تارودانت (المغرب)
تضم بلدة “أصادص” بمحافظة تارودانت، جنوب غربي المغرب مزارع تنتج أجود أصناف هذه الفاكهة “المقدسة” التي يستخدمها اليهود في بعض طقوسهم الدينية، وقد أكد جلهم أنها ثمرة رئيسية حتى في عاداتهم الغذائية. ويقول ربي يشار ليفي، وهو رجل دين يهودي إن “فاكهة الترونج مقدسة، ولها منزلة كبيرة في ديانتنا اليهودية، كما لأضحية العيد منزلة كبيرة لدى المسلمين”.
ويشرح ليفي قائلا “نحتفي بالترونج خلال شعيرة عيد العُرش، إحياء لذكرى خيمة السعف التي آوت اليهود في العراء أثناء خروجهم من مصر، وتكون مناسبة للتفاخر فيما بيننا، حسب قيمة كل فاكهة نملكها، ونحرص على أن تكون حبة الترونج سليمة كاملة الجمال لأداء الفريضة، تنفيذا لتعليمات مقدسة في صحفنا القديمة”. ويشير ليفي أن بعض الروايات اليهودية التاريخية تقول إن “شجرة الترونج شجرة مباركة ومقدسة حسب الصحف القديمة، وأن عصا موسى عليه السلام كانت مصنوعة من هذه الشجرة”.
وفي دراسة أنجزها الباحث الزراعي ليفي، فإن ترونج مدينة أصادص المغربي أصيل ولم يخضع لأي تطعيم، وذو جودة عالمية، والأجود منه يسمى “العروسة” وتصل قيمة الكيلوغرام الواحد إلى 100 دولار.
ويقول بلعيد، أحد فلاحي محافظة أصادص، إن “أشجار الترونج، الأجود عالميا مقارنة مع ما تنتجه مزارع إيطاليا حيث تنبت في مزارع الدواوير (وهي عبارة عن تجمعات سكانية) ولها أسماء أمازيغية مثل إمي نيفري، وتمكنسيفت، وتكركوست وكلها مناطق جبلية تابعة للمحافظة.
ويوضح بلعيد أن “كل شجرة ترونج تنتج على الأكثر 100 ثمرة متوسطة الحجم، يتم جني غلالها ما بين نهاية يوليو ومنتصف أغسطس من كل عام”. ويقبل اليهود بكثرة على اقتنائها من مزارعي أصادص، بثمن يصل إلى 300 درهم (28 دولارا) عن كل ثمرة خالية من أي عيوب، متوسطة الحجم سليمة كاملة الجمال لأداء فريضة اليهود.
ويلفت بلعيد أن الزبائن اليهود “يفرضون شروطا صارمة على المزارعين بهدف إنتاج مادة جيدة، وهو ما يرهق كاهل المزارع البسيط بتكاليف مادية إضافية يخصصها لاقتناء أدوية باهظة الثمن تفوق 1000 درهم (100 دولار)، بهدف محاربة الطفيليات العالقة بالأشجار، والحصول على منتوج بالمواصفات المطلوبة حتى يكسب رضى وثقة زبائنه”.
وحسب ليفي الذي يتردد على أصادص منذ 42 عاما، فإن قراها الثلاث يرتادها يهود من دول شتى، من أجل السياحة، والتعرف عن قرب على الفاكهة، والتقاط الصور، مع “شجرتها المباركة” بحسب اعتقادهم، إذ يبدأ اليهود بالتردد على المناطق منذ مايو، بغية حجز المنتوج في طور تسويقه داخل المغرب وخارجه، حسب سكان المحافظة.
أما دانيال بادوخ، أحد مصدري الترونج في محافظة تارودانت، فيقول “يتم تعليب الفاكهة داخل معمل وحيد يقع بمحافظة أولاد تايمة (شمال تارودانت)”. ووفق ليفي، فقد ارتبط الترونج بتلك المنطقة، نظرا لكون اليهود استقروا فيها، وكانوا يمارسون التجارة لقرون. بدوره يتحدث إسماعيل بن ألهيان، أحد سكان المدينة قائلا “غير أنه مع نهاية ثمانينات القرن الماضي، تم نقل مشاتل من الترونج إلى بلدات مجاورة في مناطق “أيت عياد”، و“أحمر لكلالشة”، و“سبت الكردان”، بمحافظة تارودانت، لاستنباتها داخل قرى كبيرة مملوكة ليهود، غير أن هؤلاء لم ينجحوا في الظفر بنفس جودة النبتة الأصل”.
ويستخدم الترونج في الطب الحديث كفاتح للشهية، ومهضم ومنبه للجهاز الهضمي، ومطهر ومضاد للفيروسات، وقاتل للبكتريا، ومخفض للحمى، ويستخدم كمضاد للبرد، وعدوى الصدر، والحنجرة، كما يقوي جهاز المناعة، ويساعد في موازنة ضغط الدم. وتسمى هذه الفاكهة عند العرب بعدة أسماء، منها: “الأترج”، و“الأترجة”، و“الأترنجة”، كما تحمل اسم “تفاح العجم”، فيما تحمل اسمي “الترونج” أو “التنورج” بالأمازيغية لدى ساكني بلدة أصادص المغربية.
وحسب مصادر دينية فإن عيد العُرش أو “سوكوت” باللغة العبرية، يتميز بشعيرتين، أولهما إنشاء مظلة يتم فيها تناول وجبات العيد، وثمة من ينامون فيها، وخلال الأيام الخمسة يقيم الآلاف من اليهود عُرشا للإقامة المؤقتة، قرب البيت أو على الأسطح. أما الشعيرة الثانية في العيد هي “الباقة التي يمسك بها اليهود عند صلاة الصباح، والمؤلفة من سعفة نخيل وبعض أغصان الآس (نوع من الريحان)، والصفصاف”.
عن موقع صحيفة العرب نُشر في 03/08/2015، العدد: 9996،