بعد طول ترقب و انتظار و “تشاور”. .أماطت وزارة الداخلية اللثام عن مشروع توزيع مقاعد مجالس المدن على المقاطعات، و مقاعد مجالس الجهات على الأقاليم و العمالات و عمالات المقاطعات. .
المعيار الوحيد الذي تم اعتماده ،هو عدد السكان القانونيين بكل مقاطعة أو إقليم أو عمالة .
يبدو أن هذا المعيار بشكل مجرد، موضوعيا، و محايدا. ..و لكنه جاف، بالنظر لما أفضى إليه من توزيع، سيخلف ، لامحالة تبعات و آثار لن تكون أبدأ جانبية، لأنها ستمس بالسلب كنه ما نصبو إليه من أول استحقاقات تجريها البلاد في ظل الدستور الجديد، و شعار الجهوية المتقدمة يملأ الفضاء العام، و شعارات تجويد المؤسسات المحلية ،اختصاصات و موارد ، يرددها الجميع، و مبدأ التكامل بين الجهات و داخلها، و بين المدن و داخلها يتقاسمه الكل .
لا يحتاج المتتبع لكثير خبرة كي يلاحظ أن التوزيع المعروض. .كان مجحفا في حق مقاطعات و أقاليم عديدة، و حاد بعيدا عن مبدأ التكامل و التضامن، و أقصى قطاعات واسعة من تمثيلية حقيقية (الأحياء المدينية ذات الكثافة السكانية الضعيفة “و هي التي تعرف بساكنتها ذات المستوى الاجتماعي المتوسط أو الراقي”..و الأقاليم القروية ذات نفس الكثافة الضعيفة. .
نفس التوزيع إياه، المعتمد على معطى السكان فقط، أجحف كذلك في حق معظم المدن العتيقة ،التي عرفت لظروف موضوعية، هجرات متعددة منها و إليها ،و أفضى إلى تقلص حجم ساكنيها، ،غافلا عن أدوار أخرى حضارية و اقتصادية و روحية و ثقافية لهذه المدن العتيقة. ..كان من اللازم وضعها في الحسبان و القائمين على التوزيع يفكرون في سبل تمثيل هذه البؤر الحضارية. .
و بطبيعة الحال، ،فقد أفضى التوزيع بحسب السكان، إلى لاتوازن صارخ بين تمثيلية المقاطعات داخل مجلس المدينة، و كذا بين تمثيلية الأقاليم و العمالات داخل مجلس الجهة. .و السبب أن معيار السكان وحده ، قد خلف ديكتاتورية الديمغرافية. ..التي جعلت مقاطعات و اقاليم (لم تختر أن تكون كثافتها السكانية على ما هي عليه)تمثل تمثيلا رمزيا. ..و الحالة انه لو اعتمدت معايير ،موضوعية هي الأخرى، لكان التوزيع متوازنا إلى حد ما .
لسنا ندري ما الذي جعل مهندسي التوزيع، بعد أن اطلعوا على حقيقة اللاتوازن الديمغرافي القائم، لا يلجأون إلى معايير إضافية بإمكان اعتمادها ردم الهوة. (الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و البيئية و الحضارية ،طبيعة الفئات الاجتماعية، متطلبات التكامل البين مقاطعاتي داخل المدن، و البين إقليمي داخل الجهات …)..
لعل أولى مخلفات التوزيع المقترح، ،سيكون نفسيا لدى العديد من النخب التي بدأ ينتابها شعور عارم بالغبن. ..و أما المخلفات ذات الطابع السياسي ،فنكتفي بالإشارة منها إلى، احتمال عدم تحمس نخب كثير أقاليم و مقاطعات لهذا التوزيع مادامت تمثيليتها رمزية، و تأثيرها في القرار و وضع السياسات العمومية، المحلية و الجهوية، سيكون بحجم تمثيليتها الهزيلة ،و إمكانية اندماجها ستظل ضعيفة. .
للتدليل على ما سلف، نعرض بعض النماذج الصارخة لتفاوتات مهولة على صعيد التمثيل ::
فبمدينة طنجة مثلا، هناك مقاطعة السواني ب 8 مقاعد، فيما مقاطعة بني مكادة ستمثل ب31 عضوا بمجلس المدينة. و في مدينة الرباط، ستمثل مقاطعة السويسي بعضو واحد 1، فيما ستمثل مقاطعة يعقوب المنصور ب26 عضوا، و مقاطعة اليوسفية ب22 عضوا. و في مدينة فاس أصبحت مقاطعة زواغة ممثلة ب20 عضوا، فيما مقاطعة المدينة تقلصت تمثيليتها إلى 4 أعضاء.و أما مدينة الدار البيضاء فقد تم تفتيت تمثيليتها لنجد أنفسنا أمام مقاطعات الحي الحسني، سيدي مومن،و عين الشق ،ب16،16،ثم 13 عضوا. ..و الثلاثة عشر مقاطعة أخرى ممثلة بما بين 2 و 5 أعضاء. و الحالة البشعة تتجلى في مدينة مراكش التي بها مقاطعة ستمثل ب35 عضوا (المنارة )،فيما لن تمثل مقاطعة النخيل سوى بأربعة أعضاء. .
نفس الملاحظة تجري و تسري على التمثيلية بمجالس الجهات. .فبجهة طنجة _تطوان _الحسيمة. .نجد عمالة طنجة _أصيلة، ممثلة ب18 عضوا، ،فيما الفحص _أنجرة. .ممثلة ب2 أعضاء. بجهة فاس _مكناس. .ستمثل أقاليم فاس و مكناس ب 19 و 14 عضوا. .و لن تمثل أقاليم مولاي يعقوب و إفران و بولمان سوى ب 3 و 2 و 3 أعضاء لكل إقليم .
و بجهة الرباط _سلا _القنيطرة. .نقف على ضعف تمثيلية عاصمة المملكة ب 10 أعضاء، أمام سلا ب 16 عضوا، و القنيطرة ب 17 عضوا، فيما إقليم غني كسيدي سليمان لن يمثل سوى ب 5 أعضاء.و أما جهة الدار البيضاء فإن الطابع المميز لتمثيلية اقاليمها و عمالاتها هو التشتت و البلقنة. ..و أخيراً و كمثال صارخ على العبث. ..نقف على جهة الداخلة _واد الذهب التي تتوزع فيها التمثيلية ب 29 عضوا لإقليم واد الذهب، و 3اعضاء لإقليم أوسرد. ..
دون المزيد من الإطناب. …يمكن الجزم بأن ما ميز الأمثلة السالفة..ينسحب على كل ما هو مقترح كتوزيع. .
لقد فعلت الديكتاتورية الديمغرافية فعلها. ..و ستكون الكلفة باهظة على مسار بناء الجهوية المتقدمة، و على مشاركة الكثير من النخب، و على انخراط وحدات ترابية لها من الأوزان الاقتصادية والاجتماعية و الإشعاعية. ..ما يتجاوز بكثير حجمها الديمغرافي . ..
و بناء عليه. ..نرى أنه من الحيوية بمكان بالنسبة لديمقراطيتنا المحلية الناشئة و المعطوبة، و بالنسبة لجهويتنا المتقدمة المأمولة. ..أن نعيد النظر جذريا فيما هو مقترح كتوزيع، باعتماد خلطة ممكنة تولف بين المعطيات و المعايير الديمغرافية و السوسيو اقتصادية _حضارية _ ثقافية. ..خلطة تجعل من جودة و نجاعة و مصداقية و تكامل المؤسسات و تفاعل نخبها. ..مبتدأها و خبرها