يرتكز التصور العام للحكامة المحلية الإنمائية، كما يبلوره حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على المبادئ الفكرية والسياسية التي تنبثق منها الرؤية الاشتراكية التقدمية للأسئلة المجتمعية الكبرى ولإشكالات التنمية الشاملة وقضايا التدبير العمومي وتطوير البناء الديمقراطي. وقد استند هذا التصور العام، في تشكله وتطور مفاهيمه المختلفة، إلى التحولات المتعاقبة التي طبعت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بوصفه فاعلا وطنيا ومحليا حقق تراكمات تاريخية متميزة وبصم تجربة تدبيرية رائدة سواء على مستوى الإسهام في تطوير الفعل الديمقراطي أو على مستوى تأهيل التدبير المحلي. وفي خضم التفاعل مع مختلف التحولات التاريخية الملازمة للشأن المحلي، حرص حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من موقع المدبر المسئول أو من موقع المعارض الفاعل، على تثمين المكتسبات والمبادرات الإيجابية والسعي إلى تأهيل الممارسة المحلية معتبرا أن فعالية التدابير ونجاعة المشاريع تظل المعيار الحاسم للتدبير المحلي العقلاني.

إن الحكامة المحلية الانمائية مدخل أساسي من مداخل التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم بشكل كبير في ضمان الاستقرار السياسي والمجتمعي نظرا لكونها تشجع على ترسيخ مبادئ التدبير التشاركي وقيم الحوار البناء وحس المواطنة. كما تعتبر دعامة رئيسية للنمو الديمقراطي وتحديث بناء الدولة انطلاقا من تأهيل بنيات الجماعات المحلية والرفع من أدائها العام على الصعيد المؤسساتي وعلى الصعيد الخدماتي. والهدف الأساسي هو أن تصبح الجماعات الترابية فضاء مفتوحا للتفاعل القوي مع المواطن وإنجاز خدمات القرب بالطريقة الأنجع والدفاع عن حرية المبادرة والمساواة وتكافئ الفرص وتعزيز دورالشباب والمرأة في الحياة الجماعية. وانطلاقا من ذلك، وتزامنا مع الاستحقاقات الانتخابية الجماعية برسم سنة 2015، يتبنى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منهجية جديدة للديمقراطية المحلية وممارسة العمل الجماعي تؤسس لمفهوم خاص لا يحصر تدبير الجماعة المحلية فقط في الأدوار التقليدية المتمثلة في تقديم الخدمات للمواطنين، بل يجعل من التدبير المحلي إبداعا جماعيا قادرا على التنسيق الأمثل بين جهود كافة المتدخلين والمعنيين المحليين، وإيجاد الحلول المتجددة القائمة على المقاربة الاستباقية والتحليل التوقعي. فبهذا النوع من الحكامة المحلية الإنمائية، تستطيع الجماعة، باعتبارها مؤسسة عمومية أساسية، أن تؤثر بقوة في الحياة اليومية للمواطنين عبر تنفيذ الإجراءات الملائمة وتطبيق السياسات الناجعة في المجالات الحيوية المتمثلة في الأمن ومحاربة الفقر والهشاشة والبطالة، وفي مجالات البنيات التحتية والتهيئة الترابية والاستثمارات والحفاظ على البيئة وتوفير النقل وتنمية الثقافة والرياضة، والتأطير الواسع والهادف للطفولة والشباب ورعاية ذ وي الاحتياجات والأوضاع الخاصة.

في سياق الظرفية الراهنة المتسمة بالعديد من الإكراهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى ضوء الرهانات والتحديات المطروحة على الجماعات المحلية، تأتي المنهجية الجديدة التي يقترحها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتشكل فرصة متميزة لإحداث القطيعة مع التسيير الجماعي العشوائي القائم على المصالح الذاتية والعلاقات الزبونية وإقامة نظام مغاير خاص بالتدبير المحلي العقلاني المعتمد على المقاربات التشاركية والمبادرات المبدعة والحكامة الجيدة والمواطنة الفاعلة.

أولا. معاينةالوضع القائم

1. الخصوصيات المجالية
يتميز التراب الوطني المغربي بغنى وتعدد خصوصياته المجالية التي تختزن ثروة طبيعية تعد من أهم الأركان التي تثبت توازنه وأهم مرتكز للتنمية الشاملة والمستدامة. وإذا كان التقسيم الإداري والسوسيواقتصادي يرجح مفهومي الوسط القروي والوسط الحضري، فإن هذين الوسطين يتضمنان مجالات صحراوية وساحلية وجبلية يستدعي التصرف فيها واستغلالها منظورا ومقاربات اندماجية لحماية ما تزخر به من موارد وتثمينها وتلافي تدهورها الذي يؤدي في غالب الأحيان إلى التفقير المتعدد الأوجه والأبعاد. فهذه المجالات الأساسية تتأثر إيجابا أو سلبا بآثار سياسات التقسيم الإداري والتدخل الاقتصادي والاجتماعي التي تطالها.

ا) الوسط الحضري:
يضم النسيج الحضري المغربي أكثر من351 مدينة، ورغم غناه، فإن المدن المتعددة الأصناف المكونة له قلما تتوفر لها حقيقة مقومات المدينة المتكاملة.وتظهر بعض المؤشرات الاقتصادية المتوفرة العبء الديموغرافي الذي تعاني منه بعض المدن وضعف ما تنتجه من الثروة والذي لا يتناسب مع حجم ساكنتها، الشيء الذي ينعكس سلبا على الحركية الديموغرافية وعلى فرص التشغيل بالوسط الحضري وعلى حجم الاستثمارات التي تستقطبها مما ينعكس سلبا بشكل عام على أداء الاقتصاد الوطني.فعلى سبيل المثال، يلاحظ بأن الدار البيضاء التي تشكل قاطرة الاقتصاد المغربي تحتل فقط المرتبة 84 على سلم GaWC الذي يرتب المدن العالمية على أساس دورها الاقتصادي العالمي.
وما يثير الاهتمام هو أن جل المدن بما فيها الكبرى لا تتوفر على مخططات إستراتيجية للنمو على المدى البعيد تحدد الشكل الذي ستصبح عليه خلال العشر إلى العشرين سنة المقبلة وتموقعها وطنيا و دوليا. كما أن النسيج الحضري الذي يشكل العمق الترابي للاقتصاد لا يتوفر على خطة شاملة لتطويره. وهو ما يطرح سؤالا محوريا حول الآثار السلبية لتأجيل فتح ورش تطوير المدن المغربية. فتحليل الوضع الحالي يظهر أن المدن لا تتوفر على نظام قانوني يؤطرها وعلى نظام معلوماتي خاص بها وعلى نظام حكامة موحد مبني على قواعد اقتصادية واضحة للتدبير والتتبع والتقييم والمحاسبة. ويظل المحدد الأساسي لتطور المدن المغربية متمثلا بالأساس في وظيفتها السكنية في إطار التصورات التي تضعها وثائق التعمير المحدودة الرؤية والأهداف. ونتيجة لذلك، تبدو غالبية المدن مطوقة بأحزمة من الأحياء السكنية التي تأتي الواحدة تلو الأخرى، مما يعطي الانطباع بأن المدن تتطور من أجل السكن لا لوظيفتها الاقتصادية وخلق الثروة التي يبقى ثانويا. كما أن البرامج المحدودة للتطوير الحضري تقتصر جلها على تحسين البنيات التحتية وتوسيع الطرقات والإنارة والمداخل على أبعد الحدود في غياب منظور يتعاطى مع المدينة في بعدها الاقتصادي. وهذه الإجراءات لن تسمح بتطوير المدن المغربية لتضطلع بأدوار اقتصادية رائدة من خلال برامج ومشاريع تنموية منتجة لمناصب الشغل ولموارد إضافية. ومن جهة أخرى، تظل إشكالية المباني والدور المتقادمة والآيلة للسقوط إشكالية جد مقلقة بالمدن العتيقة حيث يتأكد طابعها الكارثي كلما انهارت بعض منها وأودت بأرواح ساكنيها أو مستعمليها. وإذ تواجه هذه الإشكالية خصوصا بمدن فاس والدار البيضاء ومكناس ومراكش، فإنه لم يهتد بعد إلى تثبيت استراجية واضحة المعالم من حيث الرصد والتشخيص الدقيقين ووضع برامج متكاملة التدخلات والتمويل وإعادة الاستغلال. والحالة هذه، يترتب على الجماعات المحلية المعنية استيعاب وامتلاك إشكالية المباني والدور المتقادمة والآيلة للسقوط، ضمن نطاقها الجغرافي، ومعالجتها بتعاون وثيق مع القطاعات العمومية المعنية والمتخصصة ومع كافة الشركاء الممكن تعبئتهم للتغلب على الأوضاع القائمة في هذا المجال.
وإذ يمثل الوضع الحالي نتيجة لمسار مسترسل من التدبير الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية لعدة عقود وبرؤية شبه أحادية، فانه أصبح من الضروري مراجعة التصور المعتمد بعد أن أظهر محدوديته. فا لمدن المغربية تحتاج اليوم لمخطط شامل للنهوض بها، وكل مدينة تحتاج لإستراتيجية خاصة لتطويرها حسب خصوصياتها وأفاق تطويرها. هذا الأمر يتطلب أولا إصلاحا مؤسساتيا يحدد الجهة أو الجهات التي ستشرف على وضع وتنفيذ هذا المخطط الشامل وعلى تمويله. إنه الجيل الجديد من الإصلاحات الكبرى التي يحتاجها المغرب والتي من شأنها الرفع من فعالية الاقتصاد وإعطائه نقلة نوعية تسمح له من التموقع السريع بين الدول الصاعدة. كما أن مخطط النهوض بالمدن يمكن أن يشكل نافدة جديدة لجلب المزيد من الاستثمارات الخارجية و أن يكون مكملا لمختلف الإستراتيجيات القطاعية التي يجب أن تصبح لها ترجمة نافدة وفعلية على مستوى كل مدينة تبعا للأدوار الاقتصادية المنوطة بها.

