الابتزاز عبر الصحافة، ممارسة غير جديدة، سواء في المغرب أو خارجه، حيث يتصل مدير الصحيفة بالضحية، ويخبره بأنه بصدد كتابة تحقيق حول قضايا وفضائح حقيقية أو مفتعلة، تورطه، ويقترح عليه أن يوقف النشر مقابل مبلغ مالي.
وقد سبق أن اعتقل بعض الأشخاص في المغرب، بهذه التهمة، بعد أن أبلغ عنهم، المُهَدَدون بالابتزاز، حيث نُصب لهم كمين، بتعليمات من النيابة العامة، مثلما حصل للصحافيين الفرنسيين، إريك لوران وكاترين كراسييه.
غير أن هناك أشكالا أخرى من الابتزاز، تمارس بواسطة الصحافة، حيث يلجأ بعض الناشرين إلى تقنية أخرى أكثر ذكاء، تعتمد على التصعيد ضد جهة معينة، سلطة أو شركات كبرى، في إطار الضغط للحصول على المنافع والإعلانات، وبعد أن يتحقق المراد، يتغير الخط التحريري، مائة وثمانون درجة.
كما شهد المغرب أشكالا مختلفة، من «صحافيين» و «ناشرين»، مغاربة وأجانب، تغيرت مواقفهم، بشكل مفاجئ، دون أن يفهم سر هذا الانقلاب السريع.
فبعد أن كانوا مقربين من السلطة، تحولوا إلى ثوريين جذريين بين عشية وضحاها. والتفسير بسيط، وهو أن النبع توقف عن ضخ الأموال والامتيازات، وهذا ما يجعل أولئك الذين تعودوا على الرضاعة من ثدي السلطة، في مرحلة فطام صعبة.
منهم من يحاول العودة إلى الثدي، عبر ممارسة كل أشكال الضغط والمزايدات، ومنهم من يبحث عن موارد أخرى، ويبحث عن عرابين جدد في الداخل والخارج، ويتحول إلى «معارض شرس». هذه الأقلية معروفة، وقد ابتليت الصحافة المغربية بها، في السنوات الأخيرة، وستظل مستمرة، ما لم يتم القضاء النهائي على أسباب نزولها.
من المعروف في منهجية الابتزاز، أمران: الأول هو أن هذه الممارسة لا تنجح إلا إذا كانت الضحية مستعدة للتجاوب مع المبتز، والثاني، هو أنه كلما استجابت الضحية للضغط، كلما تواصلت عملية الابتزاز، بشكل قد لا يتوقف أبدا.
ولعل ما حصل مع الصحافيين الفرنسيين، درس بليغ ينبغي أن يصبح سلوكا ثابتا للقضاء على أسباب الابتزاز، ووضع حد لهذه الانقلابات المفاجئة، في المواقف والانتماءات». بل أكثر من ذلك، فما حصل، ينبغي أن يفتح الأعين على واقع الصحافة الدولية، وأساليب اشتغالها، والنظر إليها بمنظور نقدي، فليس كل ما يأتي منها مقدس، فهناك ما هو جيد وهناك ما هو مدفوع الثمن.
- عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
- الاثنين 31 غشت 2015