يقول المقال:
»سيتم انعقاد المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالضبط بعد سنتين من إقالة حكومة عبد الله إبراهيم وقيام التجربة الفردية المباشرة، وستكون فرصة يتباحث فيها المؤتمرون في نتائج السياسة التي سار عليها الحكم الفردي خلال هذه الفترة. وإذا كان المؤتمر لم ينعقد بعد وإذا كانت نتائج مناقشاته بالتالي لم تخرج بعد إلى حيز الوجود, فإنه يمكن منذ الآن استخلاص الملاحظات التالية:
1 عندما غادر السيد عبد الرحيم بوعبيد وزارة الاقتصاد الوطني منذ سنتين, ترك للمغرب دينا على فرنسا قدره 50 مليارا من الفرنكات ومدخرا من العملة الصعبة يبلغ 120 مليون دولار. أما الآن فإن ثغرة من عشرات المليارات قد اضطرت الحكومة المغربية إلى الاستنجاد بالخزينة الفرنسية.
2 كانت أراضي الاستعمار علي وشك أن ترجع إلى أصحابها الشرعيين إبان حكومة عبد الله إبراهيم. أما الآن فلا تزال هذه المشكلة معلقة الآن، بل لقد فتحت في شأنها مناقشات يحاول الفرنسيون بواسطتها أن يحصلوا على بعض الضمانات.
3 إن التدابير المالية الجريئة التي اتخذتها حكومة عبد الله إبراهيم والتي بدأت تعطي للمغرب كيانا ماليا مستقلا وتفصله عن منطقة الفرنك للاحتفاظ بعملته حتى استطلاع التوفير وبعث التصنيع، كل ذلك قد دخلت عليه »تمرينات« كادت تفرغ تلك التدابير كلها من محتواها الحقيقي.
4- وفيما يتعلق بالقضية الموريتانية, فإن مسطرة تقرير المصير، التي كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ينادي بها والتي شنت عليها آنذاك حملة شعواء وعوضت بعد ذلك بسياسة أخرى ظهر فشلها واضحا، إن تلك المسطرة يحاول البعض اليوم الرجوع إليها كما يفهم من تصريحات بعض المسؤولين في نظام الحكم الفردي مثل تصريحات الوزير علال الفاسي لجريدة» »إفريقية الفتية««.
3 توقيف المقالات يتزامن
مع عودة المهدي
هنا توقف المقال، ويبدو واضحا من السياق أن رقم 5 وما بعده كان سيتناول نضالات الاتحاد بما في ذلك إضرابات العمال والموظفين ثم مشكل التنظيم في أفق النقد الذاتي الذي تكرر أكثر من مرة, كما لا شك أن القارئ قد لاحظ ذلك أعلاه.
أوقفنا مقالاتي إذن وبدأنا يوم 13 ماي 1963 في نشر المقالات التي كانت ترد إلينا من »»الكتابة العامة«« بدون توقيع، وقد عرفنا أنها كانت من الأستاذ عبد الله إبراهيم أو من إملائه، وكان قد انتهى من كتابة التقرير المذهبي الذي تقدم به للمؤتمر. والمقالات المشار إليها كانت بعنوان »»على أبواب المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية««، وكانت المقالة الأولى بعنوان «»الملابسات الداخلية والعربية التي يعقد فيها المؤتمر»« وقد استعاد بعض ما ورد في المقالة الأولى من السلسلة التي نشرتها مع عبارات ماركسية المضمون. وكانت المقالة الثانية بعنوان» »المد الاستعماري في إفريقيا ومسؤوليات الاتحاد» و»فيها إبراز لدور الاتحاد المغربي للشغل والمحجوب بصفة خاصة في الحركة النقابية الإفريقية مع تجاهل تام لتحركات الشهيد المهدي في إطار منظمة التضامن الافريقي الآسيوي وغيرها. أما المقالة الثالثة فكانت بعنوان »الاتحاد ليس معارضة، المعارضة الحقيقية هي الحكم الفردي«، وهذا العنوان لا يدرك معناه إلا من يسترجع عهد حكومة عبد الله إبراهيم حين كانت المعارضة التي و اجهتها هذه الحكومة جزء من الدولة. والمقالة الرابعة كانت بعنوان »»ذكرى مرور سنتين على إقالة حكومة عبد الله إبراهيم«. والمقال الخامس بعنوان «الاستعمار الجديد ينهج ضد الشعب نفس أساليب الاستعمار القديم» أما المقالة السادسة والأخيرة بعنوان» »القاهرة، طرابلس الغرب، والبيضاء ثلاث مؤتمرات تقدمية عربية إفريقية»«. استعادت مرة أخرى نفس مضمون المقالة الأولى من السلسلة التي كتبتها مع التركيز على افريقيا للسبب السابق الذكر.