ب) الوسط القروي:
يصنف نصف مساحة المغرب ضمن مناطق قروية طالها الإهمال وعمها الفقر بسبب توالي سنوات الجفاف وانجراف التربة والتصحر مما ساهم في إفراغ معظمها من السكان خصوصا عن طريق الهجرة إلى المدن.ولم يبق في البعض منها إلا المعالون بصورة تضامنية من أقربائهم بالداخل و بالخارج .ويتميز العالم القروي بوضعيته المتردية التي يعيشها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والمتمثلة في انخفاض مستوى التنمية البشرية به مقارنة مع الوسط الحضري، وكذا ضعف البنيات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، إذ أن ما يقرب من 60 في المائة من القرى تعاني من العزلة والتهميش بسبب تخلف تكاملية التجهيزات الأساسية كالطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب والمراكز الصحية والمدارس، مما يزيد من استفحال ظاهرتي الأمية والفقر حيث إن نسبة مهمة من الساكنة القروية تعيش تحت عتبة الفقر، الشئ الذي يؤدي حتما إلى تفاقم ظاهرتي البطالة والهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية وخصوصا السرية منها.

على المستوى الديموغرافي،يقطن اليوم بالعالم القروي بالمغرب حوالي 45% من الساكنة، هذه النسبة في تراجع مستمر لعدة عوامل منها تزايد حجم المدن وتوسعها من خلال توسيع المدارات الحضرية للمدن الكبرى والصغرى والمتوسطة بإضافة مجالات كانت إلى عهد قريب مجالات قروية صرفة.وذلك من خلال ترقية بعض المراكز القروية إلى درجة مراكز حضرية بفعل التقسيم الإداري المتوالي، وبفعل الهجرة القروية وما تعرفه البادية المغربية من مشاكل حادة كالفقر والبطالة، وتراجع وتيرة النشاط الفلاحي بسبب التغيرات المناخية ونقص في التجهيزات الاقتصادية والاجتماعية.
كل هذه العوامل أصبحت تشكل مدخلا معقدا أمام تبني سياسة قروية تهدف إلى تنمية المجالات الريفية وتهدف بالأساس إلى الرفع من المستوى المعيشي للسكان وتأهيل المجالات القروية في إطار التنمية المستدامة.
ويعتقد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن تهيئة المناخ الملائم للجهد التنموي المحلي بواسطة العناية بالجماعات القروية وتنميتها لا يتأتى إلا في إطار النظرة الاندماجية والمتوازنة للجماعات المحلية المغربية وذلك باتخاذ منظور المساواة والعدالة بين جميع الجماعات المحلية وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب لها لاستغلال الثروة المحلية في ضوء خطة التنمية الشاملة. فالتباين الجغرافي الذي يطبع الجماعات القروية لا يمنع انتشار عملية التنمية الشمولية بجميع الجماعات القروية باعتبار أن التنمية الاقتصادية تقوم أساسا على برامج ومشاريع تنموية متناسقة ومتواصلة وأن النشاطات الاقتصادية لكل جماعة محلية تتركز في مواقع جغرافية هامة تكون مصدرا لإشعاع التنمية إلى جماعات أخرى وأيضا باعتبار أن مركز التنمية القروية يتكون من جماعة قروية رئيسية وأن التنمية الاقتصادية المتزايدة و المستمرة تكون مصحوبة بنوع من انتشار النشاطات الاقتصادية من المراكز إلى ما يحيط بها.

ج) المجالات الصحراوية والساحلية والجبلية:

يعتبر المجال الصحراوي مكونا أساسيا من مكونات التراب الوطني، وهو مجال حاسم في تمتين الوحدة الترابية وتعزيز المناعة المجتمعية التضامنية والاندماجية. ولذلك، فإن الحفاظ على خصوصياته الثقافية والاجتماعية والتثمين المتناسق والمتجانس لقدراته الاقتصادية وبنياته العمرانية مع هذه الخصوصيات، يعد عامل استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي. هذا العامل يترتب استحضاره في مختلف التصورات والمبادرات الإنمائية بالمجال الصحراوي.
في سياق هذا المنظور، يرى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضرورة التعبئة القوية والجماعية للحيلولة دون تفكك أنظمة الإنتاج والاستغلال ودون ظاهرة التصحر، ويتوجب مواجهة التدهور المسترسل لفضاء الواحات بالمغرب الناتج بالأساس عن التحولات التي تعرفها البنية الاجتماعية التقليدية إضافة للتحولات التي تعرفها البنية الاقتصادية، ومعالجة إشكالية نذرة الماء التي تطرح بحدة في هذه المناطق نتيجة للحاجيات المتزايدة من جهة، و قلة مصادر الماء، من جهة أخرى، وخصوصا على مستوى زيز كريس و درعة التي تشمل ثمانية ملايين من الهكتارات. إن رد الاعتبار للواحات أصبح أمرا ضروريا باعتبار الأهمية الإيكولوجية لهذه المناطق وما تزخر به من تنوع تراثي يتعرض لتدهور ولاندثار مستمرين.
أما المجال الساحلي فقد شهد، في جزء هام منه، استنبات الخرسانة المسلحة على حافة شواطئه دونما تحديد الملك العمومي واحترامه واحترام الولوجية الحرة للمواطنين إلى هذه الشواطئ، بل، وأحيانا، حجب المنظر البحري المريح للنفوس وللتأمل والاستمتاع العام. وأدى ذلك، في عدة حالات، إلى بتر الموروث الطبيعي البحري والإخلال بالتوازن البيئي والايكولوجي.
فبحكم اختصاصاتها وأدوارها، أصبح من اللازم على الجماعات المحلية الحضرية المتضمنة لفضاءات ساحلية أن تعمل على إيقاف الاتجاه السائد والمؤدي إلى تشويه هذا الفضاء، والدعوة إلى التدخل وفق تصاميم ومخططات متوسطة وبعيدة المدى لترشيد استغلال الوسط والمحيط الساحلي أينما كان.
وعلى صعيد أخر، فإن فضاءات المناطق الجبلية التي تمثل غالبا مكونا أساسيا من مكونات النطاق الجغرافي للجماعات القروية، وأحد مصادر ثروتها المادية والطبيعية والايكولوجية، بل وحتى إكراها من الإكراهات التي تحول دون استمرارية أنماط استغلال السكان للوسط والمحيط الجبلي في سياق ما ألفوه من حياة مرتبطة به. هذه الفضاءات كانت، على امتداد العقود السابقة، موضوع تدخل السلطات العمومية عبر برامج ومشاريع الحماية والتشجير وتجارب تثمين الموارد الكامنة بها. إلا أن ذلك لم يفرز تنمية شاملة وناجعة للعالم القروي وأنظمة الفلاحة، حيث لا زال تآكل التربة يكلف غاليا، ومكافحة التعرية وتآكل التربة اقل مما يقتضيه الواقع الميداني. فلا يمكن أن تصبح السياسة المعتمدة فعالة بالفعل إلا من خلال تنمية مندمجة ومتواصلة الحلقات للجبال وتدبير موروث الغابات والموارد الأخرى للأحواض الجبلية. فحماية موارد المجالات المرتفعة لن تتأتى بصفة واعدة إلا من خلال سياسة إعداد مجالي يكون فيه النوع النادر والثمين والوسط المحمي مندمجين كعناصر محورية للتصور الشامل. هذا بالإضافة إلى تعبئة الموارد البشرية في إطار أنشطة تحسيسية تبعث دينامكية محلية تؤثر على مجموع القطاعات وتستند على الملحوظ من وعي فعلي لدى غالبية المسئولين والفاعلين الاقتصاديين المقتنعين بأن هذه الموارد غير دائمة وتتدهور باستمرار، وأن ذلك يشكل مصدر تفقير.
ومما لا شك فيه، هو أنه يمكن أن تتبلور وتتحقق حماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي بصفة متوازية مع تتمين وإعادة الاعتبار للمواقع ذات الاهتمام الإيكولوجي من خلال عدة أنشطة مثل السياحة البيئية أو من خلال الإنتاج الفلاحي البيولوجي والحفاظ عليه وتثمينه والتعريف به في مجالات محددة للإنتاج. الشيء الذي يفترض اعتبار المكون الإيكولوجي أساسا للتنمية وداعما لها وليس معيقا لها.
فالمسؤوليات الوطنية والجهوية والمحلية والدولية على هذا الإرث تفرض ضمان استمرارية الثروات لفائدة الأجيال القادمة من خلال تثمين مكوناتها الأساسية، ولذلك فإن سياسة الحماية يجب أن ترتكز على هيكلة للمجال وفق تحديد مناطق حسب أهداف مدروسة ومحددة بعقلانية، مع استحضار الإكراهات المحلية والسياق الإيكولوجي والبشري والاقتصادي.
وفي كل الأحوال، فإنه من الضروري أخذ رأي السكان المحليين في الاعتبار، ويتعلق الأمر ?بخلق مجال للحوار والتفاوض، وليس فرض تصور تقنوقراطي،علما بأن تحقيق تقدم فعلي في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية بشكل مندمج على عدة جبهات، وحده يمكن أن يضمن تحقيق نجاحات في مجال حماية الموارد الطبيعية وتوازن المجالات الترابية.

