الآن، بعدما وضعت «الحرب» الانتخابية أوزارها، وبعد أن تشكلت مكاتب الجماعات والجهات، وبعد أن أحصى الجميع الغنائم والهزائم، حل وقت التقييم، الذي ينبغي أن ينكب عليه كل من له إرادة حقيقية في البناء الديمقراطي، في ضوء التحولات الكبيرة التي حصلت في منطقتنا والتي تحصل في العالم.
يمكن القول إن هناك مستويين من التقييم:
الأول، يهم المناخ السياسي العام، الذي تبين أنه لم يستجب -نهائيا- للتطلعات الديمقراطية، حيث تمت هذه الانتخابات في أجواءَ تفتقد إلى أي جدل ونقاش سياسي وفكري، بل إن ما ساد هو التراشق بالكلام والدعاية البدائية، مما غيب بعض التصورات الجدية، وجعلها تغرق في بحر متلاطم من التفاهات.
وإذا كان من اللازم تقييم هذا الواقع، فإنه من الممكن البحث في نجاعة المنظومة القانونية والسياسية والإدارية، التي تؤطر كل الاستحقاقات، والوقوف على مدى ملاءمتها لما ورد في الدستور من مبادئ ومحاور إيجابية، ومدى قدرتها على إنتاج النخب الفاعلة والكفؤة والنزيهة، والتخلص من نظام الزبونية الانتخابية المزدوجة، الإحسانية وشراء الذمم.
الثاني، يهم الأحزاب السياسية، خاصة تلك التي لم تحصل على نتائج لا ترضى عنها، والتي من واجبها إخضاع أدائها لمنهجية التشخيص، بهدف تقويم أوضاعها، حتى تستجيب أكثر لمتطلبات البناء الديمقراطي، وتتجاوب -بشكل أكثر فعالية- مع طموحات أعضائها، ومع المجتمع.
و رغم ما يحيط بهذه المهمة، من تضخيم وتهويل، من طرف بعض وسائل الإعلام، فإنها -في الحقيقة- تمرين عادي في كل الديمقراطيات، حيث تلجأ الأحزاب التي لم تحصل على النتائج المرجوة في الانتخابات، إلى مراجعة شاملة لخطها السياسي ولمجمل أوضاعها التنظيمية، وأساليب عملها وكيفية توجهها للمجتمع، وتحالفاتها، بهدف وضع اليد على نقاط الضعف، ومعالجتها بالسرعة والنجاعة الممكنة،حتى تكون –فعلا- جسما حيا، قادرا على التجدد.
و يكون هذا التمرين متاحا بعد كل استحقاقات، لأن الانتخابات هي فرصة ذهبية، لقياس قدرات الأحزاب في تأطير المجتمع، و هي معيار حقيقي، لاختبار كل المنظومة السياسية والتنظيمية والإعلامية والإدارية، للأحزاب.
لكن ينبغي هنا أن نميز بين البلدان التي تحيا حياة ديمقراطية و بين تلك التي مازالت انتخاباتها مشوبة بكل أنواع الغش والخروقات، بل إن الأمر يختلف عندما تكون أغلبية الكتلة الناخبة غير مشاركة، هذا ما يمكن أن يشكل موضوعا جديا للبحث والدراسة، لأنه يصيب الممارسة الديمقراطية، في أهم مفاصلها، و يعطي للأحزاب الديمقراطية مدخلا حقيقيا لطرح بدائل من أجل تصحيح الأوضاع العامة الشاملة في البلاد .

  •  عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
  •  الثلاثاء 22 شتنبر 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…