* مصطفى المتوكل / تارودانت

   الاربعاء 5 غشت 2015

 

*عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: “.. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا..”

*يقول تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (*) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (*)﴾ سورة النجم

* جاء أعرابي الى  النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: ” يا رسول الله، عظني، ولا تطل فقرأ عليه قوله تعالى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (*) ﴾ سورة الزلزلة “

 هذه الاشكالية / المعادلة  ..  قديمة قدم الإنسان وقدم المعتقدات أيا كانت  سماوية أو بشرية ..
فبتطور  المجتمعات وانماط عيشها وترقي قدراتها على الفهم الافضل والمتجدد .. تطور وتغير التعامل  مع المعتقدات ..وتباين تاثيرها على النظام والحياة العامين  وعلى الحضارات.. كما امتدت  لتصل الى وضع سياسات و طرق للتحكم في الواقع (الموارد المادية والبشرية)  باخضاع الناس  بالتبعية التربوية  او الاكراه او الاقتناع .. لسلطة من له مصلحة بالتحكم في امور الناس من حكام وساسة  او من يطلق عليهم رجال الدين بغض النظر عن حقيقة الدين ولا طبيعته ولا صدقيته …

.. ان الحديث عن الدين والسياسة  يحتمل اكثر من معنى ومقصد:
 
…منه :خطاب من يعمد الى  استغلال الدين بجعل الاختيارات والقرارات السياسية وكانها جزء من التشريع الديني ..بل ومنهم من  يريد جعل سياساته وكانها مصدر من مصادر التشريع  – بابتداع من الاحزاب الاسلاموية – وهو المنحى الذي اعتمده الساسة  الحكام  والساسة الطامعين في الوصول الى السلطة ..في محطات تاريخية تتسم على الارجح  بالاكثر صراعا وفتنا وتطرفا  …وهذا نجده  واضحا في تامل  تاريخ التداخل بين الديني والسياسي بالمجتمعات اليهودية والمسيحية والوثنية والمادية  وحتى عندنا …
 
…ومنها: من  يدفع لجعل السياسة غير ممكنة بدون “دين” وهذا يمس بجوهر الدين الخاتم  اي تكريم الانسان بالعقل وتملكه لارادته ليتحمل المسؤولية الكاملة عن نتائج اختياراته وقراراته تجاه الناس والخالق  ..
 
…ومنها :من  يرفض التطور العلمي والفكري  ليس لانه يتعارض مع الدين بل لقصور في فهم الدين والعلم معا ..ولانه لامصلحة للذين يريدون ان يكونوا اوصياء على الناس بتملكهم لناصية الدين في وجود اناس مثقفين وواعين لديهم القدرة على التمييز والاختيار واتخاذ القرارات التي تحقق مصالحهم ويستوعبون مالهم وما عليهم ويدركون الحدود الفاصلة بين المباح والممنوع والممكن والمستحيل وما تتحقق به المصلحة العامة وما تنتفي معه في ربط متعقل وناضج بين الدين والعلم والمعرفة باليات تدبير وادارة الامور العامة والخاصة …
 
..ان  الفصل بين الاعراف  والدين والمعتقد والتاريخ من جهة والسياسة  من جهة اخرى  اي تدبير كل ذلك  في علاقة بالمجتمع ومؤسسات الدولة و التخطيط  امر يحتاج الى   المعرفة والفهم المتجددين ..وليس الى  افكار  متطرفة و منغلقة تخالف الفطرة وجوهر الخلق و العلة وراء ايجاد الموجودات  وقوانين التطور التي تطال الافكار وانماط العيش والانظمة  والبنيات المجتمعية …..
..ان الاراء التي تناقش الدين والسياسية خارج فهم الواقع وفهم دينامية التجديد والتغيير …تنجر الى خطا منهجي يخرج الدين و السياسة عن دورهما المنطقي السليم ويجعلهما اقرب الى لعبة بين يدي من يدعى العمل  من اجل الدين  او يدعي انه  من اجل السياسة الخالصة يعمل …ان الاشكال هنا  يتحدد ليس فقط في تحرير السياسة من الدين، وإنما كذلك تحرير  الدين من السياسة…
 
