لا يمكن لأي ديموقراطي أن يقيس المعارك الانتخابية من زاوية التحزب الضيق، أو المصلحة المباشرة ويترك ما هو أساسي في أية تربية ديموقراطية، ونعني به الحرص على أن تكون للسياسة قيم وبنيات مؤسساتية تدل عليها وترسخها.
ومن آفات الانتقال الديموقراطي المتعثر في بلادنا أنه يتطور بين حدين اثنين يضربان في الصميم أية إمكانات للتطور الناجع والمنتج.
أولهما، كما أشار إلى ذلك بلاغ المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتمثل في شراسة الترحال السياسي. فقد شددت القيادة الاتحادية على أن الاستحقاق الذي يهم المغرب عرف شراسة لا نظير لها على صعيد الترحال وتغيير الانتماء، وهو ما ضرب فلسفة التخليق السياسي في العمق، وضرب مصداقية العمل السياسي، ما سيقوي لا محالة ظاهرة العزوف، ويفرض وقف هذا العبث المسيء لديمقراطيتنا الناشئة«.
والوجه الآخر للعملة يتمثل في انتشار ظاهرة اللامنتمين، والتي تعكس تراجعا في الثقافة السياسية، وتدنيا في الالتزام المهيكل والمبني على الانتماء الفكري لمشروع من المشاريع المفترض فيها تعبئة المواطنين وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية الحرة. لقد أكد بلاغ القيادة الاتحادية على أنه »إذا كان المشهد الحزبي الوطني يعاني من بلقنة لا معنى ولا مبرر لها، فإن تعاظم ظاهرة اللامنتمين لن تزيد الوضع إلا تشوها، وهو ما يطرح أسئلة حول الغاية من استمرار “البدون هوية” ومن يقف وراءهم وبميولهم، ويستعملهم«؟.
إن الاستقرار السياسي يبدأ ولا شك من وعبر الاستقرار الفكري والذهني والأخلاقي في انتماء معين، وضمن مشروع محدد المعالم وأفق قابل للاستشراف، لا بالميوعة الفكرية والتهرب الأخلاقي والتملص من الالتزامات والتعاقد الذي يفترض وجوده في الحياة السياسية.
وعندما يجد الرأي العام نفسه بين خيارين لا ثالث لهما، إما الترحال السياسي، اللاأخلاقي واللامعقول، وإما اللاانتماء، فإن حظوظ مشاركته في القرار الانتخابي، ومن ثمة في القرار السياسي تتضاءل إلى حدودها الدنيا، وذلك لا معنى له سوى أنه يختار الخروج من دائرة الفعل الانتخابي، كأحد أرقى أشكال الالتزام والمواطنة والمراقبة الشعبية للسياسات ، عمومية كانت أو مهنية أو قطاعية.
ولا يمكنه أن يتصور ربح الرهان الديموقراطي بدون مشاركته مشاركة واعية مبنية على قاعدة فكرية وأخلاقية ومشروعياتية.. ولعل من أخطر ما يتهدد الديموقراطية هي أن تصبح واجهة لممارسات تتعارض معها في الأصل والمنتهى، في الوسيلة والهدف.
وقد عشنا تفاصيل ذلك من داخل انتخابات الغرف، وللاتحاد الحق في أن يتخوف في القادم من الايام ، مع تكريس هذين التوجهين المعاديين للمشروعية الديموقراطية: الترحال واللاانتماء.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 13 غشت 2015