«إنها حكاية الصرصار والنملة. راكمنا نتائجنا بشكل مطرد منذ أزيد من 20 سنة، بينما كانت أحزاب المعارضة تغنّي علينا عوض أن تشتغل وتعمل». هكذا هلّل الأمين العام لحزب «العدالة والتنمية» ورئيس الحكومة عبد الاله بنكيران لـ «النصر غير المتوقّع» الذي حصده حزبه «الإسلامي» في الانتخابات المحلية والجهوية التي جرت في الرابع من أيلول الحالي.
ومع التحليلات الإعلامية الغربية للنتائج بين «فوز تاريخي» (لوموند)، و«هجوم موجع» (هافينغتون بوست)، و«مقياس للشعبية» (يو اس نيوز)، و«نتائج إصلاحية (دويتشه فيله)، هل يستمر الحزب الإسلامي في حصاد ما زرعه، على الرغم من تراجع الإسلام السياسي وسقوطه في بلدان الشرق الأوسط عامّة ودول «الربيع العربي» خصوصاً، بـ «نصر آخر» في الانتخابات البرلمانية 2016؟
تحوّل إيديولوجي!
يخلص المتتبّع لنتائج الانتخابات المحلية والجهوية في المغرب إلى نتيجة أساسية، وهي أن «الحقل السياسي والحزبي في المغرب يعرف اليوم تحوّلاً إيديولوجياً مهماّ، ويتجلّى أساساّ في ضعف الاتجاه اليساري واندحاره، وهيمنة الاتجاه اليميني المحافظ من خلال ثقافتين سياسيتين تهيمنان على المشهد الحزبي، وهما: الثقافة السياسية المخزنية التي يُمثّلها حزب «الأصالة والمعاصرة»، الذي أسسه في العام 2008 وزير الداخلية السابق ومستشار الملك فؤاد عالي الهمة، وثقافة اليمين الديني الأصولي التي يُمثّلها «حزب العدالة والتنمية» (البجيدي)، في ظل ضعف اليسار المغربي الذي يُمكنه أن يفرض التوازن على مستوى القطبية الحزبية داخل المشهد السياسي المغربي.
وقال نائب مدير «المركز المغربي للشباب والتحوّلات الديموقراطية» حسام هاب لـ «السفير»، إن «البجيدي» استفاد من ضعف خصومه من الأحزاب، حيث أنهكت الصراعات الداخلية والتجارب الحكومية حزب «الاتحاد الاشتراكي»، كما أُنهكت آلة حزب «الاستقلال» الذي احتل المركز الثاني في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2011)، عندما انسحب من حكومة بنكيران الأولى، ناهيك عن تضرّر فيدرالية «اليسار الديموقراطي»، الذي لم ينخرط في لعبة المال السياسي، بسبب ارتفاع نسبة المقاطعة (غالبية المتعاطفين مع الحزب، من شباب «20 فبراير» على الخصوص)، وضعف حضور حزب «الأصالة والمعاصرة»، الذي احتل المرتبة الأولى في المدن الكبرى وأوساط الطبقة المتوسطة، بالمقارنة مع القرى حيث يستفيد من دعم السلطة والأعيان.
وفي تحليل بتاريخ 9 أيلول لنتائج الانتخابات، رأى الناشط السياسي والصحافي المغربي علي أنوزلا أن «الانتصار المبهر لإسلاميي المغرب جاء في سياق التراجع الكبير للإسلام السياسي في المحيط العربي».
ففي الوقت الذي سقط فيه الإسلام السياسي في مصر وتونس وتركيا، نجح حزب «العدالة والتنمية» المغربي في توظيف «النقص» الذي يعانيه، بكونه لا يتمتّع بـ «سلطة تنفيذية فعلية»، لمصلحته، من خلال اللعب على وترين وفقاً للباحث المغربي في علم الإجماع السياسي في جامعة «فرانش كونتي» في فرنسا سعيد السالمي:
– 1 سياسة المرونة والبراغماتية في التعامل مع الدولة، سواء تعلّق الأمر بالسياسة الداخلية (قبِل مثلاً أن يتحالف مع حزب «التجمع الوطني للأحرار»، الذي طالما اتُهم رئيسه بالفساد، من أجل تخطي أزمة انسحاب حزب «الاستقلال» من الحكومة) أو في السياسة الخارجية (لم يخرج أبداً بأي تصريح أو ما يفيد معارضته لسياسة القصر تجاه إسرائيل مثلاً).
