…/…
إن ما ابتليت به النقابات، والجمعيات، باعتبارها منظمات جماهيرية، وخاصة تلك التي تعتبر نفسها ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، وإن ما ابتليت به الأحزاب بصفة عامة، والأحزاب التي تعتبر نفسها يسارية بصفة خاصة، والتي تدعي أنها تسعى إلى تغيير الواقع لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، والنضال من أجل التحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، في أفق تحقيق الاشتراكية، أن هذه النقابات، والجمعيات، والأحزاب، يحسب عليها (مناضلون)، لا يسعون إلا إلى تحقيق أهداف شخصية، لا علاقة لها لا بالنضال الجماهيري، ولا بالنضال الحزبي المبدئي، والصادق. وممارسة هؤلاء لا تحرجهم مع التنظيمات الجماهيرية، والحزبية، التي ينتمون إليها، وخاصة عندما يعيدون إنتاجها، في الوقت الذي يعرف جميع المنتمين إلى تلك التنظيمات، أنهم لا (يناضلون) إلا من أجل مصالحهم، المساهمة في تحقيق تطلعاتهم الطبقية، على حساب الجماهير الشعبية الكادحة، التي تبقى معانية من الجوع، والمرض، والأمية، ولا تستفيد أي شيء من المنظمات الجماهيرية، والأحزاب السياسية التي ينتمي إليها (المناضلون)، الذين يعدونهم بتغيير واقعهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، أو بتحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية في الحدود الدنيا.
ولذلك، يجب علينا، من خلال هذه المقالة، أن نميز بين مستويين من النضال: النضال من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، و(النضال) من أجل تحقيق أهداف شخصية محضة، تؤدي إلى تحقيق التطلعات الطبقية، ل (المناضل) الحامل لأمراض البورجوازية الصغرى، التي تجعل حاملها يدوس كل القيم، التي يتحلى بها المناضلون الأوفياء للجماهير الشعبية الكادحة.
فالنضال من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، يقتضي:
أولا: أن يكون المناضل وفيا لهذه الجماهير، يستمع إليها، ويتعرف على معاناتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويخطط، ويبرمج، وينفذ، من أجل انتزاع مكاسب مادية، ومعنوية لصالحها.
ثانيا: التضحية المادية، والمعنوية، من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، والسعي إل خلق حزام جماهيري واسع، حول المنظمات الجماهيرية، وحول الأحزاب السياسية المناضلة، حتى يصير ذلك الحزام، داعما للنضالات التي تخوضها التنظيمات الجماهيرية، والحزبية المناضلة.
ثالثا: توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها المادية، والمعنوية، وبما يمارس عليها من استغلال همجي، وبالجهات التي تمارس ذلك الاستغلال، وبضرورة، وأهمية الانخراط في النضال، من أجل التقليص من حدة الاستغلال، في أفق القضاء عليه، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق تحقيق الدولة الاشتراكية.
رابعا: إشراك هذه الجماهير في اتخاذ القرارات النضالية، التي تقررها المنظمة الجماهيرية: الحقوقية، أو الثقافية، أو التربوية، وغيرها وفي القرارات التي تتخذها الأحزاب، عن طريق الإنصات إلى معاناتها، والاستماع إلى مقترحاتها، حتى تشعر هذه الجماهير بأهميتها الاقتراحية، والتقريرية.
خامسا: تعبئتها من أجل المشاركة في خوض المعارك النضالية، التي يقررها الإطار الجماهيري، أو الحزبي، من أجل انتزاع مكاسب مادية، ومعنوية لصالحها، ومن أجل تحقيق التغيير الذي تنشده، لرفع الحيف عنها.
سادسا: تربيتها على الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من خلال العلاقات القائمة في المجتمع، ومن خلال النضال من أجل دستور ديمقراطي شعبي، تكون فيه السيادة للشعب، ويفصل بين السلط، ومن أجل إيجاد قوانين انتخابية، تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، وتمكن الشعب المغربي من الاختيار الحر، والنزيه، لمختلف المؤسسات الجماعية، وللمؤسسة التشريعية، التي تنفرز عن أغلبيتها حكومة تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي، وتتمتع بكافة الصلاحيات، وتكون لها السلطة التنفيذية، وتحاسب من قبل المؤسسة التشريعية، التي تملك حق الرقابة عليها.
