هناك ثلاث مجالات أساسية ضمن أجندة الأممية الاشتراكية يحقق فيها الاتحاد الاشتراكي حضورا وازنا ويستثمر فيها جهوده القصوى مقدما بشأنها مساهمات قيمة تجعله يحظى داخل هذا المحفل الدولي بتقدير الخصوم قبل الحلفاء. هذه المجالات تخص بالتدريج قضايا السلم والأمن وفض النزاعات (اعتبارا لمركزية قضية الصحراء المغربية وأهمية القضية الفلسطينية) ، ثم السياسة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، تليه إشكالية الهجرات وحقوق المهاجرين
الانخراط القوي للاتحاد الاشتراكي في اذكاء التفكير حول هذه القضايا واقتراح المبادرات السياسية بشأنها يجعله يبدو أمام الجميع كحزب جاد يستميت في الدفاع عن قضيته الوطنية الأولى ومواجهة دعاة الانفصال ضمن ظروف صعبة، لكن دون أن يتردد لحظة واحدة في الاضطلاع بالتزاماته الفكرية والسياسية ازاء القضايا الكبرى التي تشغل بال الانسانية وتستأثر باهتمام المجتمع الدولي .
في هذ السياق تعتبر لجنة الهجرات بالنظر الى راهنيتها القصوى وتشابك رهاناتها الاقتصادية والانسانية والسياسية والثقافية من أهم اللجان الموضوعاتية ضمن الاستراتيجية السياسية والفكرية للأممية الاشتراكية، وهي أيضا تشكل الى جانب لجنة السياسة الاقتصادية واجهتين اساسيتين لإسهام الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد قضايا السلم والأمن وفض النزاعات الدولية، ، وذلك ليس فقط لأن القادة الاتحاديين يستدعون في كل مجالس الأممية الاشتراكية للصعود الى المنصة من أجل تقديم مداخلات رئيسية في هذين الموضوعين، يجسدون من خلالها القيمة المضافة للاتحاد الاشتراكي و مساهمته الجادة في اثراء التفكير الجماعي حول المعضلات الانسانية داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية العالمية.
ولكن أيضا لأن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الوحيد في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط الذي استضاف عدة مرات اجتماعات هاتين اللجنتين في المغرب، لجنة السياسة الاقتصادية بالدارالبيضاء في ماي 2001 وبالرباط في يناير 2012، ولجنة الهجرات بالدار البيضاء في مارس 2006 ، وطنجة في ماي 2014، وبالرباط في يونيو 2015.
كذلك لم يكن من باب الصدفة أن يتولى القيادي الاتحادي حبيب المالكي رئاسة هذه اللجنة بعد المكسيكية أماليا غارسيا ميدينا حاكمة ولاية ثكاتيكاس، ذلك أن التدبير الديمقراطي للتناوب على رئاسة هذه اللجنة جاء معبرا أصدق ما يكون التعبير عن حقيقة ميدانية صارت تستقطب أنظار العام نحو بؤرتين رئيسيتين من بؤرالتوتر في ساحة الهجرة الدولية هي المكسيك والمغرب.
لقد كان اجتماع لجنة الهجرات الذي انعقد بلوس أنجليس يومي 2 و 3 يونيو 2008 تحت اشراف رئيستها أماليا غارسيا ميدينا تتويجا لسلسلة من الحوارات الجهوية التي توزعت ما بين الفلبين واليونان وتركيا ومولدافيا والمغرب والمكسيك.
وكانت مقاربة الأممية الاشتراكية في هذا الاجتماع ترتكز على فكرة رئيسية مفادها ادراج اشكالية الهجرة في سياق العلاقات شمال ? جنوب وما يعتريها من ” صعوبة” ضمان توزيع عادل للثروة على ساكنة الأرض، وحسب تحليل السناتور عن ولاية كاليفورنيا جيل سيدييو، فان الولايات المتحدة تستفيد من يد عاملة رخيصة دون أن تضمن لها حقوق المواطنة، علما بأن ثمانية ملاين من المهاجرين من أمريكا اللاتينية يعيشون في كاليفورنيا التي تعتبر ثامن قوة اقتصادية في العالم وأغنى ولاية في أمريكا حيث يقدم العمال المهاجرون مساهمة مهمة في ازدهارها دون أن يستفيدوا في المقابل من الحقوق الأساسية كالحصول على رخصة سياقة مثلا، أو تمكين أطفالهم من منح لمتابعة دراستهم الجامعية ، ناهيك عن تصاعد نزعات كراهية الأجانب والقوانين المعادية لإدماجهم والحملات الاعلامية المفعمة بالكراهية والعنصرية التي تشنها الأوساط العنصرية.
وبالرغم من بناء جدار عازل على امتداد الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، فان عدد الوفيات تضاعف في وسط الأشخاص الذين يحاولون عبور المناطق الصحراوية.
