عاشت الخارجية المغربية نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر نونبر الماضيين، تجربة «قديمة جديدة» في «ثوب قنصلي» أكثر من «ديبلوماسي»، احتضنتها العاصمة الرباط، وجمعت حوالي 55 قنصلا عاما للمغرب عبر العالم.
وإذا كان العمل القنصلي لابد أن يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تعرفها الجالية المغربية اليوم في عدد من دول الاستقبال التي تحولت إلى دول إقامة بالنسبة لهم، فإنه اليوم لا يعكس بشكل كبير الاهتمام الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس لهذه الجالية من أجل »حماية حقوقها والدفاع عن مكتسباتها الاجتماعية والقانونية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة لها لتكون في مستوى تلك التي توفرها لهم دول الاقامة، لا من حيث الكفاءة ولا من حيث الشفافية».
وشدد جلالة الملك محمد السادس في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد على أن «اهتمامنا بأوضاع المواطنين في الداخل، لا يعادله إلا حرصنا على رعاية شؤون أبنائنا المقيمين بالخارج، وتوطيد تمسكهم بهويتهم، وتمكينهم من المساهمة في تنمية وطنهم».
دون شك كان ذلك اللقاء مناسبة »للإصلاح القنصلي«، غير أنه تحول الى مبادرة عابرة لبحث »المخطط القنصلي« للمرحلة الحالية، وأفق تحقيق «القنصلية النموذجية» ومدى نجاح «القنصلية الالكترونية» وإكراهات «الفضاء القنصلي»، الذي يتطلب بعضا من الامكانيات لتهيئة مجاله»، وكذا الإمكانيات الواجب منحها لممثلي المراكز القنصلية لأداء مهامهم ذات البعد الاقتصادي والثقافي في محيطهم المحلي إلى جانب دورهم الإداري المتمثل في عملهم القنصلي في ارتباط مع مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية.
ودعا جلالة الملك محمد السادس، إلى ضرورة العمل بكل حزم لوضع حد للاختلالات، والمشاكل، التي تعرفها بعض قنصليات المملكة، مجددا جلالته حرصه السامي على حماية مصالح أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
وأكد جلالة الملك أن عددا من أبناء الجالية، عبروا لجلالته عن استيائهم، من سوء المعاملة، ببعض القنصليات، ومن ضعف مستوى الخدمات، التي تقدمها لهم، سواء من حيث الجودة، أو احترام الآجال، أو بعض العراقيل الإدارية. فبقدر ما تنقص بعض القناصل، رجالا ونساء، في عدد من الدوائر القنصلية عبر العالم، الامكانيات للعمل بطريقة وكيفية جيدتين نجد آخرين لا يودون إخراج «المنصب» من «نمطيته الإدارية» التي تحصر وظيفته في حدود العمل الاداري الروتيني وتجعله يفرض »ديبلوماسية اللقاءات الانتقائية « التي تفتح الباب للبعض من أبناء الجالية وتقفله في وجه البعض الآخر ويفكر في «رفاهيته» في تبني واضح لمفهوم السياحة القنصلية التي تغلب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ك»رافعتين» قنصليتين أساسيتين للعمل الديبلوماسي عوض تدبير أحسن للإشكالات المرتبطة بالجالية المغربية.
وفي هذا الصدد شدد جلالة الملك، من جهة أخرى على إنهاء مهام كل من يثبت في حقه التقصير، أو الاستخفاف بمصالح أفراد الجالية، أو سوء معاملتهم، ومن جهة أخرى الحرص على اختيار القناصلة الذين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمسؤولية، والالتزام بخدمة أبنائنا بالخارج.
رهانات إحداث مراكز قنصلية
إن كل مركز قنصلي مغربي في الخارج، هو، من جهة، في غير منأى عن التأثر بتبعات النشأة سواء كان جديدا أو ضاربا إحداثه في التاريخ، والتأثر من جهة ثانية، بالصورة النمطية بل إن لم نقل “السلبية” التي قد تكون ترسخت في ذهن أبناء الجالية المغربية المقيمة بشكل خاص في دائرة قنصلية تابعة لمركز قنصلي للمغرب قديم بمدينة معينة في بلد الإقامة أو بمجموع تراب دولة الاستقبال بشكل عام.
فمن غير المستبعد أن تجعل حداثة تأسيس مركز قنصلي جديد ما، إلى جانب مركز قنصلي قديم بمدينة أخرى، من “المركز الجديد” مركزا قنصليا لا يتمتع موظفوه بكثير معرفة ميدانية بشؤون الجالية المغربية المقيمة في قلب نفوذ الدائرة القنصلية المغربية الجديدة وكذا بمجموع تراب بلد الإقامة بشكل عام، ويفتقدون للخبرة في التعامل مع طبيعة قضاياهم الاجتماعية والخدمات الإدارية التي ينتظرونها.