سابعا: التربية على الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير القيم الحقوقية، جزءا لا يتجزأ من المسلكية الفردية، والجماعية، ومن أن تتحول الأسر إلى خلايا للتربية على حقوق الإنسان، وتنشئة الأجيال الصاعدة عليها، من أجل الاطمئنان على مستقبل البشرية.
أما النضال من أجل تحقيق الأهداف الخاصة، فيقتضي:
أولا: عدم الوفاء للجماهير، التي تتحول إلى مجرد مجال، لممارسة كافة أشكال الانتهازية، بما في ذلك ممارسة الابتزاز على ذوي الحاجة إلى التدخل، من أجل حل المشاكل الفردية، والجماعية، لضمان الحصول على مدخول، يمكن (المناضل) من تحقيق تطلعاته الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي توصله إلى تحمل المسؤوليات، التي تدر عليه المزيد من الدخل، الذي يمكنه من الالتحاق بصفوف البورجوازية، أو بصفوف الإقطاع، أو بصفوف التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف.
ثانيا: الحرص على عدم الاتصاف بالتضحية المادية، والمعنوية، حتى يضمن التراكم اللازم للانتقال من طبقة لا تملك شيئا، إلى طبقة مالكة لوسائل الإنتاج، والتمكن من استغلال العمال، باعتبارهم مشغلين لتلك الوسائل، لإنتاج المزيد من فائض القيمة، الذي يصير مصدرا لمراكمة الأرباح، التي يحصل عليها مالكو تلك الوسائل، الملتحقين بالطبقة البورجوازية.
ثالثا: عدم إيلاء أية أهمية للجماهير أثناء اتخاذ القرارات التي تهمها، والتي لها علاقة بمصيرها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن تغييب الجماهير، بالنسبة لمن (يناضل) من أجل تحقيق الأهداف الخاصة، المتعلقة بتحقيق التطلعات الطبقية، يكتسي أهمية خاصة؛ لأنه يجنبه الاصطدام بالجماهير الشعبية الكادحة، ويعطي الشرعية للقرارات التي يتخذها في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، التي قد لا يكون لها أي علم بالشروط التي أحاطت باتخاذ القرارات.
وهل هي شروط ذاتية؟
أم أنها شروط موضوعية؟
وهل يخدم القرار الجماهير الشعبية الكادحة؟
أم أنه لا يخدم إلا من اتخذ ذلك القرار، الذي يعلم علم اليقين: أن القرار الذي اتخذه لا يخدم إلا مصالحه الطبقية؟
رابعا: عدم توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها المادية، والمعنوية، من أجل أن تصير قابلة بالاستغلال الهمجي الممارس عليها، وعدم استحضار الجهات، التي تمارس ذلك الاستغلال، وعدم التفكير في الانخراط في النضال، من أجل التقليص من حدة الاستغلال، وعدم العمل من أجل القضاء عليه، وعدم السعي في اتجاه تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، من أدجل أن تبقى هذه الجماهير مغيبة عن الواقع، ويغيب عن تفكيرها، وممارستها، الواقع الذي تعيشه.
خامسا: عدم التفكير في تعبئة الجماهير الشعبية الكادحة، حتى تبقى مغيبة عن خوض المعارك، التي يقررها الإطار الجماهيري، أو الحزبي، وحتى لا تتحقق أية مكاسب لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء كانت تلك المكاسب مادية، أو معنوية، من أجل أن تتاح الفرصة أمام المتاجرين بالنضال، وبمعاناة الجماهير الشعبية الكادحة، من أجل تحقيق تطلعاتهم الطبقية، التي يتصفون من أجلها، بكل أشكال خيانة الجماهير الشعبية الكادحة.