وهذا الحجز الذي تعرضت له المقالات التي كتبتها، والتعويض الذي عوضت به، يكتسي معنى خاصا إذا لاحظنا أنه في نفس العدد من التحرير (62/5/13) – الذي نشر فيه المقال الثالث من مقالاتي الذي صدر جزء منه فقط، نشرنا مقالا إخباريا بعنوان: »الأستاذ المهدي بنبركة يصل إلى مطار سلا صباح يوم العيد«، وقد وصل فصلا (62/5/15) واستقبلته جماهير غفيرة. وكان المهدي في منفى اختياري طويل كما ذكرنا قبل. كان في استقبال الشهيد أعضاء الكتابة العامة، عبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري وعبد الله إبراهيم، ورئيس المجلس البلدي ورؤساء الغرف التجارية في كل من الرباط والقنيطرة ومكناس، وأعضاء من الجماعات القروية بالناحية وجمهور غفير رافقته الى منزله بالرباط, حيث رابطت جماهير من الاتحاديين حتى ساعة متأخرة من الليل.
4 المؤتمر الثاني: نجاح
في المظهر وفشل في المخبر!
كان دخول الشهيد بقصد المشاركة في المؤتمر الذي انعقد فعلا في موعده يوم 25 ماي 1962 في المعرض الدولي بالدار البيضاء. وفي اليوم التالي صدرت »»التحرير»« مزينة بصورة جلسة الافتتاح: الرئاسة للمحجوب بن الصديق وعن يساره المهدي بن بركة ثم عبد الرحمن اليوسفي ثم التهامي عمار، وعن يمينه عبد الله ابراهيم ثم عبد الرحيم بوعبيد ثم محمد البصري (أعضاء الكتابة العامة) ثم المعطي بوعبيد (بصفته رئيس المجلس البلدي للدار البيضاء ثم محمد منصور بصفته رئيس غرفتها التجارية والصناعية لنفس المدينة)، ويتوسط الجميع شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، ضيف الشرف.
بعد كلمات الافتتاح (كلمة شيخ الإسلام وكلمتي الترحيب لرئيس المجلس البلدي ورئيس الغرفة التجارية والصناعية) وتقديم الوفود الخ، عرض جودل الأعمال على المؤتمرين كما يلي: تلاوة التقرير المذهبي، ولم يكن قد وزع على المؤتمرين (ولم يره أحد سوى نحن المكلفين بطبعه في سرية تامة). كان الجميع إذن ينتظر سماع هذا التقرير، وكان خبر حجب تقرير المهدي قد شاع وسط كثير من الأطر. تولى الأستاذ عبد الله ابراهيم قراءة هذا التقرير تلاوة، واستغرق ذلك وقتا طويلا مما جعل رد فعل القاعة لا يخلو من مظاهر الملل. خصوصا وقد كان التقرير خاليا تماما مما يحرك السواكن.
ولكي أتخلص من مشكل اختيار العناوين من نص طويل كنص هذا التقرير طلب من الأستاذ عبد الله ابراهيم أثناء فترة الاستراحة أن يقترح علي عناوين للتقرير تلخص الأفكار العامة الواردة فيه، وكان عدد يوم الغد من الجريدة مخصصا كله للمؤتمر، فاقترح العناوين الثلاثة التالية، هي التي صدرت بها التحرير صفحتها الأولى» »المغرب العربي وطن واحد«« وهو يلخص مضمون ما ورد في التقرير حول وحدة المغرب العربي «الطريق منذ الآن فصاعدا. واضحة معبدة أمام الجميع»، والثالث: »»فما على خصومنا إلا أن يستخلصوا اليوم عبر التاريخ، ونحن ندعوهم بإخلاص الي التفكير» وتحت هذه العناوين علي الجهة اليمنى تقرير صحفي يلخص الكلمة التوجيهية لشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، تحت عنوان: »سيدنا هو خالقنا، ولا عبودية علينا لأي مخلوق كيفما كان». وبجانبها صورة افتتاح المؤتمر .