ومن هذا المنطلق، لا مفر أن تصبح وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، في ظل وضع مماثل لما سبق ذكره خاصة وأنها تود تعميم تجربة القنصليات النموذجية التي لا يتجاوز محيط عملها ساكنة تقارب 90 ألف نسمة، وهو الوضع، الذي سيفرض على الموظفين الملحقين والمحليين أن يقضوا فترة أطول في المركز القنصلي من أجل فهم جيد لمجال الاشتغال وكذا لطبيعة الجالية المغربية في ذات الدائرة القنصلية. ومن هنا فإن آلية الانتداب لأربع سنوات ،في حال فتح مركز قنصلي جديد ، تعتبر غير كافية لوضع الأساس الصحيح لفضاء قنصلي كامل الفعالية، فهي في الواقع لا يمكن لها إلا أن تشكل سنوات الانطلاقة والاستئناس.
كما أن إحداث مراكز قنصلية جديدة لا يمكنه إلا أن يفرض التعامل بطبيعة الحال بناء على ثلاثية :الكفاءة و المسؤولية و النزاهة”، سواء تعلق الأمر بالموظفين الملحقين من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أو من قبل وزارات أخرى مثل الداخلية بشقيها ووزارة العدل والحريات، وكذا بعض الملحقين من المصالح الموازية أو بالمحليين الذين يتحولون في عدد من القنصليات إلى المالكين الدائمين للقرار فيها.
وهنا لابد من الإشارة، في سياق العلاقة بين الملحقين والمحليين، سواء تكاملية في اتجاهها الايجابي البناء، أو السلبي الهدام، إلى أنه أصبح من الضروري على وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن تتابع رهانات التكامل في اتجاهيه الايجابي والسلبي وكذا الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات تضاد المصالح في الدوائر القنصلية وتضمينها في حسبانها عند اختيار رؤساء المراكز القنصلية خاصة نواب القنصل من أجل التحكم في الفضاء القنصلي بشريا ولوجيستيا.
والأكيد أن هذا التكامل إما أن يتم في شقيه “السلبي أو الايجابي”، بين الموظفين الملحقين من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والمحليين سواء لمصلحة المركز القنصلي أو مصالحهم الشخصية أو يتم ضدا على مصلحة المركز القنصلي وضدا على فئة معينة دون أخرى – تبعا لمقولة لكل زمن رجالاته- ، وهناك قراءات للوضع متعددة. ثمة محليون يعتبرون أن الملحقين سببا أساسيا في “الخراب القنصلي” لأنهم عابرون، وثمة من الملحقين من يرى في المحليين أنهم يشكلون “حاجزا “و “أنهم مناهضون للتغيير”، ناهيك عن الولاءات على المستوى المركزي وبعض المصالح الموازية التي لا تؤثر فقط إيجابيا أو سلبيا على الفضاء القنصلي داخليا، بل تمتد تأثيراتها لتشمله خارجيا، وتتحول مشاكل القنصلية الداخلية إلى أداة استعمال بين يدي بعض الجمعيات.
التجديد ضرورة من أجل الاستمرارية
لقد أصبحت بعض المراكز القنصلية للمملكة المغربية بالخارج، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى تجديد روحها وضخ دماء جديدة في شرايين دواليبها، سواء على مستوى الشكل (الفضاء)، أو المضمون (الخدمات) في منحيين، الأول داخلي والثاني خارجي، ينبني على أسس العمل التواصلي خاصة حتى لا يستمر استعمال هفواتها وجعلها من قبل عدد من الفعاليات الجمعوية من أصل مغربي آلية لتصفية الحسابات مع قنصل معين أو سفير بعينه في بلدان الاستقبال واستثمارها سياسيا في عدد من الأوقات بطريقة تضر بسمعة المغرب من قبل فعاليات محلية لدول مجاورة أو أحزاب محلية تتبنى بعض الأطروحات المعادية للمغرب، وهذا أمر سائد بشكل كبير في إيطاليا مثلا، خاصة في منطقة تعتبر ثالوث الموت “مودينا، بولونيا وبريشيا” كانت زارتها “الاتحاد الاشتراكي” في وقت سابق وتوقفت على مدى الاحباط الذي يمس المواطنين من قنصلية بولونيا أساسا.