سادسا: عدم تربية الجماهير الشعبية الكادحة، على الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تبقى العلاقات القائمة في المجتمع، علاقات مطبوعة بالاستبداد، وفي مقدمتها علاقات الإنتاج، التي لا رأي فيها لا للعمال، ولا لباقي الأجراء، ولا لسائر الكادحين، وحتى ينعدم، أو يتوقف النضال من أجل دستور ديمقراطي شعبي، ليبقى الدستور اللا ديمقراطي، واللا شعبي، هو القائم، وهو المكرس للاستعباد، في مقابل انعدام الحرية، وللاستبداد، في مقابل انعدام الديمقراطية، وللاستغلال في مقابل انعدام العدالة الاجتماعية، وحتى لا يفصل الدستور بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، مادام عدم الفصل يخدم مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح المتسلقين الساعين إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية، وحتى لا توضع قوانين انتخابية، تضمن حرية، ونزاهة الانتخابات، وحتى لا يتمكن الشعب المغربي من الاختيار الحر، والنزيه، لمختلف المؤسسات الجماعية، والمؤسسة التشريعية، وحتى لا تنفرز الحكومة عن أغلبية منتخبة، انتخابا حرا، ونزيها، وتصير الحكومة المنفرزة عن أغلبية مزورة، في خدمة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، والذين يوجد من بينهم الساعون إلى تحقيق أهداف خاصة، وباسم النضال من أجل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
سابعا: عدم التربية على الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل أن لا تصير القيم الحقوقية، من مكونات المسلكية الفردية، والجماعية، ومن أجل أن لا تتحول الأسر إلى خلايا للتربية على حقوق الإنسان، وحتى لا تتم تنشئة الأجيال على تلك الحقوق، حتى يطمئن المستفيدون من تقمص النضال، على مستقبل استفادتهم من عدم التربية على الحقوق الإنسانية، لصالح تحقيق أهدافهم الخاصة، وفي مقدمتها تحقيق التطلعات الطبقية.
******
وهكذا يتبين:
أولا: أن النضال من أجل الجماهير، يقتضي الوفاء لهذه الجماهير، وتجنب خيانتها، وعدم الجري وراء الإغراءات التي تقدم لها، وفضح كل الممارسات التي تمارس عليها من قبل الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، ومن قبل أجهزة الدولة المخزنية، والعمل على توعيتها بضرورة الانخراط في محاربة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، والنضال من اجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، كما يقتضي التضحية المادية، والمعنوية من أجلها، والحرص على الارتباط بأوسع الجماهير الشعبية الكادحة، والدفع بها للانخراط في المنظمات الجماهيرية المناضلة، وفي النقابات المبدئية، وفي الأحزاب السياسية الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، من أجل النضال في إطارها، وبواسطتها، لتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما يقتضي النضال من أجل الجماهير المذكورة الحرص على توعيتها بأوضاعها المادية، والمعنوية، حتى تنخرط، وعن وعي، في النضال من أجل انعتاقها من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وكما يقتضي كذلك إشراك هذه الجماهير في اتخاذ القرارات النضالية، في القضايا التي تهمها، سواء تعلق الأمر بالمنظمات الجماهيرية المناضلة، أو بالأحزاب السياسية المخلصة للجماهير الشعبية الكادحة، من أجل جعل الجماهير المعنية، تطمئن على مستقبلها، وعلى مستقبل أبنائها، وتقتضي كذلك تعبئتها، من أجل الانخراط في خوض المعارك النضالية: الحقوقية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تتقرر في إطار المنظمات الجماهيرية، أو في الإطار الحزبي، كما تقتضي تربيتها على الممارسة الديمقراطية، بأبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتربيتها كذلك على حقوق الإنسان، في أبعادها المختلفة، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وهذه الاقتضاءات، هي التي ترسم لنا الخطوط العريضة للنضال من أجل الجماهير الشعبية الكادحة.
