هناك قضية لا يمكنها إلا أن تحير المراقب الخارجي للحياة السياسية المغربية، وهي كثرة الكتابات حول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لأنه سيجد، وبالإحصائيات، أن الكَمّ الهائل مما ينشر عن هذا الحزب، يتجاوز، في بعض الأحيان، ما يروج حول الهيئات الأخرى، من حكومة ودولة وأحزاب ومؤسسات عمومية وشركات كبرى… ناهيك عن القضايا الكبرى التي ترهن مصير البلاد وتهم في الصميم حياة المواطن.
أما المتتبع الداخلي للحياة السياسية المغربية، فإنه لن يستغرب، لأنه تعود على هذا الأمر. حيث كان هذا الحزب ومازال مادة خصبة للصحافة، ينال المرتبة الأولى مقارنة مع حجم ما يكتب عن الأحزاب الأخرى، سواء كان يتصدر المكانة الأولى في المشهد السياسي المغربي أم لا، سواء كان في الحكومة أو في المعارضة، إذ يبدو أن هذا التنظيم يمتلك جاذبية خاصة، تدفع الصحافيين والمثقفين والمناضلين، حتى من الأحزاب الأخرى، إلى الاهتمام بكل شاذة وفاذة، في ما يحدث داخله، ولو كان الأمر يتعلق بأصغر فرع من فروعه.
هناك من يفسر هذه الجاذبية بالدور الذي يلعبه هذا الحزب في المسار الديمقراطي، غير أن هذا التفسير يظل قاصرا، لأنه لا يقدم الجواب حول إهمال عدد من التنظيمات السياسية الأخرى، التي لا تنال حظها من المتابعة والتعليق، وكأنها ميتة، لا حياة فيها، لا يحصل فيها لا جدال ولا نقاش ولا خلاف، وكأنها زاوية أو ثكنة عسكرية… و حتى إن حصلت بعض الاختلافات و الصراعات، رغم خطورتها و كبر حجمها، فإنها سرعان ما تختفي في الصحافة والتعليقات.
و نظرا لإيجابية تسليط الأضواء على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فإنه ربما حان الوقت، لتطوير هذا الاهتمام الكبير، سواء على المستوى الأكاديمي أو الصحافي، حيث سيكون من المفيد أن تقدم للقارئ، مقاربات تعتمد مناهج علمية، معروفة في تخصصات العلوم السياسية والسوسيولوجيا، وغيرها، خاصة أن من المهتمين بالكتابة عن هذا الحزب، أساتذة جامعيون، كان من الأولى أن يقدموا البحث العلمي بأعمال وكتابات غير انطباعية، لا تتوفر فيها، في كثير من الأحيان، الدقة و الصرامة والمنهجية الضرورية.
نفس الأمر، يمكن أن يتطور في ميدان الاهتمام الصحافي بهذا الحزب، حيث تستدعي المهنية، تطبيق القواعد المعروفة في هذا المجال، من بحث وتقصٍ وتقديمِ مختلف وجهات النظر، والتحري في كل المعطيات، والابتعاد عن العموميات، واحترام أخلاقيات المهنة…
في جميع الأحوال، إن الاهتمام الكبير بهذا الحزب، يعتبر هدية ثمينة، ووفاء لماضيه وحاضره ومستقبله، ينبغي، بالخصوص، على قياداته الوطنية والجهوية والمحلية، أن تتعامل معه بجدية، تدرس و تتأمل كل ما يروج حوله، وتخضعه لميزان العقل، فترمي في سلة المهملات التهجم والسب والقذف والتحامل بدوافع ذاتية، وتحتفظ بالنقد البناء والموضوعي.

*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

      *عمود بالفصيح

*الاثنين 28 شتنبر 2015

يونس مجاهد

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…