فعلى مستوى الشكل (الفضاء) وحيث الإشارة إلى أنه يجب جعل الفضاءات القنصلية بالخارج منبع افتخار واحترام للمغاربة والزوار الأجانب، يعتبر المركز القنصلي بناية تشكل “مرآة للدولة المغربية” تفوح منها نفحات “الترحيب” عوض الإحساس بـ “الترهيب ” الذي قد يكون المواطن المغربي المقيم في بلد الإقامة قد نقله معه من بلده الأم، بعد سنوات من التفاعل بينه وبين الإدارة المغربية.
هذه النظرة وإن كانت “مقززة ومرفوضة” فهي واقع يفرض نفسه في بنية التعامل ما بين “الإدارة والمواطن” كما فرضه الواقع المغربي ليصبح أحد تجليات التعامل ما بين أبناء الجالية المغربية المقيمة في بلد الإقامة والقنصلية العامة في مدينة من البلد المضيف قد يمنع من تحقق الانسجام ما بين أبناء الجالية والفضاء القنصلي لأسباب نفسية بعض من تجلياته العلاقة “الدونية ما بين المواطن المغربي وإدارته وخاصة موظفيها”.
يبقى الأساس هو العمل على واجهة داخلية على مستوى فضاء المركز القنصلي، وتتمثل هذه الواجهة في مستويين من العمل، الأول مرتبط بالتدبير اليومي لشؤون القنصلية في علاقة ما بين الموظفين وأبناء الجالية من المرتفقين في اتجاه نازل، وأيضا في العلاقة ما بين الموظفين فيما بينهم في اتجاهه الأفقي، وكذا في علاقة ما بين المسؤول الأول عن المركز القنصلي وموظفيه في اتجاهه العمودي النازل والصاعد، والثاني في علاقة أبناء الجالية بفضاء القنصلية في منحاه الأفقي والعمودي.
ولا يمكن لهذا ، سواء للفضاء أو للموارد البشرية، أن يستقيم ويكون فاعلا وفعالا إلا من خلال تدبير عقلاني وجيد لفضاء المركز القنصلي يعكس قدر الإمكان على المستوى اللوجيستيكي ،كل مقومات الإدارة العمومية العصرية في تناغم مع آليات العمل الإداري المعمول به في بلد الإقامة ،الأمر الذي من شأن تحققه أن يساعد على عدم إحساس أبناء الجالية المغربية بانفصام في حال المقارنة ما بين واقعهم اليومي في تعاملهم مع إدارة بلد الإقامة ولجوئهم الاستثنائي إلى الإدارة العمومية المغربية، في شخص التمثيلية الديبلوماسية والقنصلية، للحصول على الخدمات الإدارية والاجتماعية.
كما أن التعامل مع أبناء الجالية المغربية في بلد الإقامة يجب أن يستحضر طبيعة مستواهم التعليمي والاجتماعي وكذا مستويات حضورهم في هذا البلد، إذ أصبح من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن العقل الباطن لأبناء الجالية المغربية في دول الإقامة يعتمل مقارنة بينه وبين الجالية المغربية في البلدان العربية والأوربية وبلدان أمريكا الشمالية، الأمر الذي يجعل من “مركب النقص” محصلة للتأثير في التعامل مع الإداريين لا يمكن استثناء البيئة المحلية للبلد المضيف في التعميق من تأثيراتها السلبية في هذه العلاقة، بالإضافة إلى استحضار الثقافة الحقوقية ومنظومتها في التعامل مع المرتفقين الذين بالنظر لمستواهم التعليمي قد يلجؤون إلى منصات رقمية مختلفة لنشر تظلماتهم التي لم تجد لها حلا في الفضاء القنصلي.
«الستاندار» نصف الحل لمجموع القنصليات
إن التجربة الميدانية تؤكد أن السير العادي للمركز القنصلي، سواء تعلق الأمر بتدبير الشؤون القنصلية أو الاجتماعية لأبناء الجالية، يخفف الضغط النفسي عنهم ويجعلهم متعاونين ويبدد الصورة السلبية التي يكونونها عن بعض الموظفين خاصة المحليين.
ومن مفاتيح تبديد الصورة السيئة لدى أبناء الجالية المغربية المقيمة في بلدان الإقامة عن القنصلية في تفصيلها التواصلي، ضرورة الحرص على الإجابة عن الهاتف الخاص بالقنصلية باعتباره واجهة المركز القنصلي الذي يعكس مبدأ الضيافة والترحيب وتفادي اختزال أبناء الجالية لمسألة عدم الرد على مكالماتهم كأسلوب ممنهج للإقصاء والتجاهل من قبل القنصلية. وهكذا، فإن عدم الرد من شأنه أن يولد الإحساس بالإقصاء وعدم الاهتمام بالمواطنين من المرتفقين، ويعطي الانطباع أن الموظفين غير مبالين بمواطنيهم وهو ما يمكنه أن يشكل “الشحنة السلبية” التي ينقلها معه المواطن المغربي إلى المركز القنصلي والقابلة للاشتعال، في كل لحظة وحين في أول تماس مع موظف الحراسة أو الاستقبال.
