سمعت أدونيس في إحدى حواراته يقول: إن النص مهما كان عظيماً، إذا قرأه عقل صغير يتحوّل هذا النص إلى نص صغير. قد نختلف مع أدونيس في بعض آرائه لكن الحقيقة أننا لم نأخذ فعلاً من تراثنا التّليد إلا ثقافة العنف بسبب التأويل السِّلبي لنصوص القرآن. حتى لا مكان لك في مجتمع لا تخدم فيه أهداف أشخاص معيّنين. مجتمع يُعلي من شأن الذكورية ويحرم المرأة من حقوقها. مجتمع لايزال بحاجة إلى إعادة قراءة كتاب قاسم أمين وغيره من رواد النهضة العربية الذين نادوا بتحرير المرأة ونحن في القرن الواحد والعشرين. ثقافتنا العربية اليوم مبنية على رواسخ الدين والعنف والذّمّ والقدح. بينما الثقافة الغربية لا تعترف إلا بالفرد والحرّية.
لكن هل استطاعت الثقافة في عصرنا انتزاع جذور العنف والكراهية والتخلّص من عنف الإرهاب الذي هو أخطر أنواع العنف لأنه عنف العقيدة والإيديولوجيا الذي أصبح وسيلة للسلطة. كيف للإنسان العربي أن يتخلّص من هذه الصورة المخيفة الملتصقة به أينما حلّ وارتحل، ويتخلص من فوضى الثقافة وفوضى المفاهيم ومواكبة الثقافات الأخرى في العالم.
كل هذا يحتاج إلى إعادة طرح أسئلة حول مصير الثقافة ومدى استجابتها لهذا الواقع في ظل أزمات الوطن العربي. علماً بأن الثقافة أقوى من السياسة. وكلّ ما يجري اليوم في عالمنا العربي لا يمكن فصله عن الثقافة لأن الثقافة مسؤولية، وإيمان بالتعددية والاختلاف. والسؤال الثقافي كان دائماً ولايزال مرتبطاً بأسئلة الإنسان واحترام كرامته وحقوقه. هو ذا المعنى الحقيقي للثقافة في مجتمع عربي يعيش بين ثقافة متوارثة وثقافة مستوردة في عصر العولمة وثقافة الصورة.
صحيح أن موضوع الثقافة حالياً يتصدّر صفحات الجرائد والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي، في زمن كثُر فيه عدد المثقفين والمبدعين. إذ يكفي أن تطّلع يومياً على ما يُنشر على صفحات الجرائد وما يُنشر على صفحات الفيسبوك وتويتر لتُفاجَأ بهذا العدد الهائل من الشعراء والروائيين والمبدعين. تصنيفات شعراء كبار لم يكتبوا إلا قصيدة أو قصيدتين منشورة في موقع إلكتروني أو على صفحات إحدى الجرائد. روائيون كبار لم يكتبوا إلا نصوصاً متفرّقة يحتار العقل في تجنيسها وتصنيفها.
فهل يُقاس المثقَّف في زمننا الراهن بعدد الصور التي التقطها هنا وهناك في مناسبات ثقافية، وهل يُقاس المثقّف بقوّة ظهوره في القنوات الإعلامية. صحيح أننا نعيش عصر الصورة بامتياز لكن التطوّر التقني بقدر ما خدم الثقافة بقدر ما صنع أشباه مثقّفين ومبدعين.
صحيح لا تخلو أي ثقافة من العنف. لكن ما يميّز ثقافتنا العربية كونها ثقافة تقوم على الانغلاق ورفض الآخر ورفض الحوار الحضاري. ثقافة بهذا الشكل لا يمكن أن تكون إلا ثقافة العنف لا ثقافة المحبّة. ثقافة تهاب القانون ولا تحترمه. إن تقدّم المجتمع رهين بفاعلية حركة الوعي والثقافة. صحيح أن الثقافة لا يمكن أن تنمو وتتغير بالسرعة ذاتها التي تتغير بها السياسة لأن هدف السياسي ليس هو هدف الثقافي، ومصلحة السياسي ليست هي مصلحة الثقافي. فهل تستطيع ثقافتنا العربية في يوم ما أن تصلح ما أفسدته السياسة؟
- عن موقع اتحاد كتاب الانترنيت المغاربة
- نشر به 23 شتنبر 2015