ثانيا: أن النضال من أجل تحقيق الأهداف الخاصة، ذات الطابع الانتهازي الصرف، التي تهدف إلى تحقيق التطلعات الطبقية بالخصوص، فإنها تقتضي عدم الوفاء للجماهير، التي تتحول إلى مجرد مجال لممارسة كافة أشكال الانتهازية على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين بالخصوص. وعلى المسؤولين في إدارتي القطاع العام، والقطاع الخاص، من قبل مدعي تمثيل الجمعيات، والنقابات، والأحزاب، أمام العمال، وباقي الأجراء، وأمام المسؤولين في إدارتي القطاع العام، والقطاع الخاص، من أجل تحقيق تراكم كمي للثروات، على حساب مصالح المعنيين بعمل الجمعيات، والنقابات، والأحزاب، كما تقتضي الحرص على عدم الاتصاف بالتضحية المادية، والمعنوية، حتى لا تؤدي التضحية إلى إضعاف التراكم المادي بالخصوص، الذي يمكن من الانتقال من طبقة، إلى طبقة أخرى، تتوفر لها كافة الإمكانيات، التي تجعلها تمارس الاستغلال المادي، والمعنوي للكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، وتقتضي، كذلك، عدم إيلاء أية أهمية للجماهير المعنية بالعمل الجمعوي، والنقابي، والحزبي، التي لا تشرك أبدا في بلورة القرارات المتخذة، حتى تبقى قرارات بيروقراطية، لا تخدم إلا مصالح مسؤولي الجمعيات، والنقابات، والأحزاب، التي تبرهن عن حرصها على تكريس الممارسة البيروقراطية، وعدم الانفتاح على الجماهير المعنية، التي تحرم من المشاركة في الاهتمام بقضاياها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تمتلك القدرة على إبداء رأيها، قبل اتخاذ أي قرار يهم مستقبلها، سواء كان جمعويا، أو نقابيا، أو حزبيا، كما تقتضي أيضا عدم توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها المختلفة، حتى تبقى مغفلة، وغير مبالية بما يمارس عليها، وحتى لا تستحضر ما تراكمه الجهات الممارسة للاستغلال، ومن أجل أن لا تنخرط في النضال من أجل التقليص من حدة لاستغلال، وعدم السعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وتقتضي، كذلك، عدم التفكير في تعبئة الجماهير الشعبية، من أجل أن تبقى بعيدة عن المعارك النضالية، التي تتقرر في الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية، حتى يستمر المتاجرون بالنضال، في تحقيق أهدافهم الخاصة، وفي خيانة الجماهير الشعبية الكادحة، ويقتضي أيضا عدم الاهتمام بتربية الجماهير الشعبية الكادحة على الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل أن تبقى علاقات الاستبداد هي السائدة، وخاصة في علاقات الإنتاج القائمة في المجتمع، ومن أجل أن يبقى الدستور اللا ديمقراطي، واللا شعبي، هو السائد، وهو المكرس لكل اشكال الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يمكن تجار (النضال)، من المحافظة على مناخ الاستبداد، الذي يمكنهم من الاستفادة من تجارتهم، المنتجة لتحقيق أهدافهم الخاصة، كما يقتضي كذلك عدم تربية الجماهير الشعبية على الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل تكريس الأمية الحقوقية، وسعيا إلى عدم انبثاق وعي حقوقي متقدم، ومتميز، يفسد على متاجري النضال الجماهيري، أو الحزبي، خططهم الهادفة إلى تحقيق أهدافهم الخاصة.
فما الذي أفسد العلاقة مع المنظمات الجماهيرية: الجمعوية، والنقابية، ومع الأحزاب السياسية المناضلة: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية؟
إن الإطارات الجماهيرية، والحزبية المناضلة، تضم بين صفوفها المناضلين الأوفياء، والانتهازيين. وهذه الازدواجية التي تعاني منها الإطارات، هي التي تجعلها تظهر، وكأنها تنطلق انطلاقة جارفة، في اتجاه تحقيق أهدافها المرحلية، والإستراتيجية، في حالة غلبة تواجد المناضلين الأوفياء بكثافة في صفوفها، وفي حالة تفعيل مبادئ النقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية في صفوفها. أما عندما تكون غلبة التواجد للانتهازيين، وعدم تفعيل مبادئ النقد، والنقد الذاتي، والسعي إلى تحقيق الأهداف الخاصة للأفراد، فإن هذه الإطارات، تصير أبعد ما تكون عن تحقيق أهدافها، وتصير شبه منفصلة عن الجماهير المعنية بها.
ولذلك، فإن مسؤولية إفساد العلاقة مع الإطارات الجماهيرية، والأحزاب السياسية، يتحمل مسؤوليته، بالدرجة الأولى، الانتهازيون المتاجرون بالنضال الجماهيري، والحزبي، من اجل تحقيق الأهداف الخاصة، التي تمكن، أو تقرب، من تحقيق التطلعات الطبقية، وهو ما يصير عرقلة لسعي المناضلين الأوفياء، إلى تحقيق الأهداف الجماهيرية، التي تؤدي إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرحلية للأحزاب المناضلة، في أفق تحقيق الأهداف الإستراتيجية.