…ان الذين يسعون الى ايهام الناس بانهم ضباط  الدعوة بالباسهم  الدين رداء سياسات معينة بمبرر تدبير امور الحكم والشؤون العامة .. هم في  حقيقة امرهم يتسترون وراء الدين ويقزكزن  بالترويج لاتهامات  تضليلية واصدار احكام  باطلة شرعا وعقلا   لدفع الناس الى رفض الافكار السليمة والبناءة  التي هي من روح الدين الحق ..والتي اجمع عليها العلماء المجددون منذ قرون اي المقاصد الشرعية   ..والتي يجب على كل علماء الامة ومنهم  الفقهاء والادباء والمفكرون والخبراء و ..ان يطوروا ويغنوا باجتهادهم الملائم لمتطلبات العصر وضرورات المستقبل القريب والبعيد  المقاصد وان يضعوا  اخريات تستجيب لمصالح الناس وتمكنهم من التعامل بايجابية مع المحيط والتحولات الكبرى المتلاحقة في كل مناحي الحياة ومختلف العلوم …بالفَهم الصحيح للشريعة /الكتاب والسنة ..وفهم الواقع والمصالح الراجحة الضرورية لتطور المجتمع والدولة ..والابداع في التعامل مع النوازل والقضايا والملفات المعاصرة التي  تطرا على المجتمعات والتي تتشابك علاقاتها والياتها مع المنتظم الدولي او الاخر.. والتي تتاثر بها مصالح الناس ايجابا وسلبا …كل ذلك وغيره بغاية التيسير على الناس وتوفير العيش الكريم  والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة العادلة الديموقراطية …فالاسلام لم يات اطلاقا لتعطيل الفهم والادراك ولا لرهن  المجتمعات المعاصرة بتاريخ ماقبل الاسلام ولا اوضاع وانماط تفكير وفهم وعيش الخلفاء الراشدين ولا التابعين وتابعي التابعين  الى الامس في اطار من الاستنساخ والتقليد  ان لم نصفه بالاعمى …

ان مقاصد الشريعة الاسلامية الملخصة في جفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل .. هي مقاصد عامة يتقاسمها الجميع و ينادي بها غيرنا  بصيغ اخرى قد تتطابق او تختلف او تتكامل  ..فلكل الامم الدين الذي ارتضوه لانفسهم  وهم معتقدين انهم يسعون الى تقوية  مجتمعاتهم  وتطورهم وحمايتها من الاخرين الذين منهم ” نحن ” …

   
ان الشريعة والمنطق السليم  لايقبلان بان تبرر “اخفاقات” و”نجاحات ” قرارات الساسة وممارسات الحاكمين او الموالين لهم  او المعارضين  بنسبتها   في كلا الحالتين للدين والسماء …

  ولن نجري هنا مقارنات ولا بحثا تفصيليا في التاريخ السياسي للتحكم وحكم الشعوب باسم الدين وما قدم من البشر  كقرابين  على مذابح الالهة الوضعية و الديكتاتوريين  ..وما سال من الدماء لنصرة اديان عبدة الاوثان والظواهر الطبيعية و..ولن نتحدث عن الماسي والدماء التي سالت بين المسلمين … كما لن نقف على معطىات تاريخية توثق  أن كل من خالف أية عقيدة ولو كانت عبادة الحيوانات  وخاصة عندما تكون  ديانة الحاكم وطبقته .. الا ويعتبر خارجا عن الدين  وكافرا به وشاذا بالمجتمع مصيره  القتل.. أو النفي.. أو السجن او الاستعباد ..

