عام 1984 عندما تم قبول عضوية الدولة المزعومة في منظمة الوحدة الأفريقية الأمر الذي فرض على المغرب اتخاذ قرار الانسحاب النهائي منها.
ومنذ ذلك الحين والاتحاد الأفريقي يقود حملة دبلوماسية وسياسية مضادة وخاصة في عهد الملك محمد السادس الذي أعاد إلى المغرب وزنه المؤثر على الساحة الأفريقية ذاتها التي اعتقد أعداؤه أنهم بفرض عضوية دولة الصحراء المزعومة في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) قد ضيقوا الخناق على المغرب. ولفهم بعض التقلبات التي تطرأ على بعض المواقف على هذا المستوى، ينبغي التمييز بين نوعين من الدول في التعاطي مع قضية الصحراء، النوع الأول تمثله دول ليس لديها إلمام كاف بعناصر الملف الأساسية، وبالتالي فإنها قد تتبنى أول موقف يتمّ طرحه عليها من قبل أول من يعقد اتصالات بها، ويدعمها ماليا. وهنا ينبغي الاعتراف أن الجزائر قد جنّدت لهذا منذ عقود طويلة ما يكفي من الأموال والرجال خاصة أن قضية الصحراء جزء لا يتجزأ من سياستها الخارجية مذ كان عبدالعزيز بوتفليقة يشغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
أما النوع الثاني فهي الدول التي لا يتوقف موقفها على طبيعة عناصر القضية لاندراجه ضمن تصورات معينة للتحالفات على المستويات الإقليمية والدولية، وعلى هذا المستوى، فإن الجزائر رغم تنكرها لجلّ المبادئ والأهداف التي كانت وراء اندلاع ثورة الشعب الجزائري في وجه الاستعمار الفرنسي، قبل ستة عقود ونيف من الزمن فإنها مستمرة في الاستفادة من هذا الرصيد، كما لو كان ثابتا من ثوابت سياستها الخارجية، في حين أن بينها وبين تلك المبادئ جدار سميك من الممارسات المناهضة لمبادئ التحرر الوطني، كما يدل على ذلك على سبيل المـثال لا الحصر، موقفها من قضية الصحراء المغربية، اذ لم تفعل غير تبني موقف الجنرال الأسباني فرانكو الذي كان يعمل جاهدا لخلق كيان قزمي في الصحراء على أساس مزاعم واهية وفي مقدمتها أن الاستعمار الأسباني عندما احتل منطقة الصحراء في نهاية القرن التاسع عشر لم يقم بالاعتداء على الوحدة الترابية المغربية وإنما دخل إلى أراض لا مالك لها.
يدفع عزم السويد الاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية” إلى طرح السؤال المركزي التالي: هل ترغب هذه الدولة الأسكندنافية في فتح جبهة أزمة أخرى بين الاتحاد الأوروبي والمغرب عندما لم تراع المواقف الرسمية للاتحاد حول قضية الصحراء؟
ولعل أهمية هذا السؤال تكمن في ثلاثة امور أساسية هي:
كون هذا المسعى يأتي في سياق انفجار فضائح تورطت فيها قيادة البوليساريو والجزائر حول تحويل المساعدات، وقد كشفت ذلك تقارير الاتحاد الأوروبي الرسمية التي كشفت أيضا تورّط قيادات انفصالية في خطف رهائن بينهم أوروبيون.
المغرب دولة تحارب الإرهاب والبوليساريو كما تقول بعض التقارير منظمة مسلحة تتلقى كل أشكال الدعم السياسي والعسكري الجزائري منذ عشرات السنين.
بل إن الأراضي التي تسيطر عليها في تيندوف تعتبر مصدّرا هاما للمقاتلين في صفوف التنظيمات الجهادية خصوصا القاعدة.
المغرب يحظى بوضع الشراكة المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي ويملك هذا الاتحاد من الحكمة ما يجعله لا يفرّط في شريك أساسي في مختلف المجالات وفي مجال مكافحة الإرهاب بالذات حيث يلعب المغرب دورا رياديا باعتراف مختلف العواصم الأوروبية.
في ظل هذه الأجواء، أنهى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس جولته إلى المنطقة لبلورة تقرير يقدمه للأمين العام هذه الأيام. وقد لوحظ أن المغرب لم يول أيّ اهتمام بزيارة روس، حيث لم يتم استقباله إلا من قبل الكاتب العام لوزارة الخارجية الناصر بوريطة مما يدل على استمرار انعدام الثقة بين الرباط وروس المنحاز غالبا لأطروحة الجزائر بخصوص الصحراء المغربية.
ولعل التوجس المغربي من تحركات روس هو الذي جعل المغرب يؤكد في خطابه الرسمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “إن منظمة الأمم المتحدة، التي تحتفل بذكراها السبعين، قد بلغت سن النضج والحكمة والمسؤولية.
وبالتالي فإن عملها لا ينبغي ألاّ يكون سببا في زعزعة استقرار الدول التي لا تتردد في التعاون المثمر معها، وإننا نأمل أن تواصل منظمة الأمم المتحدة جهودها من أجل حلّ الخلافات بالطرق السلمية، والتزامها باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، لتحقيق تطلعات شعوب العالم إلى السلم والأمن والاستقرار”.
وهو ما اعتبره مراقبون رفضا مغربيا مسبقا لأيّ محاولة ترمي إلى اقتراح أيّ بديل عن الحل السياسي المتفاوض عليه والذي قدّم المغرب في سياقه مبادرته للحكم الذاتي الموسّع في إطار احترام السيادة المغربية الذي اعتبر على الساحة الدولية اقتراحا جديّا.
*عن صحيفة العرب * بقلم /حسن السوسي
نشر بها يوم الاحد 4 اكتوبر 2015