2.معالم الجماعات المحلية:

أضحت الجماعات المحلية إحدى الرافعات الأساسية للتدخلات العمومية في مختلف مظاهر الحياة العامة للدولة. ولم تأت هذه الأهمية بمحض الصدفة ولا من فراغ، بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية أملتها ظروف ومعطيات معينة.
ومن جملة تلك الظروف المتحكمة في تنامي دور الجماعات المحلية، ما يتعلق بالعوامل الدولية والمتجلية أساسا في انتشار النهج الديمقراطي والمشاركة السياسية ودعائم دولة الحق والقانون،وهو ما يعتزمه المغرب تماشيا مع روح مختلف دساتير المملكة التي تدعو إلى إشراك الساكنة المحلية في جميع المبادرات التي تهم الشأن العام المحلي حتى تكون أكثر إسهاما في التعاطي مع الرهانات المطروحة عليها.
وإلى جانب ذلك، ساهمت العولمة بكل تجلياتها في تجاوز المفهوم التقليدي للحدود المتعارف عليها إلى مفهوم أكثر امتدادا وشمولا للمعرفة والاقتصاد والسوق بحيث لا تعترف بالجهود الانفرادية للدولة المركزية، بل تضع من الفكر التشاركي إحدى المبادئ الأساسية للتنمية المستدامة والشاملة.
وإذا كانت العوامل الدولية قد ساهمت بشكل كبير في تنامي الجماعات المحلية للاضطلاع بدور أكثر ديناميكية، فإن المعطيات الداخلية كرست أيضا هذا التحول نتيجة عدة أسباب من بينها تراجع دور الدولة بسبب أزمة القطاع العام وتزايد النفقات العمومية وسوء التسيير، زيادة على مشكل المديونية وضعف مؤشرات الاقتصاد وانتشار الفقر والأمية والإقصاء الاجتماعي.
كما أن القطاع الخاص اتسم، ولفترات طويلة، بالهشاشة وضعف ومحدودية تدخلاته، علما أن المشاريع التي تبرمجها الدولة تحتاج إلى استثمارات كبيرة وإمكانيات جد هامة عادة ما تتجاوز إمكانيات القطاع الخاص.وإلى جانب هذا، منحت القوانين المؤطرة للجماعات المحلية، ولا سيما الأخيرة منها، عدة إمكانيات للتدخل الاقتصادي إما بشكل مباشر أو بالدخول في شراكة مع فرقاء وفعاليات أخرى أو الانفتاح كليا على القطاع الخاص. إلا أنه، وبالرغم من هذه العوامل المساعدة والمحفزة لدور الجماعات المحلية في تنشيط الحياة الاقتصادية المحلية ودخول مجال التنافسية والاستثمار والانفتاح على المبادرات الخارجية، فلازالت هناك عدة رهانات كبرى تتطلب التعبئة والتخطيط. فثقل النمو الديموغرافي لا زال يطرح تحديا كبير من خلال الحاجيات المتزايدة وخصوصا في مجال التجهيزات والبنيات التحتية والتشغيل. فساكنة المغرب انتقلت من 15,4مليون نسمة سنة 1971 إلى 33,9مليون نسمة سنة 2014. كما أن معدل سكان الوسط الحضري ارتفع في نفس الفترة من %35 إلى %60، ويتوقع أن تبلغ ساكنة المغرب سنة 2024حوالي38 مليون نسمة بمعدل يصل إلى %67 بالنسبة لسكان الوسط الحضري.
وبالنظر إلى حجم هذا النمو، فإن الأمر يتطلب تجهيز حوالي4000 هكتار سنويا قصد الاستجابة لحاجيات الأسر بإقامة مساكن وتجهيزات ومناطق للأنشطة الاقتصادية التي تحتم سنويا تعبئة 1,8 مليار درهم.
وأخذا بعين الاعتبار، على سبيل المثال، حاجيات الساكنة من التطهير السائل وتصفية المياه العادمة، فإنه يجب تعبئة ما يعادل ملياري درهم ونصف سنويا إلى غاية 2018.
إن اعتبار الجماعات المحلية كشريك للدولة إلى جانب المؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، يحتم ولا شك أن تقوم هذه الجماعات بأدوار كبيرة ومتنوعة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أما على مستوى مالية الجماعات المحلية فتظهر المعطيات المتوفرة أن مجموع مصاريف الجماعات المحلية انتقلت من 11 مليار درهم سنة 2000 إلى13 مليار درهم سنة 2013 وهو ما يمثل نسبة 2,8% من الناتج الداخلي الخام لسنة 2000 مقابل 3,5% سنة 2013 وهي نسبة جد ضعيفة إذا ما قورنت مع عدد من الدول الرائدة في مجال الحكامة المحلية.
وإلى جانب هذه الإكراهات، فقد شهدت الجماعات المحلية امتدادا مجاليا واسعا، لكن بتوزيع مختل وغير منظم بسبب النقص في البنيات التحتية والتجهيزات، وتدهور المرافق العمومية، خاصة في مجال إيصال الماء والكهرباء والتطهير، وكذا اختلالات على صعيد قطاع النقل وضعف وسائل النقل العمومي.
ولم يخرج المجال العمراني عن هذه الاختلالات، إذ شهدت بعض المدن توسعا مضطردا في البناء العشوائي وانتشار مدن الصفيح والسكن غير اللائق وغياب الجمالية المعمارية المحلية المتوازنة وتدهور المحيط البيئي. وقد ولَّدت هذه الوضعية ظاهرة خطيرة تجلت بالخصوص في الإقصاء الاجتماعي وتفكك النسيج الحضري والتباين الصارخ بين المدينة والضاحية، بل وداخل المدينة الواحدة والحي الواحد.
لقد أظهرت التجربة المتراكمة أن المقاربات والوسائل المعتمدة حاليا محدودة الفعالية وتعتريها عدد من الاختلالات. فتصميم التهيئة الذي يؤطره القانون 12-90 للتعمير كوثيقة إستراتيجية لضبط التطور العمراني للجماعة وخلق نوع من الانسجام في النسيج الحضري وتحديد قواعد استعمال المجالات، تتداخل في إنجازها عدد من المصالح بدون تحديد دقيق للمسؤوليات حيث تحولت الجماعة إلى طرف ثانوي سواء في إنجازها أو تنفيذها علما أنها المسؤول الأول عن التعمير على المستوى المحلي. كما تحولت هذه الوثيقة إلى أداة للمضاربة والاغتناء والفساد. وبتقييم دور هذه الوثيقة تتجلى محدوديتها في التأثير على التخطيط العمراني الذي تتحكم فيه عوامل أخرى إلى حد اعتبارها مرادفا لتعطيل الاستثمارات عوض تحفيزها، فضلا عن ضعف نسبة تنفيذ التجهيزات والبنايات المبرمجة من خلالها بسبب عدم مواكبة التمويل. وفي أحيان أخرى تفرغها رخص الاستثناء من كل محتوى.
أما الوثيقة الثانية الجديرة بالاهتمام على مستوى تدبير الشأن المحلي فهي المخطط الجماعي للتنمية، وهي وثيقة حث عليا الميثاق الجماعي لسنة 2009 لإعطاء بعد عملي للتخطيط التشاركي، إلا أن التقييم الأولي لحصيلة العمل بالمخططات الجماعية للتنمية يبين بأنها وثائق محدودة الفعالية ولم يكن لها أثر على نمو وتطور الجماعات المحلية. فرغم أن نسبة تعميها وصلت لمستويات عالية إلى أن جلها بقي دون تنفيذ محتواها بسبب عدم مواكبة التمويل لمضامينها من جهة، وغياب التنسيق بين ما تبرمجه الدولة المركزية من خلال مصالحها اللاممركزة وما تحتاجه الجماعات من مشاريع، من جهة أخرى.
انطلاقا من هده المعطيات، تتبين الحاجة الماسة إلى تغيير مقاربة الدولة للجماعات المحلية كوحدات ترابية إدارية إلى جماعات اقتصادية تنافسية، تقوم فعليا بتنشيط الدورة الاقتصادية المحلية، وكأحد الشركاء الرئيسيين للدولة في المبادرات الكبرى وإنعاش الاستثمارات وحل المشاكل الاجتماعية وفق حكامة محلية إنمائية.