فما العمل من أجل جعل الإطارات المناضلة: الجماهيرية، والحزبية، تنتفي من بين صفوفها الممارسة الانتهازية، التي تحول دون تحقيق أهدافها الجماهيرية، والحزبية؟
إن العمل على محاصرة الممارسة الانتهازية، التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف الخاصة، في الإطارات الجماهيرية، والحزبية، لا بد من:
أولا: ضبط التنظيم، انطلاقا من النظام الداخلي، والأساسي، للإطار الجماهيري، أو الحزبي، حتى لا نسقط في اللا تنظيم، باسم التنظيم، كما يريد ذلك انتهازيو النضال الجماهيري، أو الحزبي.
ثانيا: التداول على المسؤولية، في مستوياتها المختلفة، حتى يتم تفويت الفرصة على الانتهازيين، الذين يسعون إلى الاستفراد بالمسؤولية الأولى، وبعد ذلك، فليذهب التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، إلى الجحيم.
ثالثا: الحرص على استيعاب مختلف أدبيات التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، وتمثل تلك الأدبيات على مستوى الممارسة، وتتبع مدى تمثلها من خلال التعاطي مع التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، من خلال الممارسة العامة، من أجل أن تترسخ تلك الأدبيات في الممارسة التنظيمية / الجماهيرية، أو الحزبية، ومن خلال العلاقة مع الجماهير، في أفق تمثلها من قبل الجماهير الشعبية الكادحة، التي تتفاعل مع الإطارات الجماهيرية، والحزبية المناضلة.
رابعا: الحرص على تمثل الممارسة الديمقراطية في التنظيمات الجماهيرية، والحزبية المناضلة، وفي العلاقة مع الجماهير المعنية بتلك التنظيمات، من أجل العمل على أن يتحول تمثل الممارسة الديمقراطية، إلى صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، المعنية مباشرة، بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
خامسا: الحرص على احترام حقوق الإنسان، من خلال التنظيمات الجماهيرية، والحزبية المناضلة، وفي علاقة التنظيمات المذكورة مع الجماهير الشعبية الكادحة، في أفق انخراط الجماهير المذكورة في النضال، من أجل تمثل حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والنضال من أجل ملاءمة القوانين الوطنية، مع المواثيق المذكورة، من اجل وضع حد لكافة الخروقات، التي ترتكب في حق الإنسان المغربي.
خامسا: قيامك التنظيمات الجماهيرية، والحزبية المناضلة، بإعلان الحرب على الممارسة البيروقراطية، والديكتاتورية في صفوفها، حتى لا تتحول هذه التنظيمات المناضلة، إلى تنظيمات تعشش فيها البيروقراطية، والديكتاتورية، وعلى يد مسؤولين يحرصون على تحقيق أهدافهم الخاصة، عن طريق تمثل الممارسة البيروقراطية، والديكتاتورية، ودون حياء، متوهمين أن المنتمين إلى تلك التنظيمات، لا يدركون ممارستهم الانتهازية، التي لا علاقة لها بالنضال، من أجل تحقيق الأهداف الجماهيرية، والحزبية، التي تسعى إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة، والعمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.
فهل بعد هذه المعالجة المتأنية، نستطيع أن نميز بين النضال من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، ومع الجماهير، و(النضال) من أجل تحقيق الأهداف الخاصة، التي يسعى إلى تحقيقها المتاجرون بالمسؤوليات الجماهيرية، والحزبية؟
وهل تستطيع الجماهير الشعبية الكادحة، أن تميز بين الممارسة النضالية الصادقة، والممارسة الانتهازية؟
وهل تنخرط في إعلان الحرب على لممارسة اللا ديمقراطية، والانتهازية، الهادفة إلى ممارسة الابتزاز عليها؟
وهل تساهم الجماهير الشعبية الكادحة، في تطهير المنظمات الجماهيرية، والتنظيمات الحزبية المناضلة، من البيروقراطيين، والديكتاتوريين، والانتهازيين؟
وما يهمنا من هذه الأسئلة، وغيرها، ليس هو إيجاد أجوبة لها، بقدر ما يهمنا أن تصير التنظيمات الجماهيرية، والحزبية، في خدمة الجماهير، والنضال من أجل تحقيق الأهداف التي تخصها، في أفق تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، وتحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.
محمد الحنفي
sihanafi@gmai.com