كلما اقترب موعد إيداع ترشيحات المرشحين، للانتخابات الجماعية المقبلة، كلما تضاعفت عمليات بيع وشراء، من طرف أحزاب، لمواطنين منتمين لأحزاب أخرى، أو قد تكون لهم امتدادات اجتماعية، إما لأنهم مسؤولون في جماعات منتخبة أو لهم روابط معينة مع الناخبين.
هذه الممارسات، جديدة نسبيا، في العمليات الانتخابية، التي عرفها المغرب، حيث كان السائد هو شراء أصوات الناخبين مباشرة، غير أنه في التجارب الأخيرة، تطورت عمليات المتاجرة، لتشمل المرشحين أيضا. ولم يبق إغراء المال معروضا على الناخبين، فقط، بل أصبح بعض المرشحين، بدورهم، يعرضون خدماتهم لمن يدفع أكثر.
الأخبار الواردة من مختلف الأقاليم، تفيد بأن هناك أحزابا، كانت تسمى في السابق، «إدارية»، لم تغير منهجية ممارستها للسياسة، والتي كانت ومازالت تلجأ لشراء الأصوات، في إطار ما يسمى ب»الرشوة الانتخابية»، أبدعت حاليا طريقة جديدة، أضافتها إلى عملية إفساد اللعبة الديمقراطية.
تحولت عملية تحضير لوائح المرشحين، في بعض الأحيان، إلى تنافس محموم، مثل ذلك الذي يحصل بين الفرق الرياضية، لشراء لاعبين جدد، والذي يسمى «الميركاطو»، حيث يمكن الآن لكل متتبع لعملية إعداد اللوائح النهائية، للمرشحين، أن يتقفى أثر بعض الأسماء، التي تضع نفسها في سوق «الدلالة»، للحصول على أكبر عرض على المستوى المالي، فهي في هذا الأسبوع تكون قريبة من حزب معين، وفي الأسبوع الموالي تغير الوجهة نحو حزب آخر.
من المؤكد أن هذه الوقائع تشكل صدمة حقيقية، لكل الذين كانوا ينتظرون انتخابات «نظيفة»، بعد دستور 2011، غير أن الواقع كذب هذه الانتظارات، ليجد المتفائلون أنفسهم أمام سوق نخاسة جديد، لا يختلف جذريا، عما كان يعيشه المغرب، في عقود سابقة.
الصورة الجديدة ربما تكون أكثر قتامة، وتتمثل في أن بعض «النخب» المحلية، التي كان من المفترض فيها قيادة البناء الديمقراطي، تضع نفسها في مرتبة الدعارة السياسية، لتشوه بذلك صورة المنتخبين، وتطعن في مصداقية الانتماء الحزبي، وفي نظرية التوجه إلى الناخبين، لإقناعهم بالتصويت على اللائحة أو الاسم، طبقا لبرنامج سياسي وإيديولوجي، ومنهج في التسيير.
وإذا كان دستور 2011، قد أولى للأحزاب السياسية دورا كبيرا، في اللعبة الديمقراطية، ونص على مبادئ تفيد بضرورة تخليق الحياة العامة، فإن ما يحصل الآن، يعود بالمغرب إلى سنوات التزوير الفاضح وخطف صناديق الاقتراع، مع فرق واضح بين الماضي والحاضر، ذلك أن أي طعن في مصداقية المؤسسات التمثيلية، حاليا، يشجع كل البدائل التي تدفع نحو التمرد على كل السلط، بحجة أن اللعبة مغشوشة.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الثلاثاء 28 يوليوز 2015