حالة تواصلية
حسن طارق
يحضر هذا الأسبوع السيد رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل المائة من الدستور، التي تنص على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، والتي تخصص لها جلسة واحدة كل شهر .
هي المرة الثالثة التي يحضر فيها الأستاذ عبد الإلاه بن كيران مجلس النواب في هدا الإطار الدستوري الجديد. الأولى سبق أن هيمن عليها موضوع المخطط التشريعي ومحاربة الفساد وتعيينات العمال والولاة، فيما تزامنت الثانية مع الانعكاسات الاجتماعية للزيادة في المحروقات.
المساءلة البرلمانية لرئيس الحكومة سواء من خلال هذه الصيغة، أو من خلال حالات أخرى تندرج في إطار تعزيز الرقابة البرلمانية للعمل الحكومي، والبحث عن توازن أقوى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
عموما لم يكن البرلمان المكان المفضل للوزراء الأولين السابقين. لطالما عبر النواب عن إستيائهم من انحصار علاقة رؤساء الجهاز التنفيذي بالبرلمان في خانة الحضور البروتوكولي لجلسات الافتتاح، أو عند تقديمهم للتصريح الحكومي .
وحده الأستاذ عبد الرحمان يوسفي، كان قد دشن بارادوية واضحة محطة الحضور لتقديم حصيلة منتصف الولاية ،وهو الحدث الذي سيصبح تقليدا بعد اعتماده من طرف الوزيرين الأولين اللاحقين ، لتسهل بعد ذلك دسترته في اطار الفصل 101 الذي ينص على عرض رئيس الحكومة للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة.
الحالة التواصلية للاستاذ بنكيران لا تجعله على ما يبدو يتعامل مع هذا التمرين الرقابي، كعبء ثقيل بقدرما يستغله، ملتمسا قدراته في الخطابة والحضور، كفرصة إعلامية. دليله الى ذلك تقنية بسيطة: إنها التواصل المباشر مع الشارع مع الشعب.
فيما تريد الاجوبة المعدة من طرف مساعديه- المكتوبة بكثير من” المسؤولية”،المعتمدة على” لغة عالمة “،المحملة بالحجج،المثقلة بالمعلومات و الأرقام و المقارنات-أن تتواصل مع أسئلة البرلمانيين وهواجس النواب وانتظارات المستشارين،يفضل الأستاذ بنكيران أن يقتصد كل هذا الإطار الدستوري للرقابة و المساءلة ،في وظيفة منبرية بحثة: ثمة منبر و ثمة زمن مباشر للبث..و الأهم ثمة خطيب لا تخونه الكلمات.
لا مجال إذن للأجوبة المسكوكة بحرص الخبراء ،و بدقة محترفي “التكتيك السياسي” .مرحبا بالهواية الأثيرة “الخروج عن النص”.
كما لو أن ما كتب لا يشفي الغليل،أو حتى لا يفي بالغرض.كما لو أن الأهم دائما هو ماوراء النص.كما لو أن ما كتب،كتبه الأخرون،كتبه “النحن”وليس ” الأنا”.
بحركة عفوية سريعة ينزع نظارات القراءة.يضعها جانبا على حافة الأوراق الموضوعة فوق المنبر-ستستعيد “الأنا”حضورها- ينتفس قليلا ،ثم ينتظر ما ينتظره المرتجلون:شيئا من الإلهام.
لاحاجة إذن للحوار مع ممثلي الشعب ،مع الوسطاء المؤسساتيين.لا حاجة لجدل النخب:لنتحدث مباشرة مع “الشعب”،بلغة” الشعب”.
مايلي ذلك مجرد تفاصيل،صاحبنا لاتعدمه الوسائل:الدارجة تصبح سيدة للخطاب السياسي كما لم تكن قط من قبل (قد يتذكر البعض المرحوم أرسلان الجديدي،كما قد يفكر أخرون في الصحافي خالد الجامعي).القدرة على الافحام.التحكم في “البوليميك”.نفحات السخرية.الاستعارات التي لاتنتهي، من أيات القرأن الكريم الى المعجم الشعبي “الصادم”، مرورا ببعض الحيوانات، و قليل من المخلوقات الخارقة، .حميمية الحكايات الصغيرة حول الأم و الصديق “عبد الله” و الآخرون.ما قد يبدو” أسرارا للدولة” في قالب سردي خفيف.القفشات اللازمة “للضرورة الخطابية”.
المؤكد أننا أمام رئيس حكومة”غير نمطي”ومحب “للصورة/لصورته”،و أننا أمام حالة تواصلية خاصة،لكن الأكيد كذلك اننا أمام نموذج يحمل الكثير من المخاطر،ليس أقلها الانزلاق الفرجوي لحياة سياسة تريد الخروج من هشاشتها البنيوية.