عادل أزعر – فاس
فاتح ماي هو مناسبة للاحتفال بعيد العمال في مختلف دول العالم ، وللاحتفال طقوسيته الخاصة وتمظهراته التي من المفروض أنها تعبير عن الفرحة والفرجة والاحتفال بالمكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة عبر تاريخها النضالي الطويل، كما هي مناسبة كذلك للتنديد بالسياسات النيوليبرالية التي تهدد بالتراجع عن ما تحقق من مكتسبات ومن المصالح الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والجماعات.
بالمغرب الوضع مختلف في كثير من تفاصيله وحيثياته وربما معقد، من أهم تجلياتها هي مقاطعة النقابات للحوار الاجتماعي التي دعت إليه الحكومة يوم 27 ابريل 2013 الحكومة التي ردت بإلغاء الحوار الاجتماعي، ووزيرها في التشغيل التقدمي بحكومة الإسلاميين يقول أن الحوار الاجتماعي يمكن أن ينظم خارج الحكومة.
تصعيد اللهجة من قبيل المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية جاء كرد فعل ضد عدم التزام الحكومة باتفاقية 26 أبريل 2011 وضد النهج الذي تتبعه الحكومة الملتحية، الانفرادي والتحكمي بأغلب القرارات الاستراتيجية والمصيرية والتي تهدد السلم الاجتماعي، والذي من خلاله تريد فرض سياسات لا شعبية ولا ديمقارطية تضرب عرض الحائط كل المكتسبات التي حققتها الشغيلة المغربية بالإظافة إلى تهديد صريح للطبقة الوسطى المهددة ليس بالانحدار نحو الأسفل ولكن بالانقراض أيضا.
لقد تم الرفع من ثمن المحروقات، وبالموازات مع ذلك ارتفعت الأسعار في الأسواق بشكل ملتهب لم يعشه المغاربة من قبل، و ثم اتخاذ قرار النقص من فرص الشغل وطالب رئيس الحكومة من المعطلين من يتوجهوا للعمل في التجارة أو القطاع الخاص، وخاطبهم وكأنه يعطيهم الصدقة” الله غالب”، ” والرزاق الله” كما تراجع عن اتفاق 20 يوليوز الموقع مع جمعيات حاملي الشواهد العليا، وأمام ممثلي الأمة وعلى الهواء دافع رئيس الحكومة عن الرفع من سن التقاعد إلى 67 سنة، تم أوقف الكثير من المشاريع الاستثمارية المهمة والتي تهم بالأساس قطاعات حساسة كالصحة والتعليم والفلاحة، ولم يكفه تخفيض نسبة الاستثمار للخروج من الأزمة الاقتصادية، فقام بالزيادة في الضريبة عن الدخل، ولكي يؤكد على أنه تلميذا نجيبا لصندوق النقد الدولي، وأنه سيعيدنا لتبني سياسة التقويم الهيكلي، هدد بإلغاء صندوق المقاصة باعتبار أن الفئات الغنية والميسورة هي التي تستفيد منه، ثم طالب بالرفع من مساهمة منخرطي صناديق التقاعد الاجتماعي وكأن الأجير هو المسؤول عن الاختلالات التي تعرفها هذه الصناديق.
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها المغرب وعوض أن يبحث لها عن حلول علمية وواقعية ناجعة للخروج منها، ولتجنيب المغاربة الخروج في مظاهرات قد تكون صدامية ، يبررها السيد رئيس الحكومة بأن هناك عفاريت وتماسيح ، مسؤولة عن الفساد المالي والمؤسساتي الذي يعرفه المغرب، وعندما تنكشف الحقائق وترتفع درجة التصدع من داخل الحكومة نفسها يهدد بالخروج للشارع، ويدعي أن هناك أطراف تريد أن تخاصمه مع رئيس الدولة .
أمام هذه الوضعية المأزومة التي تتخبط فيها الحكومة و تعتبر أحد أسبابها، والتي تنعكس مباشرة على الطبقة العاملة وعلى قدرتها الشرائية ، هناك بعض الأصوات والأبواق المرتبطة بجماعات الاسلام السياسي تحاول جرنا إلى مناقشة القيم المجتمعية واعتبار أن المشكل هو قيمي وليس اقتصادي أو سياسي.
فرئيس الحكومة وفي المؤتمر المنظم من طرف شبيبة حزبه الحاكم وعوض أن يكشف عن تصوره الإصلاحي في المجال الاقتصادي وكيف سيقوم بتفعيل دستور فاتح يوليوز2011 شدد على ضرورة التضامن مع حامي الدين القيادي المتورط في اغتيال الشهيد اليساري ايت الجيد بنعيسى بفاس سنة1993 ، وفي كل مرة تطرح ملف اجتماعي أو حقوقي أو سياسي يهدد رئيس الحكومة بنكيران بالخروج إلى الشارع وإحياء 20 فبراير ويعلم الجميع أنه كان من أشد منتقديها بل كان ضد الحركة ككل.