بعد الكلمات الافتتاحية تم تعيين لجنة فحص بطائق العضوية، ولكن هذه اللجنة لم تتمكن من القيام بمهمتها لكون الجهاز النقابي قد أغرق المؤتمر بحافلات مملوءة عمالا, فاختلط الحابل بالنابل وصار المؤتمر بالمهرجان أشبه. تابع المؤتمر جلساته العلنية فشرع في مناقشة التقرير المذهبي مناقشة عامة، ثم عينت لجنة خاصة باسم »لجنة مناقشة التقرير المذهبي» وكانت مهمتها تقديم تقرير عنه» وقد تقدم عدد كبير بطلب تسجيل اسمه في هذه اللجنة، غير أن المسطرة التي اتبعت جعلت العضوية فيها على أساس تمثيلي، حسب الأقاليم ولكن أيضا حسب الانتماء، إما الى الاتحاد المغربي للشغل وإما إلى التنظيم الحزبي أو الطلابي أو رجال المقاومة، فتكونت اللجنة من السادة: التهامي الأزموري عن إقليم الرباط، عبد الواحد الراضي عن الرباط، عمر بنجلون عن أقاليم الدار البيضاء، عبد اللطيف بن القاضي عن الرباط، اليازغي عن فرع الاتحاد بباريس، محمد منصور عن الدار البيضاء، الهاشمي بناني عن الرباط، الحسين أحجبي الدار البيضاء، المكي زكاغ الرباط، عبد الرحمان القاردي الرباط، عبد الحق العلمي الدار البيضاء، محمد الفاروقي الطلاب، عبد الحي العراقي البيضاء، عبد الفتاح سباطة الرباط، أحمد بوزيد الدار البيضاء، محمد العمراني تطوان عبد الكريم بنسليمان الرباط، محمد الحبيب الفرقاني أكادير، العربي شنتوف طنجة، إبراهيم النظيفي الرباط، محمد الطاهري الدار البيضاء، الهادي بلقاضي مراكش، الطغرائي إدريس مراكش. انتخبت اللجنة محمد منصور رئيسا والمحجوب بن الصديق مقررا عاما، وقد سميت باللجنة الأولى، وكانت مناقشة التقرير المذهبي حادة سواء في الجلسة العامة أو في اللجنة الأولى، وقد أخذ عليه كثير من المتدخلين »طابعه العام والأدبي« و»»خلوه من أي تحليل سياسي أو إيديولوجي واضح««.
في الجلسة الصباحية لليوم الثاني أسندت رئاسة المؤتمر لعبد الرحمن اليوسفي، وقد تولى عبد الرحيم بوعبيد تقديم »تقرير النشاط الحزبي« أو التقرير السياسي – الذي أعده الأخ عبد الرحمان اليوسفي وكاتب هذه السطور. وبما أن هذا التقرير كان قد وزع على المؤتمرين قبل انعقاد المؤتمر بوقت كاف، فقد حرص المرحوم عبد الرحيم على تجنب التكرار فلم يعمد الى تلاوته بل ألقى عرضا عاما رأى فيه كثيرون نوعا من البديل لما كان يجب أن يكون عليه التقرير المذهبي. وقد لقي عرض المرحوم عبد الرحيم ورده على تدخلات المناقشين في الجلسة العامة تجاوبا كبيرا وحارا من طرف المؤتمرين. لأنه تناول بصراحة ووضوح قضية الديمقراطية والطابع المطلق للحكم في المغرب وقضية الاشتراكية الخ. وقد تكونت لجنة لمناقشة التقرير السياسي وسميت باللجنة الثانية. وعند تدخل المرحوم عبد الرحيم للإجابة على استفسارات المتدخلين ركز على المحاور التالية: وضع الحركة النسوية في نضال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. مسألة التنظيم، مسألة الدستور، قضية موريطانيا. وكان مما قاله بخصوص قضية موريطانيا: »إن الشعب الموريطاني يريد أن يكون مع المغرب و لكن لا يمكنه أن يحقق ذلك إلا إذا تغيرت النظم وتبدلت الأفكار التي تصور بها موريطانيا كمنطقة للإقطاع أفلتت من ملاكيها الذين يريدون استرداد عبيدهم فيها«.