 فهل يمكن تصور وفهم  الإنسان بدون معرفة  خصوصياته و ثقافاته و أعرافه و عاداته و معتقداته ..؟

وهل يمكن تصور سياسة في الكون لا تستحضر خصوصيات ومميزات مجتمعاتها لتحقيق حاجياتهم ومطامحهم واحترام قناعاتهم ومقدساتهم وتنوعهم .. ؟

وهل يمكن تصور مال دين تتحكم فيه وتسيره امزجة الساسة بغاية التحكم والاستبداد بشطط في التفسير وتطويع للدين ليلائم اهواءهم ومقاصدهم  …؟

وهل يجوز ان تخضع السياسات للذين يدعون انهم يتحدثون باسم  الدين ..او يخضع الدين لسياسات الحكام بشكل مطلق … ؟

 نعم يمكن تصور ذلك في الديكتاتوريات الدموية  عبر التاريخ  التي تقصي وتلغي الآخر وتقيد الإرادات والفكر..وتستبيح الفتك والسبي والاستعباد والاستغلال المطلق للمخالفين لهم باسم  الاله او الالهة …

قال تعالى “طسم *تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {*} نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {*} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {*} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ”

و في سياق الحديث  عن الدين السماوي  فلايمكن الا ان نقول “إن الدين عند الله الإسلام” ..فاليهودية والنصرانية / المسيحية والاسلام …كلها من ضمن المسمى العام والشامل اي الاسلام .. لانه لايعقل ان يصدر  عن الله سبحانه وتعالى ديانات متعددة متناقضة ومتضاربة ..بل دين واحد متكامل نزل على مراحل وعلى انبياء في ازمنة متقاربة متباعدة  -موغلة في القدم الى اخر الرسالات  –  لكل منها خصوصيات ومميزات تختلف في ظرفيات النزول ومستويات الامر والنهي والتوجيه  .. ولنا ان نضيف بان ما  يسجل من اختلاف وتضارب  واحيانا تناقض  واضح يرجع  لاسباب بشريه منها النزعة التحريفية  التي حصلت بسبب من يجعلون انفسهم اوصياء على الديانات بل منهم من يعتقد ان رايه مكمل للوحي بالاضافة  او الحذف او الفهم المغلوط والجامد ..او التاويل والتفسير الذي مرجعيته التجكم في الامور لفائدة المذهب او السلطة  او هما معا  …

 إن الدين هو الجواب العام عن معنى الوجود والغاية منه في علاقة الإنسان بنفسه وبالاخرين مسلمين وغيرهم وبباقي المخلوقات وبالكون  وبالله  (…)

 والعلاقة ليس المقصود بها فقط… إدراك وجود ترابط بين الأشياء والأفكار والممارسات..وتلبية الحاجات الضرورية للبقاء من أكل وشرب وقضاء حاجات وتناسل ودفاع عن النفس..

إنها  .. كل الانسجة التي تقوم وتنشأ بها وعليها ومعها المجتمعات  المتجددة بتطور فهم الناس لمصالحهم و حاجاتهم ومتطلبات حياتهم داخل مجتمعهم.. وفي علاقة مع البشرية في العالم كله ..
انها ..نتاج لادارة وتدبير  كل الامور والمجالات  – بمختلف  القناعات والمرجعيات والغايات والاهداف –  التي تهم  الشؤون الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتنظيمية والمؤسساتية.. أي وفق سياسة بشرية يحدثها ويضعها الناس وقياداتهم ( زعماء القبائل و الطوائف والمذاهب ..و ألاحزاب،و المنظمات، والمؤسسات،والدولة…) لادارة مقاليد الحكم وتسيير كل مفاصل الدولة والمجتمع…

