تميز الاتحاد دوما في دخوله غمار الاستحقاقات، في كل مرحلة من مراحل تطور السياق السياسي في البلاد، ومع هذا التطور ، راكم الاتحاد تجربة في الفكر والممارسة.
ومن تجليات الاجتهاد الاتحادي في كل درجة من العمل الميداني، تطويره للتفكير في المؤسسات ، من منظور شمولي واستراتيجي كشفته في هذه المرحلة وثيقة البرنامج الاتحادي المقدم للرأي العام حول الجماعات المحلية.
وفيه التأكيد على أن الجماعات المحلية إحدى الرافعات الأساسية للتدخلات العمومية في مختلف مظاهر الحياة العامة للدولة. وهذه الأهمية في منظور الوثيقة الاستراتيجية لم تأت بمحض الصدفة ولا من فراغ، بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية أملتها ظروف ومعطيات معينة. تقول الوثيقة إن من جملة تلك الظروف المتحكمة في تنامي دور الجماعات المحلية، ما يتعلق بالعوامل الدولية والمتجلية أساسا في انتشار النهج الديمقراطي والمشاركة السياسية ودعائم دولة الحق والقانون،وهو ما يعتزمه المغرب تماشيا مع روح مختلف دساتير المملكة التي تدعو إلى إشراك الساكنة المحلية في جميع المبادرات التي تهم الشأن العام المحلي حتى تكون أكثر إسهاما في التعاطي مع الرهانات المطروحة عليها.
وإلى جانب ذلك، ساهمت العولمة بكل تجلياتها في تجاوز المفهوم التقليدي للحدود المتعارف عليها إلى مفهوم أكثر امتدادا وشمولا للمعرفة والاقتصاد والسوق، بحيث لا تعترف بالجهود الانفرادية للدولة المركزية، بل تضع من الفكر التشاركي أحد المبادئ الأساسية للتنمية المستدامة والشاملة.
وإذا كانت العوامل الدولية قد ساهمت بشكل كبير في تنامي الجماعات المحلية للاضطلاع بدور أكثر ديناميكية، فإن المعطيات الداخلية كرست أيضا هذا التحول نتيجة عدة أسباب، من بينها تراجع دور الدولة بسبب أزمة القطاع العام وتزايد النفقات العمومية وسوء التسيير، زيادة على مشكل المديونية وضعف مؤشرات الاقتصاد وانتشار الفقر والأمية والإقصاء الاجتماعي.
كما أن القطاع الخاص اتسم، ولفترات طويلة، بالهشاشة وضعف ومحدودية تدخلاته، علما بأن المشاريع التي تبرمجها الدولة تحتاج إلى استثمارات كبيرة وإمكانيات جد هامة عادة ما تتجاوز إمكانيات القطاع الخاص.وإلى جانب هذا، منحت القوانين المؤطرة للجماعات المحلية، ولا سيما الأخيرة منها، عدة إمكانيات للتدخل الاقتصادي إما بشكل مباشر أو بالدخول في شراكة مع فرقاء وفعاليات أخرى أو الانفتاح كليا على القطاع الخاص. إلا أنه، وبالرغم من هذه العوامل المساعدة والمحفزة لدور الجماعات المحلية في تنشيط الحياة الاقتصادية المحلية ودخول مجال التنافسية والاستثمار والانفتاح على المبادرات الخارجية، فمازالت هناك عدة رهانات كبرى تتطلب التعبئة والتخطيط».
نحن أمام وثيقة تأطيرية من النوع الذي يعلي من شأن الذكاء الجماعي والذكاء المواطن، في تلقي الضرورة التي لا بد من استحضارها عند اتخاذ القرار وإعطاء الموقف.
وهذا ما يصنع الفرق بين حزب وآخر، وبين مشروع وآخر.

  •  عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
  •  الثلاثاء 26 غشت 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…