– 2 انتهاج إستراتيجية تهدف إلى ما يمكن أن نسميه «الأسلمة من الوسط».
وأوضح السالمي، في حديثه لـ «السفير»، أنه إذا نظرنا إلى استراتيجيات الفعل السياسي الذي انتهجه الإسلام السياسي، منذ نشأته، في العالم العربي، نرى أنه ركّز في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على «الأسلمة من فوق»، وعندما لم ينجح في ذلك منذ أواخر السبعينيات اتجه إلى «الأسلمة من أسفل» من خلال الدعوة، والعمل الخيري، وبناء المستشفيات ودور القرآن.. وفي ثورات «الربيع العربي»، انتبه «حزب العدالة والتنمية»، إلى أهمية الطبقة الوسطى، وسعى إلى استقطابها من خلال اللعب على وتر الإصلاح والنزاهة ومحاربة الفساد، وهي الشعارات التي أخذها عن حركة «20 فبراير»، و «هذه الإستراتيجية أثمرت اليوم حيث اكتسح الحواضر (المناطق الحضرية) والمدن الكبرى».
وفي السياق، رأى أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق في الرباط محمد مدني، في حديث لصحيفة «لوموند» الفرنسية، أن «البجيدي» انتهج طريقة «إسلام براغماتي حضري»، يعكس اهتمامات الطبقة الوسطى من خلال «رؤية محافظة، حيث يُدافع عن وجهة نظر محافظة تبعث على الاطمئنان» في المواضيع المتعلّقة بالمرأة، والإجهاض، والمثلية الجنسية، وعقوبة الإعدام، في مجتمع تُشكّل فيه الأسرة رهاناً أساسياً، في ظلّ تنامي الطلاق والولادات خارج إطار مؤسسة الزواج.
«شعرة معاوية» مع الملكية
في العام 2003، ومباشرة بعد الأحداث الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء، سارع منافسو «حزب العدالة والتنمية» وخصومه إلى توجيه أصابع الاتهام إليه، وتحميله مسؤولية التفجيرات، بزعم أن وجوده على الساحة أسهم في تنشيط الحركات السلفية المتشدّدة.
وارتفعت الأصوات الداعية إلى حلّه، إلا أن تدخّل الملك محمد السادس حال دون وصول مشروع القرار إلى التنفيذ منعاً من الاحتقان السياسي. وبعد 12 عاماً، أضحى ذلك «الحزب الصغير» الطرف الأقوى في المعادلة السياسية المغربية، حيث قاد الائتلاف الحكومي منذ العام 2011 حين فاز في الانتخابات التشريعية، على الرغم من تشكيل «حزب الأصالة المعاصرة» لوقف تمدّد «الحزب الإسلامي».
وفيما اعتبر «العدالة والتنمية»، الذي تأسّس في العام 1997، أن معركته السياسية هي «خدمة المجتمع» عبر محاربة الفساد وضمان الاستقرار والتنمية والعدالة، اختار «الأصالة» أن تكون معركته ضدّ مشروع «الحزب الإسلامي» عبر مناهضة الرجعية والتزمّت والدعوة إلى التحرّر والليبرالية والحداثة.
وقاد «العدالة والتنمية» (البجيدي) إدارة المغرب خلال السنوات الأربع الماضية، ضمن «ائتلاف حاكم» مكوّن من وزراء يمثّلون أحزاب «التجمّع الوطني» (ليبرالي مقرب من القصر) و «الحركة الشعبية» (يميني أقرب إلى تمثيل الأمازيغ) و «التقدّم والاشتراكية» (الحزب الشيوعي سابقاً).
وتجنّب هذا الائتلاف الصدام مع القصر الملكي، حتى الانتخابات المحلية والجهوية في الرابع من الشهر الحالي، كأول انتخابات تجري وفق دستور العام 2011 الذي ساهم في إخماد ثورة «20 فبراير»، إذ حصل الحزب الإسلامي على المركز الأول في المدن (مليون و672 ألف صوت) والقرى (مليون و559800 صوت) بفارق عشرات الألوف من الأصوات مقارنة بالأحزاب الكبيرة الأخرى.
