تعيش بلادنا على إيقاع الحلقات الأخيرة من ترتيبات انتخاب الغرفة الثانية ( مجلس المستشارين)، والمكونة حسب منطوق الدستور المصادق عليه في فاتح يوليوز 2011 من 120 عضوا، ينتخبون بطريقة غير مباشرة من ممثلي الجماعات المحلية، والمنتخبين في الغرف المهنية، وممثلي المأجورين لمدة ست سنوات.
وقد استكملت الحلقات الرئيسية للناخبين الكبار، سواء في ما يخص الغرف المهنية أو ممثلي المأجورين ، أو بخصوص الجماعات المحلية ، والذين تم إغلاق وضع ترشيحاتهم بعد استكمال المدة الزمنية المخصصة قانونا لذلك.
ومن المفترض أن يكون انتخاب المجلس، بعد تأخر زمني وسياسي عن الجدولة الأصلية لإعادة البناء المؤسساتي للبلاد على ضوء الدستور الجديد والهندسة الناجمة عنه لمهام وأنشطة الدولة، فرصة أخرى نحو استكمال هذا البناء، وفرصة أخرى لاختبار درجة التأهيل السياسي والمؤسساتي، بل حتى القيمي، لدى مجمل الفاعلين في الحقل الحزبي الوطني والحقل السياسي عموما للانخراط في الأفق الديمقراطي والمؤسساتي الواسع الذي فتحه منعطف دستور 2011.
ومن حق الرأي العام، الذي يتابع منذ انطلاق مسلسل تشكيلة الغرفة الثانية، أن يتساءل عن الجدية التي يتعامل بها الفرقاء السياسيون وكافة مكونات الحقل الوطني مع هذا الاستحقاق الضروري والهام لبلادنا ولسير مؤسساتها، لا سيما بعد تسجيل العديد من الانزلاقات، سواء إبان انتخاب ممثلي المأجورين أوعند اختيار ممثلي الغرف المهنية أو، أخيرا، ما حدث إبان الانتخابات الجماعية والجهوية التي قال فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ما كان يستوجبه منطق حماية التصويت الشعبي وتحصين الخيار الديمقراطي.
إن الانتخاب يكتسي هذه المرة ميزة خاصة، ليس فقط بسبب ما يعطيه الدستور الجديد من صلاحيات للبرلمان بغرفتيه، بل أيضا للسياق السياسي الذي تندرج فيه العملية برمتها، وهو سياق يقتضي مقاربات سياسية تحمي التعددية توازن السلط ، لا سيما بين مركز القرار التشريعي والقرار التنفيذي، ونحن نعي بأن للبرلمان اليوم »صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة«.
المفترض الايجابي من الاستحقاقات هو أن يكون تاريخ إجرائها قطيعة مع ثقافة ارتبطت بالناخبين الكبار وبالمؤسسات التي يقررون في مصيرها، و من المؤسف أن ما نتابعه من أخبار إلى حد الساعة لا ينبئنا بذلك أو يشكل مقدمة لهذه القطيعة التي تحتاجها البلاد وتحتاجها صورتها الديمقراطية،خاصة أن الاقتراع اليوم يدخل عنصرا جديدا في المعادلة، يتعلق بالجهوية وبتسليم المركز، الخاضع لمراقبة الغرفتين، لبعض من سلطه لهذه المؤسسات الجديدة، والتي سيكون مجلس المستشارين صدى للعديد من قراراتها وللكثير من انشغالاتها، كما أنه سيكون في جزء منه نتيجة للتصويت الجهوي بالذات.
نحن ، في العمق أمام غرفة تنمو وتنضج مع نضج التجربة الدستورية في المغرب والتجربة الديمقراطية المؤسساتية بالتحديد، وسيكون المناخ الذي تجري فيه يوم 2 اكتوبر،عنصرا تعتمده القُوى الديمقراطية وعلى رأسها الاتحاد، في تقييم مدى التقدم ومدى التأخر الحاصل في هذا المضمار.
- عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
- الثلاثاء 29 شتنبر 2015