أما الجلسة المسائية لليوم الثاني للمؤتمر، التي كانت برئاسة الأخ محمد البصري، فقد خصصت للاستماع الى تقارير اللجان. فقدم الشهيد المهدي نتائج أعمال اللجنة الثالثة التي كانت مكلفة بمناقشة التقرير التنظيمي. وقد تناول الشهيد المهدي مسألة التنظيم بشيء من الإسهاب، في نفس الاتجاه الذي ورد في تقريره الى الكتابة العامة. وسنحلل نص تدخل الشهيد في هذه الجلسة في الكتاب القادم. كما عرض عبد الرحيم نتائج مناقشات اللجنة الثانية، بينما تقدم المحجوب بن الصديق بنتائج مناقشات اللجنة الأولى. ثم قدم الشهيد المهدي لائحة أعضاء الهيآت الحزبية المسؤولة، وقد جاءت مناصفة بين الجهاز النقابي والمناضلين الاتحاديين، كما يلي:
الكتابة العامة: محمد البصري، عبد الله ابراهيم، المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، المحجوب بن الصديق، عبد الرحمان اليوسفي، المعطي بوعبيد، التهامي عمار، محمد عبد الرزاق، محمد منصور. أما اللجنة الإدارية الوطنية فقد ضمت إضافة الى أعضاء الكتابة العامة السابق ذكرهم، السادة الآتية أسماوهم: الحسين أحجبي، المهدي العلوي، عبد القادر أواب، عمر بنجلون، الهاشمي بناني، محمد الحبيب الغيغائي الفرقاني، عبد الله الوزاني، محمد المكناسي، محمد بنسعيد، أحمد الرحيم، محمد الطاهري، الدكتور بلمختار، العلمي الجراوي، المختار الحاج ناصر، ناصر بلعربي، عمر المسفيوي، ادريس المذكوري، محمد الفشتالي. وقد أثار تركيب اللجنة الإدارية الوطنية استياء عاما في صفوف الأطر الحزبية وكانت النتيجة أن تجمدت هذه الهيأة المقررة في الحزب فبقيت شبه عاطلة خصوصا والعناصر التي تم تعيينها من الطرفين هي العناصر التي كانت منخرطة في الصراع بين الجانبين. وهكذا، فليس مصادفة أن تأتي أسماء هذه اللجنة مرتبة ترتيبا يفضح الصراع الذي جرى عند تشكيلها ففي مقابل كل عضو نقابي مماثل.
ولتغطية هذا التمثيل الذي يعكس الصراع مع الجهاز النقابي أنشئ جهازان آخران, الأول باسم اللجنة المركزية التي تتألف من »اللجنة الإدارية الوطنية »وممثلين تعينهم التنظيمات الإقليمية على أساس ممثل لكل إقليم ما عدا الدار البيضاء التي خصت بثلاثة والرباط باثنين. أما الجهاز الثاني فهو »المجلس الوطني« الذي قيل عنه إنه »برلمان الاتحاد« ويتألف من أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية بما في ذلك ممثلي الأقاليم, إضافة إلى الأعضاء الاتية أسماؤهم: الدكتور عبد اللطيف بنجلون، الدكتور المهدي بنعبود، مصطفى بلعربي العلوي، الغالي العراقي، عبد الله الصنهاجي، عباس القباج، محمد التيباري، محمد البركة، القايد العربي، محمد الحبابي، محمد بنسعيد، بنسعيد اليحياوي، علي بوعيدة، حميد السبتي، عبد الكريم سليمان، محمد الفاروقي، محمد باهي، عابد الجابري، الدكتور الشامي، المهدي السليماني، محمد بويبة، محمد الطاهري، محمد التوزاني، محمد ديديشو، عبد الحق بن ابراهيم، محمد العراقي، مولاي عبد الرحمان العلوي، محمد بن قليلو، الحاج السعيدي، محمد أولحاج، محمد التبر، عبد القادر الصحراوي، محمد اليازغي، عمر ابراهيمو عبد الحق عليوة,عبد الفتاح سباطة,بوشعيب الدكالي,ابراهيم التروست، عبد النبي التاجموعتي، عمر بنونة، أحمد بوزيد، أحمد الإبريزي، عبد الحق العلمي، أحمد شاكر، المكي عركاف، حسن الزموري، محمد باروع، عبد الواحد الراضي، عبد الصمد الكنفاني، التهامي عمور، إدريس الصناعي، مصطفى موفق، الصديق الغراس، محمد حركات، بوشعيب الريفي، نجوم، محمد كتان، إدريس الشرغوشني، عبد الرحمان القادري، احمد الشرقاوي، محمد زنيبر، مروان، محمد بلفقيه، الحاج موسى، سعيد، آمنة عمو،ر، خديجة المذكوري، زهور الورياشي، حفيظة بوعنان، عبد الله البقالي، عبد اللطيف بلقاضي، البشير الفكيكي، ابراهيم الباعمراني، يلي ذلك لجنة مراقبة الحسابات: حسن صفي الدين، مصطفى شمس الدين، عبد الله باعقيل. ثم لجنة التحكيم: التهامي نعمان، السهيلي، البوحميدي.