ثانيا: المقترحات الاستراتيجية للاتحاد الاشتراكي لإرساء الحكامة المحلية الإنمائية

ينطلق منظور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للجماعة المحلية من اعتبارها الفضاء الأساسي للتنمية المجتمعية الشاملة والمستدامة. ويجزم بأن هذا الاعتبار لا يمكن أن يتجسد استراتيجيا وعمليا إلا ضمن نظام إدارة إنمائي محلي أو حكامة محلية إنمائية يستوعب على الدوام، وبشكل تناسقي، أوضاع الجماعة المحلية ومستلزمات وأهداف تنميتها الشاملة والمستدامة. ولهذه الغايات، يتطلع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى العمل الملتزم والجاد من أجل إرساء الدعامات الإستراتيجية التالية لترسيخ الحكامة المحلية الإنمائية تصورا وتنفيذا.

1ـ الإصغاء الدائم لطلبات السكان والمعالجة التشاركية لمشاكلهم:

بحكمها فضاء حياة ونشاط السكان والوحدة الأساسية لبلورة خطط وبرامج التنمية الشاملة لفائدتهم وفائدة الأجيال المقبلة، فان الجماعة المحلية تمثل أيضا فضاء التواصل مع السكان، والحوار مع مختلف الفعاليات النشيطة بها، للإصغاء الدائم لملتمساتها وطلباتها واقتراحاتها، إضافة إلى تشخيص ما يعترضها،في إطار تشاركي، من إشكاليات وإكراهات تنموية ومشاكل مرتبطة بالحياة اليومية بقصد معالجتها وفق مقاربات تشاركية تعبئ كافة الطاقات المتاحة وتحظى بالموافقة الجماعية وتمكن من تحقيق الأهداف والغايات المنتظرة.
فالإصغاء الدائم لطلبات السكان وإلمامهم بالصيرورة التدبيرية والتنموية للجماعة المحلية لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال وبواسطة إعمال المنهجية التشاركية التي ما فتئت تترسخ بالمجتمع المغربي منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي عبر مشاريع تنموية سواء بالوسط القروي أو الوسط الحضري. وإذ أقر دستور 2011 الديمقراطية التشاركية بمختلف الأبعاد التي يمكن أن تمتد إليها، فإن الجماعة المحلية تعتبر بؤرة استنباتها وتجسيدها وإعمالها كدعامة أساسية للتنمية المحلية الشاملة والمستدامة. فلا يمكن للجماعات المحلية أن تستغني عن مبادرات ومساهمات المنظمات غير الحكومية الجادة والمتعبئة للاضطلاع بدورها التنموي إلى جانبها و إلى جانب السلطات العمومية في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فهي مطالبة بإدماجها الكامل في تحديد الحاجيات الملحة للسكان، والاستشارة في مواضيع مقاربات وأبعاد التخطيط وتنسيق البرامج والمشاريع التنموية المحلية والجهوية، والتحفيز على تنظيم الأفراد داخل تعاونيات إنتاج السلع والخدمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومما سيزيد من حيوية المنظمات غير الحكومية ودينامكيتها يكمن في تشجيعها الحثيث والاعتراف بها بتخويلها صفة ملاحظ ضمن اجتماعات المجالس المحلية والجهوية ومختلف اللجان المتفرعة عنها.

2ـ مواصلة الإصلاحات المؤسساتية للجماعات المحلية:

إن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، المتسارعة في العصر الحالي وفي الأمد المنظور، تفرض إصلاحات تجديدية متواصلة لأدوار الجماعات المحلية في مجالات التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك من حيث تطوير اللامركزية وتوسيع وتنويع اختصاصاتها وتحديث هياكلها.كل ذلك بغاية إرساء جماعة محلية تستبق تلك التحولات وتستوعبها وتصيغ وتنفذ البرامج والمشاريع الكفيلة بتراكم العوامل المتينة للتنمية الشاملة والمستدامة، وخصوصا الحد من عوامل الفقر والهشاشة وتفعيل كافة سبل إحداث مناصب الشغل المنتج لمحاربة بطالة الساكنة وخصوصا منها فئات الشباب الحامل لشهادات متوسطة وعليا في التعليم والتكوين. لذلك، فأولوية الإصلاحات المؤسساتية للجماعات المحلية تكمن في معالجة التحديات الكبرى التي تعترض مسارها الديمقراطي والتنموي والتي من أبرزها تمويل برامج ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية، والتأطير والتدبير على المستويين الإداري والتقني، وطبيعة الوصاية والمراقبة التي تخضع لهما ودرجة اللاتمركز المواكب للامركزية.
وفي خضم التحولات الكبرى التي تشهدها بنيات الدولة وتجدد أدوراها، واعتبارا لما جاء به دستور 2011 من مكاسب جديدة، أصبح من الضروري تطوير نظام اللامركزية الذي يستند على الشرعية الإدارية والعقلانية القانونية، وذلك بتبني منظور جديد ومقاربة مغايرة تجمع بين تعزيز المكتسبات السياسية، وتوخي البعد التدبيري من خلال ترسيخ مفهوم إدارة القرب، وإعادة اكتساب الثقة في الفعل العمومي من قبل القوى الحية، الأمر الذي يقتضى إعادة تأسيس قواعد ممارسة سياسة تحتم الشفافية والمساءلة والإشراك والإسهام.