 فبالأمس كانت  ضوابط ” السلطة  ” والحكم –  تجاوزا –  قبلية وعشائرية  بسيطة   .. واليوم الدولة لا يمكن أن تدار إلا بمؤسسات ..و لا يمكن القبول بوجود مؤسسات يحكمها ويتحكم فيها الحاكم / الفقيه بتاطير وفق مذهب أو طائفة أو افكار شخصية وميولات..فالشعب هو  الذي يقيم الدولة  وبه تستمر ولايمكن الغاء كل مكونات هوياته وقناعاته و تاريخه  لارضاء جزء منه يمتلك السلطة او يتدخل ويتحكم في امورها ..ان الشعب اكبر من الطائفة والحزب والمذهب واكبر من الوصاية المعطلة للارادة والحرية والعدالة تحت اي مبرر كان .. والدين للناس كافة امنوا به ام لم يومنوا لان رحمة الله وسعت كل شيئ ورحمة الدين لااكراه فيها ولا اجبار ولا تعسف ولا تحقير لمعتقدات الاخرين …

فان كنا لانختلف بان العدل مامور به من  السماء  وبه وعليه  يقوم الوجود كله ويستقيم .. فان من باب السماء فوقنا انه اذا انتفى العدل او اختلت موازينه تحت اي غطاء او تعليل  ولو بنسبة ذلك للدين تعسفا فان في ذلك الانتفاء  مساس وتطاول على  العدل الالهي الذي بثه الله في الوجود ….يقول تعالى  ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ال عمران …﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.النحل 

… إن العدل لا يمكن أن يتحقق إن تحجرت عقولنا في فهم الدين و فهم التعامل مع العدالة في مختلف مناحي الحياة البشرية ..
 فالدين/الرسالات جاءت للفرد وللجماعة وللناس كافة امنوا ام لا ..جاءت بالرحمة والتسامح والمحبة والتعاون والتاخي وكل القيم النبيلة التي قدمها الانبياء في حياتهم اليومية اي سننهم والتي لم يسجل عنهم في  كتب السير انهم كانوا عدوانيين و انتهازيين ومتسلطين او ديكتاتوريين او ظلمة …

ان الدين الموحى به تدرج في بنائه وأحكامه وغاياته ومعاملاته ومناهجه من اجل جعل  إدارة أمور الناس سلسة ومنفتحة على المجتمعات ومتكاملة معهم لخذمة مصالحهم وتحقيق طموحاتهم ..ولقد  استغرق الأمر آلاف السنوات قبل الإسلام..وسيستغرق الامر بعد الاسلام كل القرون والزمن الى ان تقوم الساعة في تجدد  وتطور متنام يستوعب ويتلاءم مع الواقع المتغير باستمرار …

 …ولهذا ليس من الفقه والدين والحكم السوي  أن يتوقف فهم الدين والتعمق في خطابه ووصاياه وتشريعاته من حيث أسباب النزول/والغايات/والوسائل/وتجديد الادراك وقدراته …  فمن المنطقي ان يختلف الفهم و الاجتهاد ويتحقق الاتفاق ويبنى التنظير وتؤسس الاحكام والقواعد الشرعية باجتهاد قد يقود الى الخطا وقد ينتج عنه الصواب والاصلح بشكل نسبي يتلاءم مع مستوى كفاءة ودقة وعلمية الاجتهاد ….  فتنشا المذاهب و الطوائف بناء على ذلك مما يعني ان لا احد منها يحتكر الحقيقة المطلقة منفردا كما ان لا احد منها لايتعرض للخطا الخفيف وحتى الجسيم الذي قد يناقض الدين بوحيه وسننه في حالات …

  ان توقف الوحي لا يعني إطلاقا توقف الاجتهاد بكل أنواعه..ولا يعني توقف العقل البشري عن فهم الوجود وتطوير استيعابه العميق لمراد الله ومراد الانبياء في كل القضايا والتشريعات الموثقة عبر تاريخ الاديان …
 لهذا يمكن ان نقول ان  إدارة شؤون الشعب المغربي في زمن أصبح الإسلام دينا رسميا للشعب والدولة منذ  قرون عديدة .. لا يعني اليوم إعادة تكرار الماضي بتجليات وأنماط عيش من سبق، ولا باستنساخ آلياتهم (لإدارة أمور الدولة والناس/بالسياسة…).