ومنذ نشأته، حافظ «العدالة والتنمية» على «شعرة معاوية» في علاقته مع القصر الملكي، بل يُمكن الحديث عن «تعايش» بينهما. فعلى سبيل المثال، لا ينتقد «البجيدي» الملك أبداً، ولا أياً من مستشاريه، كما أنه قبِل بأن تبقى اللوائح الانتخابية كما كانت عليه. ووفقاً لمنطق التعايش هذا «يجب ألا يتقوى حزب العدالة والتنمية كثيراً، ويجب ألا يكتسح كل الانتخابات» وفقاً لمحمد مدني، الذي يضيف أن نتائج الانتخابات قلّلت من هامش «المناورة للمؤسسة الملكية» وبعثرت الأوراق التي بني عليها «التعايش» بين الحزب الإسلامي والقصر الملكي الذي يُريد «تعدّدية حزبية يتحكّم فيها»، لكنّه وجد نفسه أمام «فاعل سياسي بدأ يتقوّى خارج نطاق السيطرة ويراهن على الزمن»، حيث بدأ هذا التقدّم منذ سنة 2003.
في المقابل، رأى السالمي في حديثه لـ«السفير» أن المغرب ليس «بصدد تعايش على النمط الفرنسي» في المشهد السياسي بين «البجيدي» والقصر الملكي، سواء بسبب الاختصاصات المحدودة لرئيس الحكومة، أم لناحية «التنازلات التي سبق وقدّمتها القيادة الحالية للحزب» لمصلحة القصر الذي استعاد قبضته على كل المؤسسات، حيث تُفيد تقارير صحافية بأن قيادة الحزب تراجعت عن ترشيح بعض من يوصفون بالصقور داخل الحزب (عبد العزيز أفتاتي، عبد العالي حامي الدين..)، لتفادي الصدام مع وزارة الداخلية في بعض الجهات والمدن.
وتعمل الملكية وفقاً لمبدأ «فرّق تسُد» وتعميق الفجوة وإرساء التوازن بين التيارين العلماني الليبرالي والإسلامي المحافظ، إذ يُشير السالمي، في حديثه لـ «السفير»، إلى أن «الممارسات السلطوية التقليدية لا تزال سيدة الموقف، من خلال رجال السلطة وتحكّم الداخلية، خصوصاً في المناطق القروية والأحياء الهامشية للمدن الكبرى، وغضّ الطرف عن الخروقات واستعمال المال السياسي وشراء الأصوات، ما أفرز ثنائية قطبية بين حزب محسوب على التيار العلماني الليبرالي (الأصالة والمعاصرة)، أفرزته أصوات المناطق القروية وحزب إسلامي محافظ (العدالة والتنمية) من الحواضر والمدن الكبرى، بهدف تسويق صورة سيرورة ديموقراطية على غرار الدول التي تشهد سيرورة ثورية حقيقية، إضافة إلى تعميق الفجوة بين التيارات الأخرى غير المؤسساتية داخل المجتمع، وخصوصاً تلك التي دعمت حركة 20 فبراير، ولا يزال التنافر الأيديولوجي سبب خلافاتها وتشتّتها».
وأكد السالمي أن «التهويل» الذي يُواكب المعارك الإعلامية بين هذين الطرفين «يزيد من تعميق الشرخ، ما يُشكّل خطراً بالغاً على التماسك الاجتماعي في مجتمع مزّقته الفوارق الطبقية، والفساد، والفقر، واحتكار الثروة من قبل قلّة قليلة»، مشدداً على أن المستفيد الأكبر في نهاية المطاف هي «التيارات الجهادية. وهذا هو التحدّي الحقيقي الذي تُواجهه الملكية».
حرب الانتخابات البرلمانية في العام 2016
تنبأ محلّلون بنتائج إيجابية لـ «البجيدي» في الانتخابات التشريعية المقبلة، غير أن السالمي يقول لـ«السفير» إنه «لا يُمكن أن يطرأ أي تغيير جذري» في الانتخابات البرلمانية في العام 2016، لأن الكتلة الناخبة في الانتخابات المحلية «تختلف» عن الكتلة الناخبة في الانتخابات التشريعية، ناهيك عن «ارتفاع نسبة المقاطعة في الحواضر» قياساً بالقرى والمدن الصغرى، وبالتالي «يتّسع هامش التحكّم أمام السلطة لمصلحة أحزاب الدولة العميقة»، وفي مقدمتها حزب «الأصالة والمعاصرة».
وأشار السالمي إلى أن «الدستور يفرض على القصر اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات، لذلك من مصلحته (القصر) أن يُقلّص الفارق الشاسع بين العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى لتفادي الائتلافات الحكومية الهشّة».