كما يجب تمكين الرسائل الالكترونية لأبناء الجالية من إجابات ومعالجات آنية لمضامينها، ولا يمكن البتة أن نذهب في عدم فعالية تعاملنا مع المنصات الرقمية المرتبطة بالتواصل الالكتروني لديهم أن استعمال مستجدات الاتصال الرقمي من قبل القنصلية على أنها “ترف تكنولوجي”. هذا مع الإشارة إلى أن الدبلوماسية الفعالة ليست بحاجة فقط إلى وسائل اتصال تقليدية، بل أيضا إلى وسائل اتصال اجتماعية بكل أنواعها و”المنصات الرقمية” للاتصال السمعي البصري على شبكة الانترنيت باعتبارها مجالا حيويا يجعل المسؤول القنصلي يزاوج ما بين الدبلوماسية في شقها التقليدي المخملي أو المتجدد تماشيا مع التطور العالمي في مجالات التكنولوجيا.
ولبلوغ خدمة جيدة تمنح مزيدا من الوقت والطاقة يمكن استثمارهما في ضبط محيط الدائرة القنصلية، التي لا يمكن تصورها إلا متسعة ومترامية الأطراف في بلد الإقامة الذي قد يتوفر على مركز قنصلي واحد أو إثنين مثلا، البرتغال، لوكسمبورغ، الإمارات العربية المتحدة وليبيا مثلا، يجب التفكير في أطر كفأة تتمتع بخبرة جيدة في التدبير القنصلي، تضع طريقة عمل، تعتمد “صيغة التتبع” وتجعل كل مصلحة تتحمل مسؤوليتها في تدبير شؤونها مع متابعة يومية للاختلالات وتصحيحها، تتطلب من المسؤول الأول عن المركز التدخل للفصل في الإشكالات الكبرى فقط “لعب دور الحكم».
جلسات استماع ومصالحة لتحديد الحاجيات
التفكير في البدء، ليس في القيام بقنصليات متنقلة إلى بعض مناطق الدائرة القنصلية، بل العمل على وضع رزنامة لقاءات ميدانية مباشرة عبارة عن جلسات استماع ومصالحة مع أبناء الجالية المغربية المقيمة في الخارج لتحديد الحاجيات، بمعدل واحدة كل شهر على الأقل، التي على أساسها يتم وضع مخطط عملي ، اجتماعي أو ثقافي، وفق الأولويات المعبر عنها ،تأخذ في عين الاعتبار عموم أبناء الجالية ومن يمثلهم لخلق توازن يعفي من الصدامات مع أولئك الذين يعتقدون أنهم ذوو نفوذ وحظوة لدى من سبق، مع التذكير أن لكل زمن رجالاته.
وبالمناسبة، تجدر الاشارة الى استياء عدد من أبناء الجالية من سوء المعاملة ببعض القنصليات، ومن ضعف مستوى الخدمات التي تقدمها لهم، سواء من حيث الجودة أو احترام الآجال أو بعض العراقيل الإدارية، ومن بين المشاكل مسألة “الحالة المدنية وعقود الازدياد”، وهنا وجب التذكير أن اشكالية “عقود الازدياد” هيكلية بالدرجة الأولى تتعلق بطريقة تخزين المعطيات في سجلات الحالة المدنية بعدد من القنصليات المغربية منذ بدايات الهجرة المغربية في منتصف القرن الماضي، وأرشفتها أيضا.. وهو الاختلال الذي أبان عنه اعتماد نظام النسخة الكاملة لعقود الازدياد لاستخراج البطاقة الالكترونية مما بين عيوبا كبيرة في ارشيف الحالة المدنية، اذ أن المعطيات غير كاملة مما يدخل أبناء الجالية وأسرهم في متاهة المحاكم لإيجاد حل وهو أمر لم يكن مطروحا في وقت سابق نظرا لاعتماد الحالة المدنية لاستخراج عقد الازدياد، وهو اختلال لا يزال متواصل مع الصيغة الالكترونية “إ-زدياد” التي يطرح حولها أكثر من سؤال سواء تعلق الامر بكيفية اقتراحها أو تجسيدها كمشروع أو ميزانيته، وهل عملت الخارجية على تقييمها كتجربة أو تقييم تجربة “وثيقتي” وكذلك مشروع “قنصليتي” وموقع “كونسيلا”.
