مصطفى المتوكل/ تارودانت
تارودانت 27 اكتوبر2015
((… يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ… ))
*قال العز بن عبد السلام : “الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي”..
والرياء ببساطة هو أن يقدم الانسان على عمل ما قصده منه أن يراه الناس ليحصل منهم على مايشبع غروره وطمعه بمدحهم وشكرهم فلا هو يقصد من ذلك عملا انسانيا صرفا ولا يبتغي مرضاة الله صدقا…ويشمل هذا السلوك المنحرف العبادات والاعمال البشرية من تصدق وتطوع لخذمة المحتاجين والاعمال الخيرية و؟؟ …
ولخطورته ومكانته السيئة في الاسلام سماه الرسول (ص) “بالشرك الاصغر ” فقال فيه « إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! » وقال : « من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به. »
ان ما نراه في زماننا هذا وبلادنا هذه من مظاهر “الرياء ” التي اصبحت لها فضاءات مختلفة عامة وخاصة .. كما اصبحت من البدع المعتمدة في عمليات الاستدراج السياسي للفقراء والمساكين والمحتاجين تحت غطاء ديني بتصنع الاحسان والتدين والتقرب الى الله للايقاع بالذين لايعلمون الا ظاهر الاشياء وحتى البعض ممن يعلمون ويعتبرونها فرصا لتحقيق منافع مادية وشخصية مقابل خدمات مختلفة بما فيها الاستحقاقات …
ولهذا وفي قراءة لواقعنا الاجتماعي والاقتصادي سنجد ان كل عمليات المطالبة بالاصلاح السياسي ومحاربة الرشوة الانتخابية وشراء الذمم تعلق الامر بالناخبين الكبار او الصغار ..وما تلاها _ بعد جهد جهيد للمعارضة المغربية _ من تضحيات وصراعات وتجادبات واستجابات نسبية وتدريجية للمطالب موزعة على محطات في حقب ولحظات مفصلية من تحركات القوى الحية …كل ذلك الجهد يتم الالتفاف عليه لافراغه من محتواه.. فيتحول النص الى مادة للاستهلاك الاعلامي بابراز تطور القوانين وتحديثها واستجابتها لمطالب القوى الحية ومسايرة العصر والتوجهات الاممية …التفاف يكون بمستويات ثلاث:
الاول ..استغلال بعض “السياسيين” الاغنياء لثرائهم بتوظيف جزء من اموالهم “للعمل” الانساني والخيري .. بهدف انتزاع تعاطف الفقراء الضعفاء واحتوائهم لاستعمالهم لرجم الصناديق “باصوات” مقابل دفع سمي ظلما “احسانا” ..
الثاني …استغلال البعض الاخر للدين … بتوظيف “الاموال ؟” من جهة و تشكيل مجموعات تعمل طوال السنة على جمع الاموال بمبرر مساعدة الفقراء والمرضى ومؤازرة القرى الهامشية و…وتقدم ” اعمال” هذا الصنف على انها الاحسان المطلوب شرعا ..وانهم يريدون فقط رضى الله ..؟؟والحال انهم وظفوا المقدس عند الناس باستغلال للفقر للوصول الى مقابل بانتزاع ما يرجح كفة على كفة عند الاستحقاقات السياسية والشعبية واحيانا في خذمة للتطرف رغبة في التحكم ..
