أفادت العديد من التقارير الصحافية، أن هناك بعض الخطباء شرعوا في حملة انتخابية بالمساجد، يحرضون فيها ضد أحزاب نعتوها بمختلف النعوت التكفيرية، كما يقومون في نفس الوقت بالدعاية لصالح حزب معين، باسم الدفاع عن الإسلام، رغم أن القوانين لا تسمح بهذه الانتهاكات.
ومن المرجح أن تستمر هذه الممارسات اللاأخلاقية من طرف بعض منعدمي الضمير، الذين من المفترض أنهم يؤدون دورا يتعالى على الانتماءات السياسية والحملات الانتخابية، غير أن عضويتهم أو تعاطفهم مع بعض التنظيمات ، يطغى على واجبهم الديني ويعمي بصيرتهم.
وإذا كان القانون واضحا في هذا الشأن، حيث يمنع كل القيمين الدينيين من الانحياز والانتماء السياسي، فما هو أهم من كل هذا، أن مثل هؤلاء الخطباء الفاسدين، يعتدون على حقوق المواطنة قبل أن يعتدوا على الدين.
فإذا كان المواطن يتوجه إلى المسجد لأداء فريضة دينية، فإنه سيكون من الحيف أن يجد نفسه في تجمع سياسي داخل بيوت الله، المخصصة حسب الواجب الديني، وأيضا حسب القانون، للعبادة والخشوع، والتأمل في أسرار الوجود واليوم الآخر والتعالي عن «الدنيا الفانية»… والتحضير للآخرة ويوم القيامة، وليس للاستحقاقات الانتخابية ويوم الاقتراع.
فللحملات الانتخابية قوانينها ومساطرها وآلياتها، ومن المفترض في الحكومة، وخاصة وزارتي الداخلية والأوقاف، أن تكون يقظة حتى لا تتحول أماكن العبادة إلى فضاءات سياسية، مما يمكن أن يدفع بالأحزاب إلى المطالبة بحقها في استعمال هذه الأماكن في الحملات الانتخابية، كما يحصل في وسائل الإعلام العمومية.
وإذا لم تعالج هذه المشاكل، حسب القانون، فإنه من الممكن أن تتطور داخل الأحزاب التي لا تستفيد من المساجد والخطباء المفسدين، مبادرات لزرع متعاطفين معها، للقيام بالدعاية لصالحها، في بيوت الله، الأمر الذي من شأنه أن يحول هذه الفضاءات الدينية، إلى حلبة صراع بين مختلف التوجهات السياسية، في وضع مشابه للفتنة الكبرى، حيث تم تغليف الصراعات السياسية بلبوس مذهبية.
ومن المعلوم أن أغلب الفرق الدينية / السياسية، تأسست على خلفية هذه الفتنة التي دامت خمس سنوات بعد اغتيال الخليفة عثمان بن عفان، من طرف شبان من مختلف القبائل، على رأسهم محمد ابن أبوبكر الصديق. كما تواجه في هذه الفتنة علي بن أبوطالب وعائشة، زوجة الرسول، ومات فيها الصحابيان، طلحة والزبير، ومئات الناس، وانتهت باغتيال علي وانتصار معاوية بن أبي سفيان. وقعت هذه الأحداث عندما تداخل الدين والسياسة.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاربعاء 19 غشت 2015