وواضح أن هذه الهيأة الفضفاضة تخضع هي الأخرى لنفس مقاييس »التوازن« بين العناصر الحزبية والعناصر النقابية مع وجود شخصيات تقع خارج العلاقة بين الحزب والنقابة وبالتالي غير منخرطة في الصراع.
أما القرارات التي خرج بها المؤتمر فلم تكن تتجاوز القرارات السابقة في شيء، بل لقد خفف من مضمونها الصياغة »الأدبية« والعبارات العامة التي طغت فيها. ف «القرار المذهبي» يلخص »التقرير المذهبي« باستعادة فقرات منه، كالتصريح ب «»نبذ الاختيار الرأسمالي«« والتأكيد على »أن اشتراكية وسائل الانتاج التي هي وحدها التي تسمح بالتحرر من التبعية ومن »التخلف والاقتصار على التأكيد، بخصوص مسألة الدستور والديموقراطية، على أن: »معركة الديموقراطية واستلام السلطة من طرف الشعب تفرضان موضوعيا نفسيهما كعمل ضروري مستعجل التحقيق». ويكتفي «القرار السياسي» بالتذكير بقرار المجلس الوطني يوم 14 أبريل 1960 الذي «أكد بقوة ضرورة انتخابات عامة لإقامة مجلس تأسيسي«، ليعلن أنه» لا سبيل من الخروج من المأزق الذي زج فيه الحكم الملكي المطلق إلا بإقامة حكومة تتمتع بثقة الجماهير الشعبية تسهر على تنظيم انتخابات حرة لمجلس تأسيسي يضع الدستور الذي ينظم الحكم ويلبي مطامح الشعب في الديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».
باختصار يمكن القول إن المؤتمر كان ناجحا إذا نظرنا إليه من الخارج خصوصا و قد حضرته وفود عربية وأجنبية ذات وزن. أما إذا نظرنا إليه على ضوء المشاكل التنظيمية والقرارات التي كان يجب اتخاذها في تلك الظرفية السياسية فقد كان بعيدا جدا عن تحقيق أهدافه. لقد كان مناسبة تفاقم فيها الصراع مع الجهاز النقابي فظهر للعلن. وقد اكتسى الصراع في بعض الأحيان صورة خصام مباشر بين بعض الأفراد. وإذا تركنا جانبا ما كان يجري في الاجتماعات »السرية« للقيادة, فإن مظاهر الصراع قد عبرت عن نفسها بصورة علنية في غير ما مناسبة. أذكر أني كنت جالسا في إحدى الجلسات العامة في المنصة بين المحجوب بن الصديق والمهدي العلوي، وقد اشتعل النزاع بينهما إلى درجة التماسك بالأيدي, مما أثار انتباه »الجيران« في المنصة، ولولا أني تمكنت من جر المحجوب بعيدا وفي صمت لكانت فضيحة كبرى أمام المؤتمرين والوفود.
لقد انعكس هذا الفشل في كون جريدة «»التحرير»« لم تول اهتماما لنتائج المؤتمر, فلم تكن هناك لا افتتاحيات ولا ركن صباح النور ولا مقالات تحليلية حول نتائج المؤتمر, بل انصرفت الجريدة إلى تتبع تطور القضية الجزائرية والأخبار الدولية. والمرة الوحيدة التي تناولت فيها شأنا من شوؤن المؤتمر كان في »ركن «صباح النور»»« وكان موضوعه استنكار ما تعرضت له الوفود الأجنبية من مضايقات وتتبعات من طرف البوليس. وبعد أسابيع توصلنا بمقالات بعنوان «»المذهب لماذا؟«« وأخرى حول» »الإصلاح الزراعي»» وقد جاءتنا من الجهة المرتبطة بالاتحاد المغربي للشغل.
المؤتمر الثاني… مؤتمر الأزمة!
عابد الجابرينشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 – 12 – 2012