استطاع المغرب أن يحقق لنفسه قوة اقتراحية كبيرة في مجال التدبير الديني في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلدان الإسلامية. وقد جاء إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ليكرس هذا الإنجاز ويعطيه بنية مادية دالة عليه، في الزمان وفي المكان.
ومن حسن الصدف أن ذلك يتزامن مع مكسب أمني ومجتمعي قوي، يشهد عليه العجز المستمرة دلائله في اختراق البلاد، وخلق بؤر تنظيمات الإرهاب الجديدة، المتعارف على تسميتها بتنظيم داعش، في بلادنا.
ففي الوقت الذي عجزت فيه خلايا تنظيم دولة العراق والشام الجديدة في إعداد بنيات استقبال ميدانية وحركية قادرة على الفعل، يقدم المغرب تجربته الرائدة في بناء التحصين العقائدي والرمزي القادر على مواجهة مخاطر هذا التوجه المتطرف في عموم القارة الإفريقية.
وإذا كان المغرب يستند في تجربته هاته إلى المعطى التاريخي، كقوة إغراء ثبتت جديتها وصدقيتها عبر القرون، فإن حقيقة جديدة تقف اليوم وراء القوة الاقتراحية المغربية في هذا الميدان.. وهذه الحقيقة هي قدرة البلاد على تقديم الاجتهاد، وما يستتبعه من تجديد ديني كحل مستمر في القضايا الشائكة، ولا سيما تلك التي تشكل القاعدة الفكرية والعقائدية للمتطرفين ودعاوى الجاهلية الجديدة.
ومنها قضايا المرأة، والعلاقات البينية والفضاء العمومي.. الخ والتي تشكل بؤرة تركيز للخطاب الأصولي المتطرف وعنصر تجييش ومادة دسمة للتعبئة والتنظيم الإجرامي..
وعلى عكس التوجه الذي تسعى فيه القوى الأصولية العالمية إلى تقديم تقوقعها وانغلاقها واستفرادها بالحقل العمكومي، كجواب على الإرهاب وكحل لدخول المسلمين عصر الإنتاج العقلي والممارسة الديموقراطية، فإن الذي يثبته المغرب، باعتدال وبتوازن وتدرج، هو أن الحل يكمن في الاستعمال المنتج للعقل وفتح أبواب الاجتهاد والتوجه نحو القيم الإنسانية الكبرى لإسلام الأنوار، وبناء تراث رمزي ومادي جديد قائم على العقلانية وحقوق الإنسان والتسامح والتعايش الإنساني الواسع.
إن المغامرة المغربية في الحقل الديني الإفريقي، بهذا المعنى جزء من مغامرة الانفتاح والعقل، والتعايش والاجتهاد، وجزء من قدرة العقل الديني المغربي على التفاعل الدينامي مع مستجدات العالم المعاصر، بعيدا عن العرض القاتم الذي تقدمه قوى الظلام، في السياسة والمجتمع والفكر الديني على حد سواء.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 16 يوليوز 2015