يرقد المناضل والمقاوم محمد بنحمو كاميلي اليوم بإحدى المصحات الطبية بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، وقلبه يعتصر ألما ليس بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به بشكل مفاجئ فوق الاجواء الجزائرية وهو عائد الى أرض الوطن بعد أداء مناسك عمرة رمضان، بل للتعامل “غير الانساني” الذي لحقه من قبل السلطات الطبية في مطار محمد الخامس فور وصوله أرضيته في وضع صحي حرج.
لقد تمكن المناضل والمقاوم محمد بنحمو كاميلي حينما ألمت به الوعكة الصحية أولى أيام العيد وهو فوق الأجواء الجزائرية على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية من أن يواجه قدر الله بإيمانه بأن المؤمن مصاب، غير أن هذا الرجل الذي بصم تاريخ المقاومة المغربية ضد المستعمر لم يتمكن إلى حدود اليوم، بالرغم من مرور أيام، من أن ينسى ما لقيه من معاملة “غير إنسانية” فور وصوله بلده الأم المغرب.
فعوض أن يجد المقاوم محمد بنحمو كاميلي أحد أبرز الوجوه المناضلة في مدينة الدار البيضاء ورفيق درب الشهيد المهدي بنبركة ، والطائرة التابعة للخطوط العربية السعودية تلامس أجنحتها أرضية المطار سيارة إسعاف طبية مجهزة تنتظره كأي أنسان في حالة صحية حرجة له الحق في العناية الطبية أولا ثم كمواطن مغربي واحد من دافعي الضرائب له دين على الحكومة كي توفر له الحق في التطبيب، عوض كل هذا غاب الفعل المواطناتي الحقيقي وحضر التساهل مع حياة إنسان في خطر.
ثمة مساحات فراغ كبيرة يجب على السلطات الطبية المغربية في مطار محمد الخامس أن تملأها بأجوبة حقيقية للوقوف على سبب الخدمة الصحية المهترئة التي قدمتها لمواطن من قبيل محمد بنحمو كاميلي، بغض النظر عن كونه مناضلا ومقاوما، هذه الخدمة التي حين الاطلاع على تفاصيلها لا يمكن للمرء إلا أن يصلي صلاة الجنازة على الخدمات الطبية في الحدود الجوية المغربية، وألا يطمح أحد من مواطنينا يوما في أن ننقذ مغربيا كيفما كان أو أجنبيا باغتته لا قدر الله أزمة صدرية حادة أو هبوط حاد في الضغط فالمآل سيكون الموت وإن كانت الأقدار بيد الله.
بالرغم من وضعه الصحي الحرج لحظة وصوله الى أرضية المطار، ونحن لا نعلم إذا ما كان ربان الطائرة قد قام بواجبه وأخبر السلطات الجوية بحالة الزبون والمسافر المقاوم محمد بنحمو كاميلي، بالرغم من وضعه، اضطر للانتظار الى أن ينزل الجميع من الطائرة، (المريض يتسنى الصحيح)، ليجد في انتظاره كرسيا متحركا عوض سيارة اسعاف طبية ينقله الى قاعة الوصول ومنها الى قاعة الامتعة، لتتحقق بذلك سريالية الاستعجال والانقاذ.. فالأفواه مشرعة للحديث عن مروحيات الانقاذ ومشرعة أيضا للحديث عن سيارات الاسعاف “السامو”، لكن فقط في مخيلة السلطات الصحية المغربية.
كان البحث مضنيا عن طبيب المطار ليتم العثور عليه بصعوبة ورفقته ممرضة بدون إمكانيات تسعفهم في تقديم الدعم النفسي والطبي للمقاوم محمد بنحمو كاميلي. فضيق التنفس الذي يعانيه هذا المقاوم والمناضل زاد من حدته ضيق ذات يد وزارة الصحة بأكملها والمصالح الصحية بمطار محمد الخامس الذي يتغنى مكتب المطارات بكونه أحد أحسن المطارات في العالم. فالدفع المسبق أصبح عملة التداول قبل الاسعاف (موت عاد شكي).
لقد اضطرت العائلة لأن تدفع مسبقا 480 درهما ثمن نقل المقاوم محمد بنحمو كاميلي عبر سيارة اسعاف تابعة للمكتب الوطني للمطارات عليلة أشبه بـ”براكة” متنقلة من غير مرافقة طبية كما تفرض ذلك البروتوكولات الطبية العالمية، وأن تدفع من جيبها ثمن تذكرة العبور “البياج” على الطريق السيار لسيارة إسعاف ما أن وضعته أمام باب إحدى المصحات البيضاوية حتى عادت أدراجها الى المطار، لتستكين لحالها وفي نفسها أمل أن لا يأتيها مريض يزيد من آلامها.. فهي أيضا عليلة تحتاج مثل سلوكات كثير لا تمس للإنسانية بصلة تحتاج الى تطهير كامل وعلاج نهائي.
هي في حقيقة الامر ساعة جحيم تلك التي قضاها المقاوم محمد بنحمو كاميلي. فالرجل الذي لم يتردد في توثيق تاريخ المقاومة الوطنية الحافل وإسهاماته رفقة اسماء المقاومة المغربية في طرد المستعمر وأيضا بناء مجتمع ديمقراطي من خلال نضاله السياسي، لم تقدم له الاسعافات الطبية وفق المعايير الدولية المتعارف عليها دوليا في المطارات، سواء على المستوى اللوجيستي أو الانساني أو التنسيقي بين مؤسسة المطار وربان الطائرة في مثل هذه الحالات.

*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

7/24/2015

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…