هل يمكن معالجة مشاكل التنمية المعقدة بالدعم المالي المباشر لبعض الفئات، وبعقلية الإحسان والتبرعات والصدقات؟ مثار هذا التساؤل، ما كشفه الخطاب الملكي الأخير، من أرقام ومعطيات حول حجم الخصاص، المسجل بالنسبة لمناطق واسعة في البادية وفي الأحياء المهمشة من المجال الحضري.
فالفقر والبؤس والتهميش، حسب هذه المعطيات، يهم أكثر من 12 مليون مواطن، أي أكثر من ثلث الساكنة المغربية، ويعني هذا أن معدلات الخصاص تتزايد باستمرار، لأن المنطق السليم يقول، إذا لم يحصل تطور إيجابي، فإن التطور يكون سلبيا.
وهنا نستوحي من المفكر الإقتصادي الشهير، أندري كوندر فرانك، نظريته المعروفة حول «تخلف التخلف»، والتي يعتبر فيها أن النظام الرأسمالي خلق تقاطبا بين المركز والمحيط، حيث تتمركز المنافع والثروات في يد برجوازية المركز، بينما تظل الأطراف متخلفة، يتم استغلالها ومص دمائها، و يزداد ويتعمق و يتسع تخلفها باستمرار.
ما حصل في المغرب هو «تخلق التخلف»، وبدل أن تسعى السياسات العمومية، إلى معالجة هذه الاختلالات، بسن قوانين ضريبية واقتصادية وتشغيلية عادلة، والعمل على الحد من الفوارق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية والجغرافية، سارت الأمور في اتجاه إطلاق يد الرأسمال والفئات الإنتفاعية، لتجميع الثروات بكل الوسائل الإحتكارية المشروعة وغير المشروعة.
وعمقت سياسة الحكومة الحالية، هذا التوجه، بشكل لم يسبق له مثيل، بمعاداة المكتسبات والحقوق الإجتماعية والنقابية، وبسياسة ضريبية متمادية في مص دماء الفئات المتوسطة على الخصوص، وبإجراءات ليبرالية في الأسعار وفي الإنسياق الأعمى وراء توصيات المؤسسات التمويلية الدولية، و في تزكية السياسات الرأسمالية لصالح بعض لوبيات القطاع الخاص، ناهيك عن التطور الفاحش لممارسات الفساد…
إننا أمام حكومة يمينية بامتياز، يكشف عن ذلك خطاب رئيسها، عبد الإله بنكيران، عندما يرد على المطالب النقابية المشروعة، أو على تفاحش البطالة والخصاص، مستلًا ورقة بعض الفئات المعدمة. وهو لايعمل إلا على تغطية الشمس بالغربال، خاصة من خلال بعض الإجراءات الترقيعية، مثل تعويض الأرامل وغيرها من السياسات الجزئية، التي لاتسمن ولاتغني من جوع.
هل يعتقد بنكيران وصحبه في الحكومة، أن المشاكل الكبرى التي كشفتها الدراسة المعلنة في الخطاب الملكي، ستعالج بالصدقات والتبرعات والإحسانيات، التي تستعمل لاستقطاب الزبناء الناخبين؟.
مشاكل التهميش والفقر والخصاص لايمكن معالجتها بخطاب الإحسان اليميني، الذي يسعى إلى تنويم الشعب، فقد ذهب هذا النوع من الخطاب أدراج الرياح، ليس اليوم، بل منذ أن كشفته نضالات الشعوب والأحزاب الديمقراطية والنقابات ضد كل أشكال الرأسمالية المتوحشة، التي تذرف دموع التماسيح على «الفقراء»، بينما تستل لقمة العيش من فمهم.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 3 غشت 2015