ماعاشه المغرب، في الإستحقاقات الأخيرة، مؤشر هام على الإشكالات الحقيقية التي يعيشها، و التي تؤكد أنه يقع بين مفترق الطرق. يمكن أن يسير نحو نموذج متخلف، تهيمن فيه الرجعية على الحكم، كما يمكنه أن يسير نحو النموذج الديمقراطي.
غير أن المعطيات المتوفرة لحد الآن، تبين أن المغرب لم يحسم بعد في النموذج المجتمعي، الذي يمكن أن يسير نحوه. و يبدو هذا واضحا من التطورات السياسية الأخيرة، التي كشفت عنها الإنتخابات الجماعية والجهوية.
هناك تقاطب له طابع يميني- يميني، بين أحزاب تنتمي للنموذج الليبرالي، على الطريقة المغربية، وبين حزب أصولي، رجعي، لا يهمه إلا تصريف هيمنته الإيديولوجية الإسلاموية، بأي ثمن، وفي نفس الوقت يقدم خدمات للرأسمالية المتوحشة، على المستوى الإقتصادي، ويكرس التحكم على المستوى السياسي.
غير أن هذا التقاطب، حتى هو بدوره «مخدوم»، لأنه من المفترض أن يكون التقاطب المنطقي والطبيعي، بين ثلاثة تيارات كبرى، اليمين الليبرالي واليمين الأصولي والأحزاب التي تنتمي لما يسمى الصف الوطني الديمقراطي، بمختلف توجهاتها. والواقع أن اليد الخفية، التي تصنع الخريطة السياسية، لجأت، منذ مدة طويلة إلى خلط الأوراق. حيث إختلط الحابل بالنابل.
لكن من سيربح من خلط الأوراق؟ حتما ستربح البروباغندا الطهرانية، لأن لديها من وسائل الديماغوجية ومن مرجعيات الإيديولوجية الدينية، ما يكفي من أدوات التكيف مع كل الظروف، وقول الشيء وفعل نقيضه، و التلون حسب الزمان والمكان، واستغلال مظاهر التدين والعبادة، للظهور أمام الناس بمظهر الصدق والنزاهة. ناهيك عن استغلالها للشبكات الدينية، في عملها السياسي.
هذا التقاطب المفتعل، الذي فرضته الآلة القوية، على المجتمع المغربي، أثبت أنه يفرش الورود أمام النموذج الرجعي، الذي لديه مشروع مجتمعي آخر، غير ذلك الذي تم التوافق عليه، في الدستور.
هل كان النموذج «الليبرالي» المغربي يعتقد يوما أنه سينجح في مواجهة المد الرجعي، بأساليبه التقليدية، المعتمدة على شبكات الزبونية والمحسوبية، واستعمال الأموال في الإنتخابات؟ تظهر كل التطورات أن هذا الأسلوب لم ينجح في مواجهة المد الأصولي.
خلط الأوراق، أدى عمليا إلى تغييب أية بدائل أخرى، تستطيع تقديم نموذج ديمقراطي، قادر على مواجهة المد الرجعي. وهذا ما ينبغي تفاديه حتى تتضح الرؤية.
- عن جريدة اتحاد الاشتراكي
- الثلاثاء 8 شتنبر 2015