ويتجلى بأن المالية المحلية تمثل الوسيلة الحاسمة من بين الوسائل المادية التي تؤثر في الحركة الاقتصادية المحلية ، حيث قام المشرع بعدة إصلاحات تروم منح الجماعات المحلية عدة موارد ذات طبيعة جبائية أو غير جبائية كالأملاك. كما أتاح لها اللجوء إلى الاقتراض من صندوق التجهيز الجماعي والاستفادة من أجزاء من الضرائب الوطنية كالضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات حسب القوانين المعمول بها في هذا الشأن. لكن لا زالت المالية المحلية تواجه تحديا مرتبطا أساسا بعاملين أساسيين: الأول يخص تدعيم نسبة استقلالية ميزانية الجماعات المحلية عن إمدادات الدولة، والثاني يتعلق بترشيد نفقات التسيير التي تمتص جزءا هاما من الميزانيات المحلية، والتي لا تترك هامشا مريحا للاستثمار والتدخل الاقتصادي. إن بداية التغلب على هذا التحدي تكمن في تجديد النظام المالي المحلي ليكون في مستوى متطلبات التنمية المحلية الشاملة والمستدامة، وذلك بتعزيز الموارد المحلية الذاتية، والرفع من موارد الممتلكات الجماعية، والرفع من تحويلات الدولة المالية لصالح الجماعة المحلية والاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة على صعيد التعاون الدولي واللجوء إلى التمويل الخاص لفائدة الخدمات العمومية.
أما بالنسبة لتحدي التأطير على المستويين التقني والإداري، فإن إرساءه على الوجه الأمثل يقتضي تعبئة تقنيين من مستويات التكوين المتوسطة والعليا ومد الجماعة المحلية بها حتى تتوفر لها إمكانيات تحسين قدراتها في مجالي الهندسة والخبرة الناجعة لتا طير الفعل التنموي المحلي وفق منظور واقعي، استشرافي ومتكامل وضمن شروط تكفل الجودة والمر دودية المثلى.
وبخصوص تحدي الوصاية والمراقبة المالية المفروضة على الجماعات المحلية، فإنها تمس بالأساس المالية المحلية انطلاقا من مبدأ تحكم الدولة فيها. وإذا كان الميثاق الجماعي لسنة 2002 قد أقر اتجاها إصلاحيا لهذه الوصاية بتخفيف الوصاية المالية باعتماد تخفيف المراقبة القبلية وتعزيز المراقبة البعدية، فهذا الإصلاح لم ينفذ بعد إلى إرساء القواعد الناجعة لإعمال ذلك، كما لم يؤسس للآليات اللامركزية للاضطلاع بمهام التدبير الإداري العقلاني والسريع على مستوى المصادقة والمراقبة المتعلقة بالقرارات والمشاريع النابعة من الجماعات المحلية. وبالتالي فان مراجعة شاملة لأوجه نمط الوصاية على الجماعات المحلية ضرورة ملحة لتحريرها من قيود المساطر العقيمة والمعيقة لتسريع التنمية المحلية.
وبالنسبة لللاتمركز، فإنه لم يصل بعد مداه، ويظل الحلقة المفقودة في مسلسل تناسق وتنسيق مختلف البرامج والمشاريع المبرمجة من لدن الإدارة على المستوى المحلي، مسلسل يتأسس على إستراتيجية تنموية متضامنة مجسدة في مقاربة متكاملة على المدى المتوسط والبعيد ومعتمدة على تتبع وتقييم الأعمال المبرمج إنجازها. فباكتمال هذه الحلقة، يمكن لللاتمركز أن يجعل من الجماعات المحلية ومن المصالح اللاممركزة عناصر حقيقية للتغيير ولبنات الاتجاه المؤمن نحو جماعات محلية مواطنة، ديمقراطية وإنمائية. ولهذه الغايات، يرى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنه من الضروري توسيع وتعزيز المصالح اللاممركزة وتمتيعها بالاختصاصات والسلطات التي تخول لها قدرات وصلاحيات الاندماج الواسع في مسارات ومخططات التنمية المحلية الشاملة والمستدامة.

3ـ تعزيز المؤهلات البشرية للجماعات المحلية:

تعتبر الموارد البشرية العاملة بالجماعات المحلية العمود الفقري للاضطلاع بالمهام المنوطة بها وتطوير أدائها من حيث خدمة السكان ومن حيث الفعل التنموي المتعدد المجالات، ومن ثم فإنها في حاجة إلى اكتساب مؤهلات التخصص والمهارة والكفاءة وإلى تنظيم أداء مهامها ليتم بأعلى مستويات النجاعة والفعالية. الشيء الذي يقتضي تعزيز الموارد البشرية التي تتوفر عليها بأخرى جديدة والرفع من المؤهلات المتاحة بواسطة التكوين المستمر، الهادف والمركز، واعتماد إعادة الانتشار كلما كان ذلك محفزا للعنصر البشري العامل ومستجيبا لمعايير الرفع من المر دودية وتحسين جودة الأعمال المنجزة والخدمات المقدمة. على أنه يستوجب تعزيز هذه التوجهات بانتداب منتخبين ممن تتوفر فيهم قدرات الاطلاع والتحليل واتخاذ المبادرة المدروسة والمحسوبة والمتمتعين بمميزات التواصل التفاعلي الايجابي والمنتج، فضلا عن التحلي بالصدق والنزاهة وتقدير روح المسؤولية. فالجماعات المحلية بما قد تشيع به من أخلاق وممارسات نموذجية وتقدير للمسؤولية يمكن أن تكون بؤرة استنبات وإخصاب المواطنة الحقة وأن تعوض ما استخسره نظام التربية على صعيد تلقين القيم المجتمعية المثلى. وبناء على كل هذه الاعتبارات، فإن الموارد البشرية العاملة بالجماعات المحلية تستحق أن تحظى بالاعتبار والتوجيه والتأطير والتقييم، والتقويم كلما دعت الضرورة ذلك.

4 ـ إرساء التخطيط المتوسط والبعيد المدى:

إن مهام التنمية الشاملة والمستدامة المنوطة بالجماعات المحلية، حسب خصوصياتها من حيث المساحة والمكونات الجغرافية وطبيعة العمران وكثافة السكان والتحديات التنموية القائمة والمتوقعة، تقتضي التشخيص الدقيق، الدوري والمحين لأوضاعها، والاستناد عليه لوضع خطة عمل ذات بعد متوسط وبعيد. ويعنى بخطة العمل هذه، فضلا عما أقره الفصل 36 من الظهير رقم 1.08.153 بتاريخ 18 فبراير 2009 الخاص بالقانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، كما تم تغييره وتتميمه، في موضوع مخطط التنمية الجماعية، الإطار الاستراتيجي التوجيهي والاختياري للأهداف المتوخى تحقيقها على المدى المتوسط والبعيد، والمستوعب لبرامج ومشاريع عمل تتسع مدة انجازها، حسب طبيعتها وحجمها، لأحد هذين البعدين. فضلا عن ذلك، فخطة العمل أداة لبرمجة تلك البرامج والمشاريع، ولبرمجة الموارد المالية الضرورية لإنجازها، ولتحديد وضبط تدابير وإجراءات التنفيذ والتناسق واستباق تثبيت شروط الاستغلال الأمثل للمنجزات عند نهاية تحقيقها على أرض الواقع. إنها أرضية الحكامة المحلية الإنمائية. ومهما يكن من أمر، فلا محيد للجماعات المحلية من الاعتماد على خطة عمل متناسقة ومحينة دوريا، وإنها لا تمثل أي قيد لآي طرف يتولى مسؤولية تدبيرها ما دامت نجاعته ستقاس بمدى ما حققه من أهداف وغايات محددة مسبقا أو محينة خلال المدة المرسومة لتنفيذها. فلابد من التذكير بأن الحكامة المحلية المثلى لا تستقيم إلا قي إطار تصور استراتيجي مرجعي تجسده خطة عمل على المدى المتوسط والبعيد، وهو إطار يرسم المسلسل البعيد المدى الكفيل بتحقيق التراكم اللازم وإرساء وتمتين آليات التخطيط والبرمجة والإنجاز والتقييم والتقويم، والذي، بفضل الحكامة الجيدة لمضامينه وأبعادها، يجعل العمل الجماعي في مأمن من الآثار السلبية للتقلبات الظرفية وخصوصا منها السياسية الملازمة للاستحقاقات الانتخابية. فالتنفيذ الأمثل لمضامين خطة العمل المحلية، وإن كانت من تصور ووضع مجالس منتخبة سابقة، يضفي المصداقية على العمل الجماعي ويستقطب اهتمام الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين واهتمام الساكنة بصفة عامة.
ويجدر التأكيد على أن اعتماد التخطيط المتوسط والبعيد المدى على صعيد الجماعات المحلية يقتضي في كل حين التوفر على الوثائق الأساسية موضوع الفصل 38 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ،كما تم تغييره وتتميمه، والتي تتمثل في التصاميم المديرية للتهيئة الحضرية، ومخططات التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى الخاصة بإعداد التراب والتهيئة الحضرية. فلا يمكن أن يستقيم مخطط التنمية المحلية دون أن يرتكز على التوجهات والاختيارات والتشريعات والإجراءات التي تقرها هده الوثائق، فضلا عما ترسمه على المدى المتوسط والبعيد من اتجاهات التطور السكاني والعمراني والاقتصادي والاجتماعي. وبناء على ذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤسسات الدولة ذات الصلة بوضع وتوفير هذه الوثائق لكل جماعة محلية، سواء كانت حضرية أم قروية وفق منظور استشرافي متناسق ومحين عند نهاية مدى محدد، وبعيدا عن الاعتبارات والمصالح الضيقة. ويقتضي الوضع القائم ضرورة إدخال إصلاحات جريئة وسريعة تعيد الاعتبار لتصميم التهيئة وتجعل منه وثيقة شفافة للتخطيط العمراني المستدام، ومحفزا للاستثمار مع إعطاء الجماعات المحلية صلاحيات أوسع سواء على مستوى إنجاز أو تنفيذ مضامين هذه الوثيقة.

