يعتبر الفشل والهزيمة في المعارك السياسية وغيرها من المعارك من طبيعة الأشياء. غير ان موقف وسلوك القوى المنخرطة في اي صراع من الهزيمة على درجة كبيرة من التباين الى حد التناقض.
وبصورة اجمالية، لا تخرج هذه المواقف عن العناوين الدالة التالية، وكل منها يترتب عليه سلوك مخالف في جوهره عن سلوك الآخر في تدبير مرحلة ما بعد الهزيمة:

اولا، موقف ينكر الهزيمة إنكارا تاما قد يصل الى زعم الانتصار فيتوسل في سلوكه دروبا غير الدروب التي كان منطقيا ان يسلكها ليعمل بجدية على التغلب على مضاعفات الهزيمة المادية والمعنوية. وكثيرا ما يكون هذا السلوك غير مقروء بالنسبة لكل من لديه المام كاف للتمييز بين الهزيمة والانتصار. ذلك ان ركوب اوهام الانتصار في حال الهزيمة لا يعمل الا على اضفاء مزيد من التعقيدات على واقع المهزوم فعلا والذي يتوهم، مع ذلك، تحقيق الانتصار. مع العلم ان زعم الانتصار لا يرفع بأي حال من الأحوال واقع الهزيمة.

ثانيا، موقف يقبل بالهزيمة ويستبطنها في كل سلوكه لما بعد وقوعها، الى درجة التعاطي معها كما لو كانت قضاء وقدرا لا راد له، وبذلك يحرم نفسه من مقومات وعوامل القدرة على مواجهة مضاعفاتها، بما يقلل من أضرارها ومضاعفاتها على الذات الفاعلة، جمعية كانت او فردية، ويمكن من إعادة بناء الذات استعدادا للأشواط المقبلة للصراع بما يمكنها من عوامل الصمود ومواجهة شروط الهزيمة وأسبابها بذهنية نقدية تشكل طريق الخلاص من شرنقة الهزيمة التي يتم استبطانها وتصبح أمرا طبيعيا بالنسبة للذات الفاعلة في اي ميدان من الميادين

ثالثا، الاعتراف بالهزيمة كواقع، والتعامل معها بشكل موضوعي والبحث في مختلف اسبابها الذاتية والموضوعية بغاية التعاطي الصارم معها، بما يصحح الأخطاء ويحشد كل مقومات الصمود وتحضير الشروط الكفيلة بتجاوزها في المعارك المقبلة، على اعتبار انها مجرد محطة سلبية ضمن مسلسل من المحطات ليس ممكنا له ان يظل سلبيا الى الأبد، متى تم استخلاص الدروس والعبر من الهزيمة المقرون بالعمل على تجاوز أسبابها والوقوف في وجه كل من يحاول استبطانها، والتصرف بما يمكنها من التحول الى جزء صميمي من تصورات المستقبل القريب والبعيد. اي الوقوف في وجه كل ما من شأنه شل ارادة الفاعل وردعه عن تصور واقع مستقبلي لا تكون فيه الهزيمة العنصر الأساسي فيه وانما يكون تجاوزها والتغلب على مفاعيلها هو عنصره الأساسي. وهذا يعني بكلمة واحدة الاعتراف بالواقع الموضوعي باعتباره شرطا أساسيا للعمل على تغييره.

‫شاهد أيضًا‬

دراسة نقدية لمجموعة (ولع السباحة في عين الأسد).للقاص (حسن ابراهيم) * د. عدنان عويّد:

التعريف بالقصة القصيرة ودور ومكانة القاص في تشكيل معمارها:      القصة …