دائرة المقاطعين
لقد قاطع بنكيران حركة 20 فبراير سنة2011، وقاطع المواطنين الانتخابات يوم25 نونبر سنة 2011، وبنكيران الذي فاز حزبه بالمرتبة الأولى يعلم جيدا أن المغاربة قاطعوا الانتخابات بشكل كبير، والإدعاء أنه نتاج صناديق الاقتراع وفاز بشكل ديمقراطي هو كلام مردود عليه، وفي بداية السنة المجتمع المدني قاطع الحوار حول المجتمع المدني الذي دعت إليه الحكومة، والوزير الشوباني المكلف بالعلاقة مع البرلمان اعتبر أن المجتمع المدني المغربي غير مؤهل بعد للمساهمة في التشريع، وبالتالي لا داعي لإعمال المقاربة التشاركية التي جاء بها دستور 2011 ، والنقابات قاطعت الحوار الاجتماعي الذي دعت إليه الحكومة ، والجماهير الودادية قاطعت مقابلة الديربي بين الرجاء والوداد البيضاويين ، احتجاجا على المدرب والرئيس والمكتب المسير والجامعة ووزير الرياضة، وبعض المناضلين يهددون بمقاطعة فاتح ماي لأنه غير وحدوي وبالتالي لا يخدم مصالح الطبقة العاملة ، والعمال يقاطعون النقابات بسبب البيروقراطية والمركزية المفرطة والانغلاق والزبونية وشيخوخة النخب المدبرة لشؤون الأجراء، وبعض النقابات تقاطع الأحزاب وتقول كل من تحزب فقد خان، وتحاول جاهدة وضع خط أحمر بين النقابي والسياسي، وبعض الجمعيات تقاطع كل من له علاقة بالدولة المغربية باعتبار أن كل من يتحدث عن الوطنية وعن المغربية فهو مخزني، و بعض الهيئات المنتخبة والمؤسسات الرسمية تقاطع المؤسسات التي تطالب بالديمقراطية وحقوق الانسان بدعوى أنها عميلة أو نخبتها خائنة، إنه مسلسل حلقي من المقاطعات لا يزيد المجتمع ومؤسساته إلى تمزقا وضعفا.
الصحراء ونقطة الرجوع للسطر
لقد استنفر القرار الأمريكي بوضع مسودة لذا مجلس الأمن تهم توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان المجتمع المغربي والدولة المغربية بمختلف مؤسساتها وهيئاتها، وحدة وقوة الموقف المغربي وتحركه الاسثتنائي الديبلوماسي والشعبي، جعل المغرب يحقق انتصار لعدالة قضيته والمرتبط بالسيادة على مختلف أراضيه، ولكن بالمقابل هو دق لناقوس خطر الابتزاز الدولي من زاوية حل نزاع الصحراء المغربية.
كان من المفروض لو لم يكن انتصار الديبلوماسية المغربية وسحب مسودة القرار الأمريكي أن يكون اليوم فاتح ماي 2013 مناسبة لحشد الهمم والتظاهر من أجل قضية واحدة وهي قضية وحدتنا الترابية، لكن مادام أن الأمور طبيعية وسليمة مرحليا من جهة على الأقل المنتظم الدولي، فهذا يدل على أنها غير طبيعية وإن بدت كذلك فالطرح الانفصالي قائم، والحكم الذاتي مشروع مغربي لن يعطيه مصداقية وواقعية إلا ما ستحققه النخبة السياسية في انسجامها مع الطبقة الشعبية القادرة عن التعبير عنها، والوحدة النقابية هي شرط وجودها كقوة فاعلة مؤترة في الحقل الاجتماعي والسياسي.
غير أنضعف مؤسساتنا التأطيرية هو النافذة التي سيدخل منها الهواء الذي سيعكر علينا احتفالاتنا سواء بعيد العمال أو بعيد التغيير الذي نعتبر اسثتناءيا ببلادنا، فنسبة التأطير السياسي والنقابي ضعيفة ونسبة التأطير الجمعوي تبقى دون المستوى المطلوب، وحتى جمعيات محبي الوداد وإن نجحت في التعبئة لمقاطعة مقابلة الديربي فتبقى الجماهير منفلتة وقادرة على خلق الفوضى والسيبة كما حدث في مقابلة الجيش والرجاء، لهذا فالرهان الحقيقي ومهما كانت الأزمة عميقة يبقى في إعمال المقاربة التشاركية، والتواضع وعدم تجدر أي طرف في مواقفه، وعدم المزايدة على الشعب بالشعب وعلى التنظيمات بالتنظيمات، فحساباتنا السياسية ومهما كانت كبيرة تبقى صغيرة أمام وحدتنا وسلمنا الاجتماعي.
موقع سمابريس
30ابريل 2013