في المقابل، رأى هاب، في حديثه لـ«السفير»، أن الانتخابات المقبلة «فرصة جديدة للشباب المغربي من أجل استكمال ورش النقاش السياسي الذي عرفه المغرب خلال هذه السنة حول المشاركة السياسية للشباب من طرف المجتمع المدني، وتطوير آليات هذه المشاركة من خلال تقديم تصورات ورؤى وبدائل جديدة من طرف الشباب، للمساهمة في مسار الإصلاح الديموقراطي، ولتكون الانتخابات المقبلة مدخلاً جوهرياً من أجل مشاركة أقوى للشباب المغربي في صنع القرار السياسي الوطني والمحلي».
لكن أين حركة «20 فبراير» من التغيير، وهي التي كانت تعبيراً عن التغيرات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي خصوصاً في المدن، والتي سرق منها «البجيدي» شعاراتها الرامية إلى إسقاط الفساد والاستبداد؟
شرح الصحافي المغربي رشيد البلغيتي، الذي شارك في الحراك الشبابي لــ «20 فبراير»، لـ «السفير»، أن جزءاً كبيراً من شباب الحراك اعتبروا هذه الانتخابات الجماعية والجهوية حلقة جديدة من مسلسل مؤسساتي فاسد، إطاره العام «دستور يعتبرونه ممنوحاً ولا يضع حداً للملكية التنفيذية، ولا يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كأساس لا محيد عنه لبناء الديموقراطية»، وبناء عليه، قاطعوا الانتخابات، معتبرين أن المشاركة فيها هي «تزكية للفساد والاستبداد».
وأضاف أن الحركة «فقدت زخم الشارع، ما يجعل قدرتها على الضغط من أجل التغيير هزيلة إن لم أقل منعدمة، لأنه متى غاب الشارع غابت قدرة الحركة على الضغط وإسماع الصوت».
انتقادات للانتخابات المحلية
أبدى «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» في المغرب، وهو مؤسسة رسمية، جملة من الانتقادات على الأجواء التي جرت فيها الانتخابات المحلية الأخيرة، منها:
-استعانة أحزاب سياسية عدة بالأطفال خلال الحملة الانتخابية، لتوزيع مناشيرها.
-حالات من العنف اللفظي، كان وراءها قادة سياسيون انتقدوا خصومهم بشدة، حتى وإن كانت وتيرة العنف الجسدي قد تراجعت.
-عدم تخصيص مداخل خاصة لذوي الاحتياجات الخاصّة إلى مراكز الاقتراع.
-عدم قدرة المهاجرين المغاربة في الخارج على المشاركة في الانتخابات.
في المقابل، انتقدت جماعة «العدل والإحسان» الإسلامية المحظورة في المغرب أجواء الانتخابات، قائلة إن نسبة المشاركة، التي قدرتها وزارة الداخلية، بـ53.67 في المئة مزوّرة.
أما المراقبون العرب للانتخابات المحلية، فقالوا إن عملية الاقتراع جرت في «أجواء مرنة» على الرغم من أن عدداً من الناخبين اشتكوا من عدم تمكينهم من التصويت، لأن أسماءهم غير مُدرجة في قائمة الناخبين.
أين فاز «العدالة والتنمية» و«الأصالة والمعاصرة»؟
فاز حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم، في عمادة مدن مغربية عدة، من بينها الدار البيضاء ومراكش وفاس وسلا والقنيطرة وتطوان وتارودانت والمحمدية، فيما قال مراقبون إنها المرة الأولى التي يستأثر فيها حزب بمرجعية إسلامية بتدبير مدن سياحية كبرى في المغرب.
وأسفرت انتخابات رؤساء مجالس الجماعات (البلديات)، والتي شملت 850 بلدية من أصل 1503، عن فوز حزب «الأصالة والمعاصرة» برئاسة 205 من المجالس الجماعية البلدية والقروية.
كما فاز حزب «التجمع الوطني للأحرار» برئاسة 136 مجلساً جماعياً، أي بنسبة 16 في المئة، ثم حزب «الاستقلال» المعارض برئاسة 131 مجلساً، أي بنسبة 15.41 في المئة. كما فاز حزب «العدالة والتنمية» برئاسة 98 مجلساً، أي بنسبة 11.5 في المئة، وحزب «الحركة الشعبية» برئاسة 89 مجلساً أي بنسبة 10.47 في المئة، وحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» برئاسة 82 مجلساً أي بنسبة 9.65 في المئة، فيما فاز حزب «التقدّم والاشتراكية» (غالبية) برئاسة 42 مجلساً أي بنسبة 4.94 في المئة.
