أثار الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لعيد العرش، موضوعا في غاية الأهمية، ليس على الصعيد الوطني فحسب، ولكن بالنسبة لكل البلدان. ويتعلق بإشكالية المناطق المهمشة وجيوب الفقر والبؤس، الذي تعاني منه مناطق وفئات داخل نفس البلد.
الدراسة التي أعلن عنها الخطاب الملكي، تكشف بالأرقام والمعطيات الإحصائية، حقائق كان الجميع يشعر بخطورتها، غير أننا الآن أمام دراسة ومخطط رسميين، ومن ثم أصبح مطروحا بحدة على الحكومة أن تشرع في معالجته، حتى لا تتسع الهوة أكثر، بين مغربين، الأول مندمج في دينامية التنمية، رغم كل الخصاص والنقائص، والثاني مهمل ومنسي، وكأنه يعيش في مغرب الستينات.
ماذا تقول الأرقام؟
حسب الخطاب الملكي، فإن الدراسة شملت كل جهات المملكة، حيث تم تحديد أزيد من 29 ألف دوار، في 1272 جماعة تعاني من الخصاص، كما تمت دراسة حوالي 800 20 مشروع، تستهدف أزيد من 12 مليون مواطن يقطنون بأكثر من 24 ألف دوار، وبميزانية إجمالية تبلغ حوالي 50 مليار درهم.
و أكد المخطط أنه لا يقتصر فقط على سكان العالم القروي، والمناطق الصعبة والبعيدة، وإنما أيضا، النهوض بالمناطق الهامشية، والأحياء العشوائية بضواحي المدن.
فائدة مثل هذه الدراسات هي أنها تشخص أوضاعا وتكشف اختلالات بنوع من الموضوعية والوضوح، وترسم خارطة تقرب الفاعلين من حقيقة الوضع، وتسمح بتحديد الحاجيات الضرورية وكيفية معالجتها… ولذلك تلجأ إليها الدول باستمرار، من أجل التعرف الدقيق على مختلف المشاكل التي ينبغي على السلطات وضع سياسات عمومية للحد من اتساعها.
ومن المؤكد أن التعثر الذي عرفته معدلات النمو في الأربع سنوات الأخيرة، بالإضافة إلى التراجع الذي عرفه الاستثمار العمومي وانخفاض فرص التشغيل، وغيرها من الاختلالات، مثل الزيادات في الأسعار وتكاليف المعيشة، عمقت من الفوارق الاجتماعية، وأصابت، على الخصوص، الفئات والمناطق المهمشة، في مقتل.
وحتى بالنسبة للعالم القروي، فإنه بالرغم من التساقطات المطرية الهامة، التي سجلت في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لم ينعكس في تطور القيمة المضافة للمنتوج الفلاحي، كما أن الاكتفاء بخطاب “أمطار الخيروالبركة”، كبديل لأية سياسة عمومية تنموية، لصالح السكان القرويين، جمد كل المجهودات التي كانت تبذل في السابق، من أجل فك العزلة عن البوادي.
ونفس التصور المتخلف ساد أيضا في التعامل مع ضواحي المدن والأحياء المهمشة، التي يزداد حجمها، بفعل الهجرة من القرى إلى المدن، وبفعل النمو الديمغرافي، وأيضا بسبب اتساع دائرة الفقر. هذه معطيات كشفت عنها العديد من الإحصائيات والدراسات السوسيولوجية، غير أنه لايسجل لدى الحكومة أية مبادرة تذكر لمعالجة الاختلالات البادية للعيان.
ما حصل في أرض الواقع، هو أن هذه المناطق المهمشة ،سواء في البادية أو في المدينة، أصبحت تشكل عائقا كبيرا في وجه التنمية، لأنها قد تجر إلى الوراء كل تقدم، ويمكنها أن تغرق الجميع في سعير عدم الاستقرار وتنامي التخلف وبروز الانحرافات الإجتماعية… وغيرها من المظاهر التي ستؤثر على الجسد كله، لأنها جزء منه.
وإذا كان الخطاب الملكي قد وضع الحكومة أمام مسؤوليتها، فإن ما ينتظره الشعب، هو كيف ستتجاوب معه الوزارات والمؤسسات العمومية والمصالح الإدارية، من أجل الإسراع في تصريف المخطط المعلن، ووضع سياسات مرافقة أخرى لمواجهة التحدي، الذي يفرض أن يسير المغرب في انسجام بين أعضاء جسده الواحد.

* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

    الاثنين 3 غشت 2015

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…