من قلب أمريكا وجهت الأممية الاشتراكية الدعوة الى السلطات الأمريكية من أجل اقرار اصلاح عاجل شامل وعادل بخصوص الهجرة، ضمانا لاحترام حقوق العمال سواء كانوا حاملين أو غير حاملين لأوراق الهوية، وذلك تفاديا للخلط بين المهاجرين والإرهابيين والسماح بحق التجمع العائلي.
في نفس السياق أكد زعماء الأحزاب الاشتراكية للبلدان المعنية في تدخلاتهم على ضرورة ابرام اتفاق بين حكومات دول أمريكا الوسطى والمكسيك من أجل ضمان حقوق الأشخاص والعمال خلال عبورهم للتراب المكسيكي، كما دعوا الى الشروع في مفاوضات مع الحكومة الأمريكية حول استراتيجية اصلاحية للترسانة القانونية بخصوص ملايين الأشخاص الوافدين من بلدان أمريكا الوسطى والذين يشتغلون في الاقتصاد الامريكي وتشكل عائداتهم نحو بلدانهم حوالي 20 % من ناتجها الداخلي الخام
وتناول الاجتماع أيضا معضلة الهجرة غير القانونية عبر مناطق أخرى في العالم ، حيث انكب على تحليل مظاهر التدفق الهجرتي من افريقيا نحو أوروبا، وتحول المغرب من بلد مصدر للهجرة الى بلد للعبور والاستقبال بالنسبة للمهاجرين الوافدين من بلدان جنوب الصحراء.
واذا كان من الضروري مقاربة اشكالية الهجرة في مختلف بقاع العالم على أساس العمل المتعدد الأطراف والتعاون الدولي في تدبير الحدود، فان الأممية الاشتراكية في اجتماع فلوريدا دعت الى فتح حوار دولي حول الهجرة اللاشرعية يأخذ في الاعتبار مستلزمات الأمن والتنمية واحترام حقوق المهاجرين والتركيز على حماية النساء والأطفال
أما اجتماع مجلس الأممية الاشتراكية ما قبل الأخير بمكسيكو في بداية يونيو من السنة الماضية فقد كان مناسبة للتعبيرمن جديد عن قلق المنظمة ازاء المأساة الانسانية التي تشكلها الهجرة المكثفة لأطفال أمريكا الوسطى والمكسيك نحو الولايات المتحدة الأمريكية ، معتبرة أن الأسباب الرئيسية لهذه الهجرة تكمن في الفقر والاقصاء الاجتماعي والتهميش والى انعدام الفرص والتطلع المشروع الى التجميع العائلي، كما عبرت المنظمة بالنسبة لهذه المنطقة من العالم عن انشغالها بمعاناة آلاف الأطفال الموقوفين بعد محاولة عبورهم للحدود وطالبت دول المصدر والاستقبال بالتوصل الى حل لهذا المشكل في نطاق احترام سلامة الأطفال المهاجرين وحقوقهم طبقا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وموازاة مع ذلك طالبت الأمم المتحدة باتخاذ موقف صارم في هذا الموضوع واعتماد الاجراءات الضرورية لحل المشكل في أقرب الآجال.
كان واضحا أن خلافة الحبيب لأماليا هو بمثابة تحويل لبؤرة اهتمام الأممية الاشتراكية من مضيق فلوريدا الى مضيق جبل طارق في أفق استكمال رؤية الحركة الاشتراكية الديمقراطية العالمية وانضاج مقاربتها حول اشكالية الهجرة على الصعيد العالمي، ولم يكن من باب الصدفة أن يأتي هذا التحويل في ظرفية متميزة كان عنوانها الأساسي خلال السنة الجارية هو حوالي 1700 مهاجر افريقي يلقون حتفهم في عرض البحر المتوسط أثتاء محولات العبور غير القانوني الى القارة الأوربية مما يجعل هذا المتوسط بحرا فاصلا بين أغنى القارات وأفقرها ومعبرا من أخطر معابر الهجرة السرية في العالم .