 بالأمس كانت الطوائف والقبائل والزوايا والمذاهب .. وكانت  زعاماتهم تحاول وضع سياساتها  للاستفراد بالحكم .. فأحيانا تنجح وفي الغالب تفشل …

اما  اليوم فتوجد البنيات والتشكيلات المجتمعية التقليديين اضافة  إلى المؤسسات بشكلها المعاصر و التي أصبحت ضرورية لتحقيق انظمة اقوى ومؤهلة للمرحلة وتعقيداتها الداخلية والجهوية والقارية … والتي ترتكز في ذلك  انطلاقا من دساتيرها وقوانينها  على قوى حية من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني حيث  عليهم  مجتمعين و منفردين  و متحالفين على شكل اقطاب  أن يضعوا تصوراتهم وسياساتهم  وهم بالسلطة ويضعوا  بدائل للسياسات الرسمية المعمول بها وهم بالمعارضة …

لهذا يمكن القول :ليس من الدين ولا من السياسة ولا من رجاحة العقل  بعلة الاختلاف في الفهم والاختيارات (مذاهب/طوائف/فرق…) أن يكفر ويبدع البعض الآخر، لأنه ليس على مذهبه ونهجه …
 وليس من الدين ولا من السياسة إخضاع الدين لأمزجة الحكام كانوا ” رجال دين تحت عباءة السياسة ” أو “سياسيين متدثرين بعباءة الدين “.. والقصد المذهب أو الفرق …

يمكن القول : أن السياسة أدركنا أننا نمارسها أم لا؟ اعتقدنا بوجودها أم لا؟… هي من صميم جوهر الفطرة التي نسعى بها إلى استمرار الحياة وحفظ العقل والنفس وصنع الرؤية والإرادة الواضحة وتحقيق الغايات المطلوبة…
 

… إن القيم والأخلاق قد توجد حتى ولو لم يكن هناك دين ورسولنا عليه الصلاة والسلام  جاء ليتمم مكارم الأخلاق .

 إن الذين يدعون إلى تعطيل السياسة وتعطيل التطور هم الشكلانيون وأصحاب الجمود في كل شيء.. والذين يختلفون مع الفهم السليم للإسلام الذي يجب أن يصل إلى الناس بالطرق المثلى والصحيحة ..
 لهذا يكفي أن نفترض أنه  لو نزل الإسلام في عصرنا هذا فهل سيكون خطابه ولغته واحكامه ودلالاته منفصلة عن  الحياة والخطاب المعاصرين  ؟

لهذا  لا يجب القبول باستغلال الدين  لإضفاء الشرعية على الحكومات .. للتغطية على ممارساتهم وسياساتهم وتبريرها خارج مسارات التدبير البشري ايجابا وسلبا  .
  ان  من يسوس أمور البلاد والناس  لا يجوز له  أن يعتمد على القهر  والترهيب والتطاول و..لاخضاعهم والتحكم فيهم بالارتكاز على الدين افتراء  ..لان الدين يبيح  الحق  في اختيار الفهم السليم للدين.. ولايمنع حرية   اختيار أي سياسة لا تتناقض مع ثوابت الدين من اجل ادارة كل الامور الدنيوية ..

وفي هذا الاطار  لا يمكن القبول من اي كان  ادعاء ان  سياسات الحكام وحتى الأحزاب هي بمثابة مصدر من مصادر التشريع الديني (الكتاب والسنة/و….وسياسة الحاكم وقراراته..؟؟)
 فكل الساسة يخطئون ويصيبون… ولكل منهم فهمه الخاص في إدارة الأمور…ومحاسبتهم تكون على قدر الفهم العادل والسليم الذي يستطيع التمييز بين الخطا والصواب وبين الامر الراجح من نقيضه ….

اما مجال المحاسبة في أمور الدين والإيمان فهي لله وحده وليست لغيره ..لان ما يحكمها هو علم الله وعدالته وليس جهل الحكام ورجال الدين لحقيقة ايمان الشخص ونواياه ..فالظاهر ليس معيارا بشكل مطلق لقياس الايمان من عدمه ..

