يبدو أن ظاهرة العنف الجماعي، الذي تقوم به عصابات من الشباب، مدججة بأسلحة بيضاء، أخذ يتسع ويكتسي خطورة متزايدة، حيث تضاعفت، في الأيام الأخيرة، حالات الهجوم على المتاجر والحافلات والشواطئ، وغيرها من الأماكن العمومية، من أجل السرقة وترويع الناس.
المسألة تحتاج إلى أن يوليها المجتمع أهمية بالغة، نظرا لخطورة الأبعاد والمؤشرات التي تتميز بها. فنحن لسنا أمام حالات منعزلة من الانحراف المعروف أو من الإجرام الفردي، بل نحن أمام إجرام جماعي، يتخذ شكل عصابات، أغلبها إن لم نقل كلها من الشباب، تتحرك بنوع من اللامبالاة، غير عابئة بالأمن وبما يمكن أن يترتب عن الأفعال التي ترتكبها.
لذلك وجب التأمل ودراسة هذه الظواهر، لأنها ليست معزولة عن عدة أسباب ينبغي الوقوف عندها، من أجل معالجتها في عمقها. وإذا كانت المقاربة الأمنية ضرورية من أجل حماية الناس والممتلكات وتطبيق القانون، فإن هذه المقاربة ينبغي أن ترافق بفهم عميق لما يجري حتى تكون ناجعة.
وإذا كان المغرب حديث العهد بمثل هذه الظواهر، فإن هناك عددا من البلدان قد عانت منها، بطرق وأشكال مختلفة ومتفاوتة، منها من سماها ب»العنف الحضري»، و»عنف الشباب»، و غيرها من التسميات، التي لا يمكن أن تحصر الظاهرة، مادامت أسبابها وخلفياتها متداخلة ومعقدة.
وقد عاشت دول من أمريكا اللاتينية مثل هذه الظواهر، ومنها من مازال يعاني منها إلى الآن، وهي نماذج تستحق الدراسة المقارنة، نظرا لتشابه البنيات الاجتماعية ومستوى التطور الاقتصادي، في إطار خطة استباقية لمواجهة نمو هذه المظاهر المرعبة.
وإذا كان الفقر والتهميش، والهدر المدرسي، وضعف التأطير المؤسساتي والعائلي، وسيادة علاقات توتر مستمرة مع السلطات الأمنية، بل وحتى مع الدولة، بالإضافة إلى الإدمان على المخدرات، من بين أسباب تطور هذه الظواهر، فإن هذه العناوين العامة، لا تكفي لفهمها بشكل أكثر عمقا، في إطار مناهج علمية تتسم بالدقة الضرورية، من أجل سن سياسة وقائية.
ويمكن الاستفادة من تجارب بعض البلدان، في هذا الشأن، مثل المكسيك، التي عاشت مثل هذه الظواهر، والتي أنجزت دراسات ووضعت مخططا وطنيا، تحت اسم «القانون العام للوقاية الاجتماعية من العنف والانحراف»، والذي يقضي بالتنسيق بين مختلف السلط، الفيدرالية والوطنية والجماعات المحلية، في إطار سياسة فاعلة للوقاية، والحذر، والعقاب، والاجتثاث، لكل مستويات العنف.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاربعاء 29 يوليوز 2015