5 – إعمال وتعزيز آليات التنمية الشاملة والمستدامة:

اقر الظهير رقم 1.09.297 بمثابة قانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، كما تم تغييره وتتميمه، إمكانيات وآليات متعددة لفائدة الجماعات المحلية يمكنها الاستناد عليها لوضع وإنجاز برامج ومشاريع تنموية محلية. ومنها على وجه الخصوص:
-اعتماد آلية الشراكة مع الإدارة والجماعات المحلية الأخرى والأجهزة العمومية.
-إعمال كافة العمليات التنموية الممكنة في إطار التعاون والشراكة مع الإدارة وباقي الأشخاص المعنويين بمفهوم القانون العام، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين الخواص ومع أي جماعة محلية أو منظمة أجنبية.
– إحداث شركات التنمية المحلية أوالمساهمة فيها بغرض النهوض بالأنشطة ذات الطابع الصناعي والتجاري في حدود اختصاصات الجماعات المحلية والجماعات المتحدة معها.
إن إعمال هذه الآليات الأساسية بغاية تحقيق النهوض بالتنمية المحلية الشاملة والمستدامة يقتضي تمتيع الجماعات المحلية بقدرات أكبر واختصاصات أوسع وموارد بشرية ومالية أكثر، لتجعل منها قوة واعدة وحقيقية للتشارك والتعاقد في ظل وصاية إدارية ومالية أخف وضمن شروط المراقبة المستنيرة والمعينة والجزائية. وهذا يعني بأن دور الدولة، بما تخوله من صلاحيات وتمد به من موارد، يجب أن يرقى إلى هذا المستوى المنشود و أن يتجسد في مهام الاستشارة والتوجيه والتأطير الواضح والمستنير والمنضبط.
وضمن هذا السياق، يجب أن تتكاثف وتتناسق جهود الدولة والجماعات المحلية والشركاء لتجعل من كل جماعة محلية، وسطا ومحيطا، فضاء واعدا ومستقطبا للاستثمارات الزراعية والصناعية والتجارية والثقافية، الشيء الذي يقتضي توفرها على تصاميم مديرية ومخططات التهيئة وإعداد التراب، محينة باستمرار، ومبينة مناطق ومواقع احتضان مشاريع هذه الاستثمارات والبنيات الأساسية والإجراءات التحفيزية الميسرة والمشجعة على إنجازها ضمن شروط تؤمن مرد وديتها وتوسعها.

6 – تحديث أساليب العمل:

تظل المهام المنوطة بالجماعات المحلية والأدوار المنتظرة منها في مجال التنمية المحلية الشاملة والمستدامة دون المستوى التاهيلي الذي يمكن أن يتيح لها الاضطلاع بصفة مرضية بهذه المهام والأدوار. وليتوفر لها ذلك، فإنها في حاجة ماسة إلى مراجعة جذرية لهيكلتها الإدارية والتقنية وإلى وضع نظام ملائم للموارد البشرية العاملة بها من حيث التخصصات والمؤهلات والوظائف وتوزيع المهام ومن حيث المسارات المهنية لهيئة موظفي الجماعات المحلية، إذ أصبحت هذه الأخيرة في حاجة ماسة إلى إطار مهني ملائم ومحفز يندرج ضمن وظيفة عمومية محلية يترتب وضعها وإقرارها.
وفي عهد تسارع تطور التكنولوجيات الحديثة والاقتصاد الرقمي، فإنه من الضروري تحديث أساليب عمل وتدبير الجماعات المحلية للشؤون المحلية وللعمليات والأنشطة التنموية والتعامل مع السكان والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين، ومع أطراف التعاون والشراكة على المستويات المحلية والجهوية والوطنية والدولية. الشيء الذي يقتضي تعزيز قدرات الجماعات المحلية للاندماج الوثيق في حركية التكنولوجيات الحديثة وإرساء أنظمة معلوماتية ميدانية تكفل الأداء الجيد وأعلى مستويات المر دودية والنجاعة.
كما أنه من اللازم إرساء أنظمة معلوماتية متخصصة تعين على تصور وتدبير المشاريع التنموية وتتبع وتقييم إنجازها واستغلالها، وخصوصا استدراك ومحو الاختلالات التي تشوب بعض المشاريع المنجزة أو قيد الإنجاز على مستويات التصور والإنجاز وإهمال المقاربة الاندماجية والتنسيق والتناسق المؤدي في غالب الأحيان إلى إهدار المال العام. ومن جهة أخرى، فحسن تدبير الجماعات المحلية لا يرتبط فقط بالجانب المالي، بل يشكل التحكم في التوسع العمراني للوحدات الترابية أحد المؤشرات المهمة لإنجاح ذلك التدبير. فعدم ضبط الامتداد الترابي للمدينة قد يخلق أشكالا ومظاهر متعددة، حيث أن جل المدن فاقت بكثير التوقعات المجالية والزمنية التي حددتها وثائق التعمير المعتمدة على هذا الصعيد، مما يشكل حجرة عثرة لتنمية الوحدات الترابية. وانطلاقا من هذا، فإن الأمر يتطلب مقاربة جديدة لتوسع مدننا بتبني منظور شمولي تشاركي يتجاوز تدخلات القطاع الواحد والإدارة الواحدة نحو بناء مشروع حضري متكامل الجوانب ومرتبط بالتنمية المحلية الشاملة والمستدامة.

7 – مراجعة التدبير المفوض للمرافق والخدمات العمومية:

استفادت بعض الشركات الأجنبية من تدبير وتسيير العديد من المرافق العمومية المحلية، في إطار ما يعرف بالتدبير المفوض. وقد أثارهذا الأخير أكثر من سؤال حول نجاعته، خصوصا أمام ارتفاع أسعار الخدمات بالمدن التي اعتمدته، وأدى إلى مشاكل معقدة بعدد من المدن. وأمام غياب آلية التتبع والتقييم، يتبين أن إعادة النظر في هذا النمط التدبيري بات ضروريا، سيما وأنه لم يساهم في التنمية السوسيواقتصادية بقدر ما ساهم في استفادة الشركات المفوضة من أرباح كبيرة، إضافة إلى ما يقره كثيرمن المتتبعين في كون التدبير المفوض أفرز العديد من الإشكالات، ومن ثم أضحى الاعتماد على توجهات أخرى لتجاوز مكامن ضعف هذا التدبير، أمرا ضروريا. فإذا كانت جودة الخدمات متدنية عندما كانت الجماعات المحلية تدبر مجموعة من المرافق، فيرجع ذلك إلى سوء التدبير الذي لم يعالج عبر عقود متتالية، كما أن الجودة لم ترق إلى المستوى المطلوب لدى الشركات التي استفادت من التدبير المفوض، فعلى الرغم من أن هذه الشركات تعمل على تدبير تطهير السائل، يلاحظ أن هناك مجموعة من المشاكل ما زالت مطروحة في هذا المجال.
وعلى صعيد النقل الحضري يلاحظ قدم الحافلات المستعملة واختلالات على مستوى تنظيم وسير شبكات النقل. كما لوحظ ارتفاع كبير لفواتير الماء والكهرباء في المدن التي تعتمد تدبيرا مفوضا كمدن طنجة وتطوان والدار البيضاء، مما ساهم في تدني القدرة الشرائية للمواطن بسبب تغييب الجانب الاجتماعي أثناء الإعداد لدفاتر التحملات. وإذا كان الإشكال المطروح بخصوص التدبير المفوض يكمن في مدى قدرة الجماعات المحلية على تتبع أشغال المرفق المفوض، فإن هناك بدائل أخرى كخلق شركات الاقتصاد المختلط، الذي يمكن البلديات من أن تكون مساهما رئيسيا في التدبير في الحد الأدنى 51 في المائة، وتنطبق عليها، في هذه الحالة، مقتضيات الشركة الخاصة، بالإضافة إلى الاستفادة من نسبة من الأرباح التي تحققها الشركة. وإجمالا، يظل تقييم تجربة التدبير المفوض مرتبطا بتقييم كل من جودة الخدمات المقدمة، ومساهمة هذا التدبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا نقل الخبرات والتكنولوجية، هذه الأخيرة التي ما زالت لم تحظ بعد بالاعتبار اللازم. فبدل الاقتصار على أن تأتي الشركات بتقنيات جديدة لتدبر مجموعة من المرافق، يجب الاهتمام بالمنشآت العمومية، وإنشاء التجهيزات والبنيات التحتية لمجموعة من الجماعات الحضرية والقروية لتتأهل وتتحكم في تدبير ناجح، بقدرات وطنية، للمرافق العمومية التي تتولاها.

