مصطفى المتوكل / تارودانت
الاربعاء 19 غشت 2015
…ان من خبر الازمنة الانتخابية بالمغرب والقوانين والانظمة الادارية والنظريات السياسية التي تؤطرها وتوجهها وتتحكم فيها اضافة الى الوضعية السياسية والحقوقية في شموليتها وكذا الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية …- منذ اول انتخابات بالمغرب الى اليوم …– سيقف على جملة من الحقائق والمعطيات التي اثارت جدلا ونقاشا قويا وصراعا بين المعارضة الوطنية الديموقراطية و “المحافظين” الذين يعتبرون الديموقراطية اما ثرفا لا فائدة لهم من ورائها ..او تطاولا على السلطات وتضييقا على الحكام واحيانا يفسر الامر بالتواطؤ والتامر … تلك الصراعات التي كانت السلطات تخفف او تبالغ في تصعيدها وتعقيدها وتازيم الوضع احيانا وتخفيفه احيانا اخرى مما صبغ سنوات الستينات والسبعينات وبعض المحطات في الثمانينات والتسعينات بالمواجهات والمحاكمات والاعتقالات و… فكان الراجح في التحاليل والدراسات النقدية وعند الخبراء والمتتبعين وحتى عند الدولة ان الانتخابات تحتاج الى الديموقراطية والشفافية والتنافس العادل بين الجميع .. وان لاتكون حيادية مؤسسات الدولة في الميدان متباينة بين منطقة واخرى ومرشح واخر وحزب وحزب اخر …
…فالصراع مع السلطة تسبب في ظهور العديد من الاحزاب مهمتها ان تنوب عن الادارة وتصرف مواقفها وتحقق اراداتها في تاطير وادارة الشان المحلي والشان العام ؟؟ لمواجهة المعارضة والتخصص في محاربتها والتناور عليها بترويج خطب تحريضية اتهامية ضدها في بعض اللحظات و بتخويف المتعاطفين والمواطنين البسطاء من مغبة اي تاييد كيفما كان نوعه لها بمبررات كان اخطرها انها ضد المخزن والسلطة …
…كما ان الاختلاف في تصور ما يجب ان يكون عليه المغرب بعد الاستقلال مؤسساتيا وديموقراطيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا تحول الى تناقض /صراع داخل الحزب الوطني الكبير الذي ساهم رجالاته ونساؤه في استقلال المغرب ….فكان ميلاد حزب القوات الشعبية الذي اسس له وقاد نضالاته عدد مهم من المجاهدين والمقاومين والسياسيين الوطنيين الكبار مثل المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي وشيخ الاسلام بلعربي العلوي وعمر الساحلي المتوكل وسي محمد الحبيب الفرقاني الخ…
فتفرغوا بتاسيس الاتحاد الوطني / الاشتراكي للنضال من اجل بناء دولة المؤسسات التي يجب ان تقوم على مبد الحرية والتحرير والديموقراطية والاشتراكية / العدالة الاجتماعية والاحترام الشامل لحقوق الانسان والقطع مع الاستبداد والظلم والقهر واستغلال للانسان وللثروات الوطنية وللسلطة …
وعرف الاتحاد بدوره اختلافات وصراعات منها ماهو موضوعي ومنها ما اصطبغ بانانيات وذاثيات ورغبة في تملك سلطة الحزب من اجل المساهمة في ممارسة سلطات الدولة / الحكومة ...بسبب عدم تشبع البعض بالقيم والمبادي التي ينادي بها الحزب اي الديموقراطية نفسها عندما يتم الاحتكام اليها لاتخاذ قرار سياسي او نضالي بالوطن ... – ..فكان ظهور احزاب اثرت على اليسار والمعارضة المغربية و صبغتها بتنوع لم يزدها زخما وقوة ..بل بلقنة وضعفا ..فمن الاتحاد الوطني الى الاتحاد الاشتراكي الى الطليعة الى المؤتمر الوطني الاتحادي فالحزبين العمالي والاشتراكي و ..ويضاف الى هذا ان البعض من المنتمين لحزب القوات الشعبية عملوا وساهموا خلال العقود الماضية في تاسيس احزاب يمينية بل وترأسوها وساهموا في قيادة البعض منها وطنيا واقليميا ومحليا …واصبحوا بين انتخاب واخر منتخبين باسمهم في المؤسسات التشريعية والجماعات الثرابية المحلية والاقليمية والجهوية ..حيث تسببوا في اصابة المواطنين بدوار التجوال السياسي فلم يعد يميزون بين اليمين واليسار والتقدمي والرجعي والصادق من الكاذب …
ونخلص الى القول ..ان الترحال السياسي الذي نراه في المشهد السياسي بالمغرب في كل الاحزاب مشبع بالبؤس والتردي ويقوي الانحراف في الوعي .. ويضرب في العمق العمل السياسي الملتزم والجاد والذي لن تتحقق الديموقراطية الا به .. فيقدم بعض الساسة للمواطنين السياسة على انها مجرد لعب ولهو وتفاخر وبحث عن الكراسي بكل الطرق ومجال لانتعاش الانتهازية والوصولية والارتزاق بجميع الوانه ..وسوق للكسب بالابتزاز او الارتشاء الانتخابي المباشر او غير المباشر والذي يتحدث عنه الجميع سرا وعلانية …فاي اجيال واية ثقافة سياسية نبني ببلادنا ودولتنا ؟؟….