 لهذا لا يمكن اعتماد نفس المنهجية ونفس الفهم  في التعامل مع قضايا الفكر والسياسة وقضايا الدين.. فعالم السياسة  متجدد باستمرار ومتنوع بقوة سنن  التغيير .. فتدبير المسألة أو الإشكالية الواحدة في السياسة ومجالاتها قد يكون بطرق ومناهج وفلسفات متكاملة ومتناقضة أحيانا… اما امور العبادات والايمان  فواحدة ان لم يخالطها راي ومعتقد المذهب كما نقف عليه عند العديد من الطوائف والمذاهب  ..

  ونحن نتحدث في هذه المقالة عن الدين والسياسة من الواجب علينا ان نترحم على ارواح علماء و رواد السلفية  المتنورين ببلادنا، وهم في نفس الوقت زعماء وقادة سياسيون  يرجع لهم الفضل في استقلال المغرب… وفي نشر العلم والمعرفة… وفي بناء وتطوير المجتمع المغربي… وفي بناء المشهد السياسي وبناء القوى السياسية الرئيسية التي منها (حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكيللقوات الشعبية  :امثال   شيخ الإسلام بلعربي العلوي/علال الفاسي/عمر المتوكل الساحلي/محمد الحبيب الفرقاني /السكال احمد زكرياء …إلخ)
 
*. فالإسلام يدعو للسلفية المتحررة المتنورة التقدمية المجددة لاليات  فهم الدين من اجل حسن إدارة شؤون الحياة والناس والسياسة.
*. ان الإيمان بالله وعدم التعلق بغيره عبادة وخضوعا.. هو تحرر قلبي وروحي وامتلاك للحرية والارادة والكرامة ..
*. ان تحرر العقل وديناميته امر جوهري للفهم الجيد للدين والواقع ولامتلاك الإرادة والقدرة على التجديد ورفض الجمود والتقليد.
*. ان ضرورة تحرير السياسة من الاستبداد… سواء استبداد مذهب أو طائفة او حزب او زعيم بأمور الحكم وإكراه الناس على الانقياد والخضوع بسلب كلي او ننسبي للارادات.. من اوجب واجبات اقامة العدل …
*. ان تحرير المجتمع وتحرير العقل لا يعني مخالفة جوهر العقيدة ولا يعني الإغراق في الماديات والنزوات..ولا يعني الخروج عن الملة والدين ..
*. ان تحرر فقه الدين وفق الواقع… يتحقق  بعدم إخضاع الناس والمجتمع والدولة للفتاوي الجاهزة التي تعد وتحرر بناء على طلب مذهب أو حاكم أو زعيم… بهدف التحكم في أمور ومفاصل الدولة والمجتمع.
*. ان الفهم السليم للسياسة بالفهم السليم للدين يؤدي للتحرر من القضاء الظالم والتخلف والاستعباد والاستبداد…

  قال شيخ الإسلام  سيدي محمد  بلعربي العلوي متحدثا عن العقل المغربي منتقدا للمناحي السلبية فيه انه  : “مزبلة في حاجة إلى شاحنات لتنظيفه”
وقال شيخ الإسلام في دورة المجلس الوطني للاتحاد 17-18 يوليوز 1961 :
“إن الاتحاد مطابق لروح الإسلام ولأهدافه النبيلة”، و : “إن الإسلام هو الحرية وهو الاتحاد وكل من أنكر الحرية أو الاتحاد فهو منافق…وكل من يستعمل الدين لتضليل الناس فهو منافق”.

   ونختم بالقول ..كلنا سلفيون بالدين… بالمذهب… بالمرجعيات… بالموروث… وكل أفكارنا من الماضي…وانها  الأرضية التي نطور لملاءمة الحاضر… وهي القاعدة  التي ننطلق منها لفهم المستقبل ومتطلباته…والمشكل ليس في ماضينا بل في عدم فهم وتقدير البعض  لا للماضي ولا للحاضر ولا للمستقبل وتلك هي قضيتنا / المعضلة  …

 

 

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…