8 – رعاية ذوي الاحتياجات والأوضاع الخاصة:

تعتري المشهد المجتمعي المغربي ظواهر مؤلمة تتمثل في معاناة فئات مختلفة من السكان من عاهات مرضية وآفات صحية ومن أوضاع الإهمال والتشرد والخصاصة الحادة. وإذا كانت مجهودات متباينة تقام في إطار المبادرة

الوطنية للتنمية البشرية ومن طرف القطاعات الحكومية ذات الارتباط، وأحيانا من طرف المحسنين، فإن الرعاية العميقة، الدائمة والشاملة لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار إستراتيجية وهياكل وشبكات القرب تشكل الجماعات المحلية ركنها وقاعدتها الأساسية.فالرصد الفعلي للمصابين بأمراض وعاهات صحية لدى عديمي التكفل، والأطفال المشردين، والشباب المعاني من وضعيات إدمانية، والمسنين والمسنات المتخلى عنهم، يتم على صعيد الجماعة المحلية أو حي من أحيائها، وبالتالي فان المعرفة الحقيقية لأسباب هذه الاحتياجات والأوضاع وسياقاتها وسبل معالجتها لا يمكن أن يتحقق على الوجه الأكمل إلا على هذا الصعيد: صعيد القرب.
ولذلك، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يؤكد ضرورة إرساء رعاية ذوي الاحتياجات والأوضاع الخاصة كاختصاص من اختصاصات الجماعات المحلية ينجز بصفة منفردة وتشاركية في إطارها وعلى صعيدها بتمويل ذاتي وبمساهمات فاعلة للقطاعات العمومية المعنية ومساهمات مختلف الداعمين والمحسنين.
وفي هذا السياق، يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن الوقت قد حان لتفعيل المحور الرابع من الفصل 41 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما تم تغييره وتتميمه، والخاص باعتماد كافة عمليات المساعدة والدعم والتضامن وكل مبادرة ذات طابع إنساني وإحساني مع تسخير كل الشراكات الممكنة والمساهمة الفعلية من خلال إنجاز برامج المساعدة والدعم والإدماج الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص في وضعية صعبة. كما يترتب، تبعا لذلك، مراجعة هيكلة مصالح الجماعات المحلية بغاية إحداث وحدات إدارية متخصصة في الاضطلاع بمهام رعاية القرب لفائدة ذوي الاحتياجات والأوضاع الخاصة.

9 – تأطير الطفولة والشباب:

أضحت مسألة تأطير الطفولة والشباب قضية تحتل حجر الزاوية في استدراك آثار ما تعرضت وتتعرض له الطفولة والشباب من مظاهر الإهمال والتهميش . وتظل تحديا قائما لإكساب الطفولة والشباب المناعة الكافية من آثار التحولات والاستقطابات الحالية والمستقبلية المخلة بقيم المواطنة العميقة والالتحام المجتمعي. وهي آثار غالبا ما تؤدي إلى الانحراف وفقدان التوازن النفسي والثقافي، فيصبح جزء من الطفولة والشباب ضحية ومصدر الآفات الاجتماعية ومظاهر العنف وممارسة سلوكات هدامة بصفة إرادية أو غير إرادية.
إن المعالجة الجذرية والواعدة لهذه المسألة، إذ تقع على عاتق النظام التربوي والتكويني وعلى عاتق مؤسسات الطفولة والشباب والثقافة والرياضة، الموجودة مبدئيا لهذا الغرض، فإنها لا يمكن أن تتوسع وتتكامل إلا في إطار مبادرات القرب الرامية إلى تأطير الطفولة والشباب، وبالتالي على صعيد الجماعة المحلية، إن لم يكن على صعيد حي أو مجموعة من أحيائها.
ولهذه الغاية، يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن تأطير الطفولة والشباب يجب أن يكون من أهم مكونات برامج ومشاريع الفعل التنموي الاجتماعي والثقافي والرياضي للجماعات المحلية. وفي هذا السياق، فإن اختصاصات وتدخلات الجماعات المحلية يجب أن تتوسع لتتضمن المبادرات والتدابير التالية:
-إحداث مصلحة خاصة بالأطفال والشباب داخل الجماعات من أجل تنسيق الأدوار والاختصاصات الموجودة وملائمة العروض المتعلقة بالاستقبال والأنشطة الموجهة للأطفال والشباب والربط بين الساكنة ومؤ طري الطفولة مثل المدارس والجمعيات التربوية والرياضية والثقافية.
-تأمين أماكن استقبال الأطفال ومحيطها (فضاءات خاصة، منطقة ذات سرعة منخفضة، علامات التنبيه، ممرات الراجلين…).
-اعتبار حاجات الأطفال وأسرهم (استعمال العربات الخاصة بالأطفال) في التهيئة الحضرية.
– دعم التكوين المستمر لمهنيي ومؤ طري استقبال الأطفال والشباب.
-تشجيع المشاركة الفعلية للشباب في الحياة الجماعية لتمكينهم من إسماع انشغالاتهم ومحاكاة ممارسة المواطنة الحقة خاصة عبر إحداث أو تقوية المجالس الجماعية للأطفال والشباب.
-تكوين الفاعلين المحليين في قطاع الطفولة والشباب.
-اعتماد مقاربة تشاركية ومواطنة تعتمد التشاور والتنسيق بين مكونات المجتمع المدني لتنمية وتهيئة مساحات للعب والفضاءات الخضراء من أجل تمكين الأطفال والشباب من استثمار الفضاء العمومي بكل أمان.
-تخصيص فضاءات للأطفال والشباب لتنظيم أنشطة تربوية وثقافية ورياضية خاصة أثناء العطل المدرسية ونهاية الأسبوع.
-تيسير الولوج إلى البنيات التحتية الثقافية والتربوية والرياضية بتعبئة فرق للتواصل المباشر مع الأطفال والشباب وذويهم، لتنظيم أيام الأبواب المفتوحة وإجراء برامج التاطيروالتنشيط الثقافي والرياضي.

10 – توسيع وتعزيز أمن المواطنين:

يعتبر الأمن حق أساسي من حقوق المواطن بمقتضى الفصل 21 من الدستور الذي ينص على ?”أن لكل شخص الحق في أمن شخصه وأمن أقاربه وحماية ممتلكاته، وتضمن السلطات العمومية أمن المواطنين وأمن التراب الوطني، في احترام تام للحريات والحقوق الأساسية المضمونة للجميع? “. إنه حق يجب أن يتوفر للجميع وفي كل مكان. فلا وجود لحقوق الإنسان بدون أمن، ولا أمن بدون احترام حقوق الإنسان. والمعركة من أجل إشاعة الأمن حيثما كان مهددا، يجب أن ترتكز على مبادئ ثابتة تضمن شرعيتها وفعاليتها، وهي توجد في قلب العقد الاجتماعي الذي يربط المواطنين بالحاكمين داخل بلد معين، وهي تعني المؤسسات الحصرية للدولة المتمثلة في القانون والعدالة وقوات الأمن.
لقد أصبح من المقلق اتسام المجتمع المغربي بنقط سوداء في مجال أمن المواطنين، فالمعطيات المتوفرة تشير إلى الزيادة المتواترة للعنف (جرائم القتل، جرائم الاعتداء في الشارع العام، السرقة الموصوفة وغيرها من جرائم الاعتداءات الجنسية). فقد تزايدت، منذ 2004، وتيرة الاعتداءات والمس بالسلامة الجسدية للأشخاص إذ انتقلت من 23706 حالة اعتداء إلى 37653 حالة اعتداء سنة 2011. وإذا كانت الجرائم العنيفة لا تمثل سوى نسبة بسيطة من إجمالي حالات الإجرام، فإن الوثيرة تسير نحو الارتفاع. فقد ارتفعت نسبة هذا النوع من الملفات من8 في المائة سنة 2004 إلى حوالي 12في المائة سنة 2011. ويتعلق الأمر بالسرقة تحت تهديد السلاح والسرقة بالنشل والخطف، وعمليات سرقة الأبناء وقضايا الاغتصاب.
ويعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن توسيع وتعزيز أمن المواطنين يقتضي الارتكاز على إستراتيجية أمنية فعالة عوض السياسة الحالية المتجلية في الإعلان والتلويح. ومن أجل الوصول إلى نتائج مرضية ومطمئنة لابد من العمل على نزع جذور العنف ووضع سياسات أمنية جديدة مبلورة لهذه الإستراتيجية. فعجز السلطة العمومية أمام الانحراف والعنف ليس قدرا بقدر ما هو تحدي يوجب تظافر كل الجهود والحلول الناجعة، مكانا وزمنيا، والاستناد على التجارب المبتكرة والناجحة على المستوى المحلي في بلدان أخرى للتغلب عليه واقتلاع أسبابه الرئيسية. فالأمر يتطلب بناء مجتمع متضامن وأقل عنفا. وإذا كان العنف يجد منبعه في البطالة المتفشية والفوارق بين الأجور وصعوبة علاقات العمل، وفي خلق جزر حضرية مغلقة، وفي الإخفاق المدرسي وفقدان محددات العلاقات العائلية أو في ابتذال المؤسسات، فأولى الحلول تكمن في إقرار تعمير جديد وتصور متجدد للمدينة قادر على توفير شروط الأمن، وتمكين كل طفل من النجاح ومحاربة كل أشكال التمييز، وتأمين المأجورين ومحاربة الفوارق في الأجور، والعمل على حماية العلاقات الاجتماعية من دوامة العنف. إنه لامناص من مراجعة أنماط بناء المدن بما يؤدي إلى اندماجية الوظائف ونوعية المساكن والفضاءات العمومية، أي الاندماج الاقتصادي والاجتماعي الضامن لتحسين ظروف عيش السكان، والمحفز على جعل كل شخص من أفراد المجتمع يمتلك صورة إيجابية عن ذاته وليس صورة الإحساس بالإهانة وفقدان الكرامة. فنجاح الإستراتيجية الأمنية يعتمد إلى حد كبير على إعمال سياسات مندمجة قوية ومدعمة لفائدة التنمية الاقتصادية والتجارية والتنشيط الثقافي والرياضي والعيش المشترك.
والى جانب اعتماد هذه الحلول، فإن نجاعة الإستراتيجية الأمنية تكمن في ضمان تواجد يومي متواصل لقوات الأمن والعدالة. فالأمن الحقيقي والمستدام لا يمكن أن يتحقق من خلال التواجد المناسباتي أو الدوري لقوات الأمن.
ومن جهة أخرى، يترتب أن تكون الردود القضائية على قضايا العنف والإجرام، سريعة وفعالة ومستوفية لدورها الردعي، وأن تكون العقوبة فورية ومنهجية ومتوازية مع الفعل. كل ذلك في ظل عصرنة ونجاعة تنظيم قوات الأمن والعدالة ومن خلال إعطاء المنتخبين وسائل تنسيق السياسة الترابية للوقاية، وإعمال ذلك في إطار مؤسسات واليات القرب الفعالة والناجعة.

11 – تحديث وتجويد النقل العمومي:

يعتبر النقل العمومي، داخل وبين الجماعات المحلية، من العوامل الداعمة والميسرة للحركة الاقتصادية والاجتماعية، وحاجة من الحاجيات الملحة للسكان والتي تقتضي تلبيتها اعتبار ظروفهم المعيشية وقدرتهم الشرائية. ورغم مختلف المقاربات والتجارب التي خضع لها من حيث التصور والتنظيم والتكفل، فإنه لم يرق بعد إلى تكوين بنية واضحة المعالم، داعمة ومحفزة تعزز أركان التنمية المحلية الشاملة وتساهم في إرساء الحياة الكريمة لمختلف الفئات المجتمعية. ولذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى تحديث وتجويد النقل العمومي بإعمال الإجراءات الهامة التالية:

– إدماج إشكالية التنقل ضمن التطور الترابي للجماعات المحلية مع اعتماد رؤية استشرافية للمستقبل تقوم على استهداف إحداث نظام تكاملي بين أنماط النقل.
– اعتماد سياسة منسجمة ومتناسقة للتنقل ووضع مخطط جماعي لا يقف عند حدود الجماعة الواحدة، بل يدمج الجماعات المجاورة من خلال إشراك كل الفاعلين بغية توفير تنقل آمن وفعال.
– تيسير الولوج إلى النقل الجماعي مع ما يقتضيه ذلك من تعبئة للموارد البشرية والوسائل التقنية وتهيئة مساحات خاصة للبنيات التحتية وتحديث وسائل النقل وتدبيرها تدبيرا عقلانيا.
– تهيئة الفضاء الطرقي بما يلائم حاجات الفئات الأكثر عرضة للخطر من خلال إقامة الممرات الجانبية المخصصة للدراجات.
– توفير تهيئة ملائمة لتنقل الراجلين من خلال اعتماد معايير مضبوطة لممرات العبور وتقنين السرعة المنخفضة في الأماكن والساحات الكبرى وتهيئة وتحرير الأرصفة وغيرها.
– إشراك الفاعلين الاقتصاديين والهيئات المهنية في وضع السياسة الجماعية، خاصة ما يتعلق بوسائل النقل المخصصة للأشخاص والبضائع (سيارات الأجرة والحافلات والشاحنات الصغرى وغيرها).

2 1-محاربة كافة أشكال
الانزلاقات (الفساد) :

كما هو معلوم، تعتري التدبير المالي المحلي عدة اختلالات كانت موضوع مداولات وانتقادات خلال أشغال حوارات ومناظرات وطنية إلى حد اعتبار هذه الاختلالات منحا مميزا للتدبير المحلي، تتسع أثارها السلبية بفعل الإخلال باحترام القوانين التنظيمية والمساطر الجاري بها العمل، والإهمال الخطير للممتلكات الجماعية وللموارد العمومية، إضافة إلى ضعف أو غياب المراقبة على صعيد مختلف المستويات.
إن اقتلاع هذه الاختلالات يقتضي بالدرجة الأولى رصدها، تشخيصها الشمولي والدقيق، وتسخير كافة آليات المراقبة والمحاسبة للحيلولة دون استمرارها أو حدوثها بأشكال أخرى. الشيء الذي يتطلب تكثيف عمليات الفحص والتدقيق من لدن المجالس الجهوية للحسابات ولا مركزة هياكل وأنشطة المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية. وذلك وفق التوجه المقر ضمن الميثاق الجماعي لسنة 2002 والقاضي بترجيح المراقبة البعدية وتخفيف المراقبة القبلية. كما أن تتبع وتقييم ومراقبة كل ما يتصور ويقرر وينجز على المستوى المحلي لمن شأنه إضفاء الشفافية الكافية على الفعل التنموي المحلي والحيلولة دون أي تصرف سيئ أو تدبير فاسد للمال العام وللمصلحة العامة.
و إن الاتجاه الذي سارت عليه الأمور، رغم محدوديته، والذي توبع وحوكم بمقتضاه بعض من أساءوا استعمال المال العام وتلاعبوا بالمصلحة الجماعية العامة، ليعد اتجاها يترتب تعزيزه وتوسيعه لاقتلاع واسع لاستشراء آفة الفساد.

13- انتداب مرشحين ملتزمين بالبرنامج الحزبي:

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يتعهد بالعمل المنظم، المسؤول والجاد من أجل إعمال دعامات الحكامة المحلية الإنمائية السالفة الذكر، فإنه واع بحتمية انتداب مرشحين مستوعبين لما يقتضيه ذلك من تأهل واستعداد قوي للاضطلاع بمسؤوليات ومهام التدبير المحلي بتفان في العمل المشفوع بنكران الذات وتقديس المصلحة العامة.
وبالفعل، فمشرحو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للانتخابات الجماعية منتقون من بين الطاقات البشرية المنتمية له والمتشبعة بأخلاقه ومبادئه، والمنضبطة لاختياراته وتوجهاته، والمؤهلة تكوينا وممارسة وتجربة لتقلد مهام الحكامة المحلية الإنمائية المدعمة بدينامكية التغذية الارتجاعية بين التصور والانجاز الميداني.
ووعيا من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن ضمان ديمومة العمل الملتزم، الجاد والجيد، يكمن في التتبع والتقييم الوثيقين للأداء ونتائجه، فإنه مصمم على تنظيم لقاءات مركزية وجهوية دورية لتأطير وتوجيه مسؤوليه ومستشاريه بالجماعات المحلية وتقييم وتقويم أدائهم في كافة مجالات العمل الجماعي.

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…