الثالث …المساعدات والمعونات التي توزعها بعض المؤسسات المنتخبة والحكومية والتي قد تنحرف عن سياقها لتستغل الاموال العامة لاغراض حزبية وانتخابية …
ففي علاقة مع الحقل الديني وضرورة حماية فضائله و فضاءاته عن كل استغلال سياسوي …يقف الجميع على ظاهرة تتعلق بالاستغلال العمدي والانتهازي لحالات الفقر و الخصاص التي تعاني منها نسبة مهمة من الشعب تعلق الامر بالبوادي او الحواضر حيث يتداخل بشكل تعسفي راي الدين في موضوع الفقر والفقراء والاحسان مع ميولات بعض السياسات العمومية فيما يطلق عليه الرعاية الاجتماعية واشكال الدعم العيني او المادي للفئات المعوزة والترخيص رسميا او بالتغاضي عن العمليات الصغرى والمتوسطة والكبرى التي تحدث يوميا وعلى مدار اشهر السنة ..حيث توجه ” اعمال الخير ” الى مجالات من مثل الاعياد الدينية و الدخول المدرسي و البرامج الاجتماعية الى توزيع المواد الغذائية في رمضان وغيره الى تنظيم قوافل طبية وتوزيع الادوية وعمليات الاعذار الجماعي وحفلات الزواج الجماعي ..الى تمويل موجه لحفلات “جمعيات معينة” تستهدف كذلك الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والاشخاص في وضعية صعبة..هذه الحركية المخطط لها اعدادا ومسارات واهدافا مباشرة وغير مباشرة تمتد نتائجها من الاني الى المدى المتوسط وحتى البعيد لجيل او اكثر ..اذ هي حقيقة شراء بالتقسط للذمم من اجل ازمنة الاستحقاقات ليكونوا الاحق باصواتهم ولضمان تحقق استمرار “الاحسان “بل والرغبة في مضاعفته من موقع “المسؤولية بالمؤسسات “..؟؟
ان العمليات الانسانية والتعاون وتفريج الكرب ودعم المعسرين امر محبوب شرعا وانسانيا ويجب ان يشجع عليه ويؤطر قانونيا ليحمى الفئات المعوزة من اي استغلال او ابتزاز …ولجعل العملية برمتها تتم بما يضمن الكرامة ويحمي الناس من لوبيات السياسة الذين “ينفقون ” ليس لوجه الله بل لاوجه ومصالح واغراض لم يثبث عن شرعنا ان دعا لها او امر بها …والامر هنا لايحتاج الى اعمال بحث او جهد للتعرف على المعنيين فهم يعملون على مراى ومسمع من الجميع بل حتى العديد من افعالهم توثق بالصوت والصورة وقد تقع بعض احداثها بمؤسسات وفضاءات عمومية …؟
ان الناس الخيرين يقدمون الدعم بكل انواعه المالي والعيني دون رياء ولا سمعة.. لكل من اتصل بهم افرادا او جمعيات او مجموعات و الذين يتجولون طوال ايام السنة كل مرة لموضوع ولغاية ” احسانية” معينة ؟؟
اننا هنا نتساءل ..
هل المشرع ضعيف وعاجز عن وضع اطار قانوني لتنظيم وتاطير ومعالجة حالات الخصاص والفقر بمساعدة الفقراء والمعوزين في افق الحد من الظاهرة في افق ادماجهم في النسيج الاقتصادي ؟ …
وهل عجز الجميع عن احداث مؤسسات مستقلة تودع لديها الاموال والهبات والعطايا والاكراميات والمنح والمساعدات بما فيها اموال الزكاة لتنفق وتصرف وفق نية المحسنين…بهدف وضح حد لاية ممارسات تحكمية من طرف افراد او هيئات توظف هذا المجال الانساني لاغراض متعددة ادناها في الازمنة الانتخابية استخلاص ثمن المساعدات على شكل اصوات انتخابية …؟؟
..اما آن للدولة ان تبعد السياسويين والمستغلين للدين لاغراض ضيقة عن الفقراء والمحتاجين بمبرر الاحسان للفقراء والتقرب الى الله ..؟
..اليس من الافيد بعد الاحصاء العام الاخير ان ينجز احصاء تكميلي دقيق يصنف درجات الفقر بكل جماعة جماعة ومكونات الاسرة ولوائح باسماء المستهدفين والمستهدفات ومعايير الدعم ومدته وتحديد الاولويات وفق الامكانيات …؟؟
ان العديد من عمليات رعاية ومساعدة المعوزين مع كامل الاسف انحرفت بشكل كبير عن اهدافها ..واصبح من الواجب على الدولة تدارك الامر حتى لاتمتد اثار العملية ليس فقط الى الانتخابات بل الى بناء الولاءات المؤسسة على الطاعة والتبعية قد تمس بوحدة الامة وتماسكها وبالهوية الوطنية ..ولنا في بعض دول امثلة واضحة ..!!
ونختم بالقول ..اليس هذا الذي اشرنا اليه في هذه المقالة والذي يعلمه الجميع خرقا ممتدا في الازمنة والامكنة بالوطن ينتهك حقوق الانسان بغطاء احساني ويخرق قواعد واخلاقيات المنافسة بالبرامج السياسية عند كل استحقاق؟ …فهل من مهتم فعلي بالامر ؟
ونختم مقالتنا هاته بالحديث الشريف : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم))، قال: “فقرأها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات”، قال أبو ذَرٍّ: “خَابُوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟”، قال: ((المُسْبِل، والمَنَّان، والمنفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب)
|
||