وعلى المستوى الخارجي، يجب استثمار العلاقات الجيدة مع أصدقاء المغرب من أبناء دول الإقامة سواء مؤسسات عمومية أو اجتماعية أو اقتصادية، تحولهم إلى لوبي يساهم في إيجاد حلول لأبناء الجالية المغربية المقيمة في المركز القنصلي.
فقد أضحى من الضروري من أجل بلورة تعاون بيني يصب في تنمية العوالم الاجتماعية، التفكير في لقاءات شهرية مع رجال الأعمال والاقتصاد في دول الإقامة، وكذلك حلقات نقاش دورية مع فعاليات إعلامية وثقافية وسياسية تكون مدخلا لتسويق وتحسين صورة المغرب في دول الإقامة، وأيضا فتح آفاق التعاون البيني إعلاميا، ثقافيا واقتصاديا.
هذا، وقد أصبح من الضروري أيضا وضع لبنات لنخبة مغربية مؤثرة تتكون من الشباب أساسا وتضم الصالح ممن هم موجودون وتطعيمها بشخصيات جديدة مع ضمان التوازن بين الأجيال وكذلك بين الجنسين، مع التركيز على حاملي الجنسية المزدوجة كونهم الأداة في ظل القوانين المحلية التي لا تمنح كثيرا من الحقوق للمهاجرين، أن يكونوا قاطرة للتعاون وواجهة للمغرب مع دول الإقامة.
الحقل الجمعوي والديني
كما يجب ضبط ما يسمى بالحقل الجمعوي في المهجر من أصول مغربية وإن كان افتراضيا، وضبط كل أطيافه وكذا العمل على تحصينه من كل اختراق من ذوي النيات السيئة الذين يحولون بعض القضايا خاصة الوطنية إلى أصل تجاري يبتزون بها بلدهم الأصلي لتوفير التمويلات الكافية لجمعياتهم، يستغلون في ذلك المقاربات الضيقة لبعض رؤساء المراكز القنصلية الذين يضعون تصورات متجاوزة للدفاع عن بعض قضايا البلاد، مع استحضار جعل كل من مجلس الجالية الذي فطن إلى أن البوابة الالكترونية يمكن ان تتحول الى صحيفة الكترونية للدفاع عن توجهاتها، وكذا الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج التي جعلت من التمويلات لأنشطة الحقل الجمعوي في المهجر من أصول مغربية مجالا لضبط العلاقات والتوازنات بين مناصرين ومعادين لعدد من الإشكالات الهجروية.
وأيضا يجب التفكير في معرفة جيدة للحقل الديني، الذي يتطلب كياسة كبيرة من قبل رئيس المركز القنصلي بالنظر للتداخل لمعطيين إثنين لا يمكن تجاهلهما في التعاطي معه، وهي ثنائية “الدبلوماسي” و “الأمني ” في التعامل مع “الديني” وإن كان عدد الأئمة المغاربة في بعض دول الإقامة لا يشكلون تخوفا في البلد لأنهم عمالة وافدة كما أنها معتدلة ولا تشكل تيارات معينة خصوصا بين أبناء الجالية المغربية المقيمة تحت نفوذ المركز.
إن تواتر تشييد المساجد في عدد من بلدان الإقامة يجعل من دور العبادة مجالا لتجاذب الدبلوماسي والأمني في تدبير الشأن الديني، ووحده القنصل الذي يتمتع بسمعة طيبة وتأثير جيد يمكنه أن يتمكن من تدبير جيد للمجال سواء في إطاره المؤسساتي في علاقة مع المجالس والجمعيات الكبرى، أو مع تمثيلياتها الجهوية أو مع جمعيات المساجد. وهنا يمكن الاشارة الى مدينة مونت لاجولي الفرنسية، ومصير مسجدها، المدينة التي فقد فيها المغرب إمكانية تشييد المركز الثقافي المغربي، والبرود الذي تعيشه عدد من المراكز القنصلية عمدت إلى إطفاء شمعة الحضور المغربي من خلال وقفها لمهرجانات ثقافية، وتختار توقيفها دون ابداع اي بديل، هذا في الوقت الذي لا نسمع عن عدد من القنصليات شيئا، الأمر الذي لا يفهم انه نجاح، بل تدبير لـ” الروتين ” .كما أن ثمة مراكز قنصلية فقدت إشعاعها الأمر الذي يفرض في حالة الإخفاق خلق خلية أزمة لتحديد الأسباب وإيجاد البروفيل المناسب.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 6 غشت 2015