أما بالنسبة للبلديات التي يفوق عدد سكانها 100 ألف نسمة، فاز حزب «العدالة والتنمية» برئاسة 17 مجلساً أي بنسبة 57 في المئة، و «الحركة الشعبية» برئاسة خمسة مجالس أي بنسبة 17 في المئة، و «الأصالة والمعاصرة» برئاسة ثلاثة مجالس أي بنسبة 10 في المئة، فيما فاز حزب «الاستقلال» و «التجمع الوطني للأحرار» و «الاتحاد الدستوري» و «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، كل واحد منها، برئاسة مجلس جماعي واحد، أي بنسبة 3 في المئة. كما تمكّن عضو غير منتمٍ سياسياً من الفوز برئاسة مجلس جماعي واحد أي بنسبة ثلاثة في المئة.
3 عقبات أمام الإصلاح الديموقراطي
خلصت دراسة لـ «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، بعنوان «آفاق المجتمع المدني في المغرب»، في آب الماضي، إلى ثلاث عقبات تعترض الإصلاح الديموقراطي في المغرب، وهي، السلطات الواسعة للملكية، والمجتمع المدني المزيف، والفجوة بين العلمانيين والإسلاميين.
وترى معدة الدراسة الباحثة في جامعة «أكسفورد» فيش ساكتيفل أن العقبة الأولى تتمثّل في السلطات الواسعة للملك، إذ إنه على الرغم من التعديل الدستوري في العام 2011، لا تزال الملكية تتمتّع بسلطات واسعة، ما جلب لها انتقادات كثيرة من مؤسسات عدة مؤيدة للديموقراطية خارج البلاد، وأخرى داخل البلاد على غرار حركة «20 فبراير» وحزب «النهج الديموقراطي» وجمعية «الحرية الآن» التي تعتبر أن الإصلاحات ظلّت جامدة وغير صادقة.
وضربت على ذلك مثالاً «أن العديد من المحلّلين يعتبرون أن الفصل 19، الذي يُخوّل الملك سلطات مطلقة في الدستور السابق، تمّ تعديله بشكل سطحي في العام 2011، ولا يزال الملك يتمتع بصلاحيات واسعة كسلطة الفيتو وتسيير الشأن الديني».
واعتبرت أن العقبة الثانية هي في أن النظام يتعامل مع المجتمع المدني بمنطق «الاستقطاب أو الإكراه»، وأنه «في بعض الأحيان يخلق هيئات تابعة له ليواجه بها الجمعيات المستقلة». وضربت على ذلك مثالاً «عندما تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلق النظام مؤسساته الحقوقية كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما أسّس المجلس الملكي للثقافة الأمازيغية لاحتواء الحركة الأمازيغية، بالإضافة للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية في الحراك الصحراوي».
وبالنسبة للعقبة الثالثة، أشارت ساكتيفل إلى الفجوة بين الإسلاميين والعلمانيين التي تنامت بشكل بارز خلال السنوات الأخيرة، وأكدت أنه «على الصعيد الرسمي فإن الأحزاب اليسارية، التي شاركت في العملية السياسية بضمانات قليلة وسلطات أقل، ما فتئت تعتبر الإسلاميين خطراً على الحداثة، وكانت هذه النظرة تتوافق إلى حد بعيد مع موقف القصر»، مضيفة أن «المخاوف من تنامي التيار الإسلامي جعل اليسار أقل تحمّساً للانفتاح السياسي والدمقرطة».
وأوضحت أن «الإسلاميين من جهتهم، رغم تحالفهم الإستراتيجي مع اليسار العلماني، إلا أنهم يعتبرونه نقمة على الطابع الإسلامي للدولة»، مشددة على أن «هذا التجاذب يخدم مصلحة الملكية التي بقيت فوق الصراعات»، وأن «من نتائج الصراع، استمرار العنف في الجامعة بين اليسار الجذري والإسلاميين على غرار ظهر المهراز في فاس».
يُذكر أن هذه الدراسة هي الجزء الثاني من سلسلة دراسات ينجزها «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في موضوع «الإسلام والطغاة».
- نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ الثلاثاء 22 شتنبر 2015 الصفحة 9