…ان كل المتعطشين للديموقراطية الحقة بالاحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني وحتى بالدولة يشعرون بخطورة حالة البؤس السياسوي الذي اضر بالمشهد العام .. واصاب العديد من اعمدته بالهشاشة …ومما زاد البؤس قوة وخطورة تقوية وتكريس الفكر الانتهازي في الكلام والخطاب المشبع بالتردي والانحطاط وبالهرطقات ..وتحويل الفضاء الديموقراطي الى حلبة تسيئ للناخبين الصغار والكبار والشعب والمؤسسات ..مما قد يتسبب في المزيد من النفور والتحفظ من العملية برمتها …
ان ضمير الامة والعقل المدبر للتطور ورقي السلم الحقيقي للحضارة البناءة اي المثقين العضويين والوطنيين انسحبوا فرادى وجماعات من المشهد – الذي يفترض ان يتصدروه ادارة وتاطيرا وتدبيرا بمعية الشعب والقوى الحية – وذلك لاسباب متعددة منها انهم يشعرون بالتهميش وانهم غير مرغوب فيهم وكذلك لان البعض من الذين يتعاطون للشؤون الانتخابية والشؤون العامة قد يستانسون ويتآلفون مع مؤامرات التبخيس التي تطال كل ماهو جميل ونبيل بسلبية مفرطة تصل لدرجة تبني طرق منحطة للوصول الى الكراسي التي هي بالمنطق السليم منبر يجب ان يخصص للاصلاح والصلاح ..
ان الانكسارات المسجلة – من اغلب المراقبين الرسميين وغير الرسميين – في تدبير الازمنة السياسية من الاستقلال الى الان خلقت شكوكا وقطيعة وفقدان الثقة يزاحم توسع رقعتها اجراءات الاصلاح والتاهيل السياسي الذي تقدم عليه الدولة والقوى الحية …/…فمن تراجع النخب المنتجة للأفكار والمطورة للبرامج داخل الأحزاب وتمدد وزحف الشعبويين المبالغين في توزيع الوعود الوهمية و غير المعقولة كادعاء التغيير الجذري في 5 سنوات او 6 اشهر ؟الى نشر الاكاذيب والاتهامات الباطلة يمنة ويسرة ..الى …الى بروز بعض من يدعي القيادة والريادة من أشباه الجاهلين بادبيات واخلاق السياسة والتواصل والتدبير والادارة.. وللاسف يحظون ب” ثقة ” من بعض الاحزاب المختلفة المشارب والاتجاهات …فاصيب المشهد بتدهور في اللغة والخطاب الذي ينسب للسياسة تعسفا باعتماد مواقف و كلام اقرب الى لغة القذف والتحقير والاستصغار والاساءات ..
…ان البؤس السياسوي تسبب في تشكيل أجيال اصبحت تتعامل مع مصير تاريخي لامة باكملها بمنطق الربح والخسارة الشخصي من كل عملية ديموقراطية / انتخابية … كما تسبب في أنتاج مواطنين خائفين مترددين وفاقدين لإرادة سياسية واضحة وحاسمة و مستسلمين لامواج لاتنتج طاقات بقدر ما تكسر خشب المراكب ..
ان المشهد كاد ان يصبح مثل من يمتطي قطارا واقفا وبجانبه قطار يتحرك فيعتقد ان قطاره هو الذي يسير.. ولايكتشف حقيقة الامر الا بعد اختفاء اخر عربة من القطار المنطلق …فمتى ستصبح حركة وارادة وعمل كل المتحدثين والمؤطرين لقافلة الديموقراطية والمعنيين بها – كانوا بالسلطة او المعارضة وكذلك الشعب – واحدة ومتكاملة من اجل بناء دولة الحق والقانون والارادات والاختيار الحر والنزيه …؟وحتى تكون الديموقراطية عندنا كالهواء والغداء غير المصاب بالتلوث والتسمم …