طغت على الانتخابات الجماعية والجهوية، التي تجري حملتها الآن، أخبار الإنزال المالي، الضخم والكبير، حيث لا حديث للناس إلا على كمية الأموال المستعملة من طرف بعض الأحزاب، بشكل يتجاوز كثيرا الميزانيات المسموح والمصرح بها قانونا. فمن أين تأتي هذه الأموال؟
حسب المعطيات المتداولة، هناك صنفان من “الأموال”. الصنف الذي يستعمله أصحاب الشكارة الأصوليون، والذي تم تجميعه باسم العمل الخيري والإحساني، والقيم الدينية، على امتداد سنوات، حيث شكلوا شبكات من الزبائن يوزعون عليهم الخدمات والصدقات، في انتظار اليوم الموعود، الذي هو يوم الاقتراع.
وهناك الصنف الثاني، الذي ليس جديدا بدوره على الحياة السياسية المغربية، ويعتمد على أصحاب الشكارة من مختلف الآفاق، من الأعيان والأثرياء القدامى والجدد، تستقطبهم أحزاب معينة خاصة تلك التي تفتقد إلى قواعد مناضلة و إيديولوجية، وخط سياسي أثبت شرعيته في الميدان.
وقد تضاعف اللجوء إلى المال، من قبل هذه الأحزاب، أمام طغيان الحزب الأصولي، الذي لم يفعل في السنوات التي ترأس خلالها الحكومة، سوى استغلال تواجده في المسؤوليات العمومية، لتطوير شبكاته الزبونية، وتنمية جمعياته الموازية، مزاوجا في ذلك بين استعمال الدين والمال، في العملية السياسية.
ويبرر أصحاب الإنزال الكثيف للأعيان والأثرياء، في الحملة الانتخابية الجارية، لجوءهم إلى هذا الأسلوب، بأن “البادي أظلم”، أي أن الذي بالغ في توظيف الدين والمال، هو حزب العدالة والتنمية، مما جعل الكفة غير متكافئة، مع باقي الأحزاب، التي من المفترض فيها الالتزام بخوض الحملات الانتخابية، اعتمادا على إقناع الناخبين، فقط، كما ينص على ذلك القانون.
وهذا هو مربط الفرس، حيث أن التهاون في تطبيق القانون، هو ما أوصل البلاد إلى الحالة المزرية، التي تعيشها الآن. إذ لم يتم تفعيل القوانين التي تنظم العمل الإحساني والخيري، وعمليات جمع التبرعات، بالإضافة إلى عدم المواجهة الصارمة، لاستغلال الفضاءات والجمعيات الدينية في السياسة. كما لم يتم بالمقابل وضع مخطط لمواجهة الرشوة الانتخابية.
النتيجة، هي أن هناك أحزابا ومرشحين، يجدون أنفسهم بين مطرقة المال الذي أضفى عليه الأصوليون صفة “الحلال” أو ما يمكن أن نسميه “الرشوة الحلال” وسندان المال الحرام أو “الرشوة الانتخابية”، والصنفان لا يختلفان في كونهما رشوة بامتياز، تذبح الممارسة الديمقراطية من الوريد إلى الوريد. اختلفت الأسباب والموت واحد.

  • عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
  • الخميس 27 غشت 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…