لا يخفى على أحد في أوساط القوى الاشتراكية العالمية أن تولي رئاسة لجنة الهجرات من لدن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أعطى نفسا جديدا لهذه اللجنة وطبع أجندتها بدينامية مشهودة تمثلت في عقد اجتماعين عاديين في السنة الماضية بطنجة في شهر ماي وبكتانيا (ايطاليا) في شهر نوفمبر، اضافة الى اجتماع استثنائي دعا اليه حبيب المالكي رئيس اللجنة وانعقد بالرباط في بداية يونيو المنصرم
كان هذا الاجتماع الاستثنائي الذي احتضنه مقر البرلمان المغرب وتم تنظيمه بشراكة مع الفريق الاشتراكي بمجلس النواب فرصة لتقديم تشريح عميق وموضوعي لإشكالية الهجرة ومناسبة لتقديم مقاربة شمولية لتحديد كل جوانبها ورهاناتها المتعلقة بالاندماج والهوية والمواطنة والعنصرية ، وكذلك مناسبة لدق ناقوس الخطر حول مآسي الهجرة السرية في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي عدد من بلدان جنوب شرق آسيا حيث أشار حبيب المالكي، الذي ترأس أشغال هذا الاجتماع إلى جانب الأمين العام للأممية الاشتراكية، لويس أيالا، إلى أن البحر الأبيض المتوسط تحول في غضون هذه السنة إلى مقبرة جماعية بغرق أزيد من الفي شخص، وموت 400 مرشح للهجرة السرية في الشهر بمعدل قتيل كل ساعتين
اجتماع الرباط الاستثنائي خلص الى وضع مشروع ميثاق أممي ضم الخطوط العريضة لخطة عمل الأممية الاشتراكية في ما يتعلق بملف الهجرات حول العالم مبنية على تشريح لحقيقة الوضع الهجرتي ومعززة بمعطيات آنية وتحاليل استثمرت خلاصات الاجتماعين السابقين اللذين شدد فيهما المشاركون على ضرورة اعمال مبادئ الأممية الاشتراكية في تناول اشكالية الهجرة وحقوق المهاجرين
وتتويجا لهذه الجهود الاستثنائية التي بذلتها لجنة الهجرات من أجل تحيين رؤية الأممية الاشتراكية لإشكالية الهجرة وتفعيل قوتها الاقتراحية بهذا الخصوص، أدرجت المنظمة في جدول أعمال مجلسها الدولي المنعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك أواخر الأسبوع الأول من يوليوز الجاري نقطة محورية تخص تقديم مشروع الميثاق حول حقوق المهاجرين .
وكان رئيس اللجنة حبيب المالكي قد هيأ قبل ذلك الصيغة النهائية لوثيقة الميثاق ووضع لمساتها الأخيرة بالتنسيق مع الأمانة العامة للمنظمة وقيادات الأحزاب الممثلة في اللجنة.
في تقديمه للميثاق أمام الجلسة العمومية لمجلس الأممية الاشتراكية ذكر المالكي بدواعي وسياق اعداد هذا الميثاق وفسر المضامين الأساسية في ديباجته موضحا أن الهجرة واللجوء يرتبطان في معظم الحالات بالحاجة الى الافلات من مخالب الفقر والهروب من النزاعات المسلحة ومواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية ، وأنها في كل السياقات يتعين أن تقترن لدى الأشخاص بالكرامة المتأصلة فيهم وأن تندرج في صميم حقوقهم الانسانية وحرياتهم الأساسية .
ومما لفت الانتباه في المداخلة التقديمية لرئيس اللجنة هو تجاوز خطاب المبادئ الفضفاضة نحو التزامات صريحة تسائل الأحزاب الاشتراكية في المواقع الحكومية، مشددا على ضرورة أن تفي هذه الأحزاب المنتمية للأممية الاشتراكية بالتزاماتها ازاء الممارسات التمييزية والعنصرية والمرجعيات القانونية الوطنية المعادية للمهاجرين ، داعيا هذه الأحزاب الى الانخراط في الميثاق وتفعيل مضامينه من أجل رفع الظلم والقهر عن المهاجرين وطالبي اللجوء وتأمين حقوقهم الأساسية ضمن مقاربة انسانية تضامنية ومندمجة.
في هذا السياق أوضح حبيب المالكي أن الميثاق المطروح على أنظار مجلس الأممية الاشتراكية يلزم كافة التقدميين في العالم ليس فقط بتعزيز حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين على أساس القيم الكونية والكرامة الانسانية ومبادئ الديمقراطية ودولة الحق والقانون، ولكن أيضا بتحسيس الرأي العام الدولي بضرورة التحرك قبل فوات الأوان وقبل ازهاق مزيد من الأرواح.
ومعلوم أن الميثاق الذي قدمه رئيس لجنة الهجرات القيادي الاتحادي حبيب المالكي و صادق عليه مجلس الأممية الاشتراكية بالإجماع ، يرتكز على جملة من المبادئ ذات الصلة والمعلنة في المنظومة الدولية لحقوق الانسان مثل اعلان حقوق الانسان والمواطن (1789) وميثاق الأمم المتحدة(1946) والاعلان العالمي لحقوق الانسان(1948) والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وافراد عائلاتهم(1990) والاتفاقية الدولية لحقوق المهاجرين(2003).
الميثاق اعتبر أن التمتع بكافة هذه الحقوق يستلزم تدقيق المسؤوليات والواجبات سواء ازاء الآخرين أو ازاء المجموعة الدولية والأجيال الناشئة، وجاء متتضمنا 36 مادة استعرضت مختلف حقوق المهاجرين المتمثلة في الحق في الحياة والكرامة واللجوء والاندماج والمواطنة والتنوع الثقافي واللغوي وحرية التنقل والامن والتعبير والتجمع والعمل والتربية، والتكوين المهني والعمل اللائق، والصحة والعطلة، و العدالة وقرينة البراءة، والحماية من التعسف والتمييز والطرد والاستغلال.
عن الاتحاد الاشتراكي