في فاتح يوليوز من سنة 2011، أصبح للمغرب دستور جديد، يوفر الحد الأدنى من مقومات البناء الديمقراطي، حيث استجاب للعديد من المطالب التي كانت مطروحة من طرف بعض الأحزاب الديمقراطية، وكذلك لجزء هام من الشعارات التي رفعت في تظاهرات 20 فبراير.
وككل نص تأسيسي، فهو يتضمن مبادئ عامة، تحدد الخطوط الكبرى للنظام السياسي والاجتماعي والثقافي، ويرسم خارطة طريق للممارسة الدستورية، التي تتطور عبر القوانين وعبر إعادة هيكلة بنيات الدولة وإرساء تقاليد ديمقراطية، مما يعطي للنص الدستوري حياة في أرض الواقع.
ولذلك كانت التطلعات كبيرة لدى أغلب الديمقراطيين في أن يؤدي الإصلاح الدستوري، الذي حصل في المغرب، إلى مراجعة شاملة لبنية الدولة من أجل الشروع في عملية التخلص التدريجي من الهياكل التقليدية، الذي تحكمت فيها منذ عقود، سواء على مستوى العلاقات بين السلط، أو على مستوى علاقات الدولة بالمواطن، أو بالنسبة لحقوق الإنسان والقضاء ونظام الحكامة والعدالة والمساواة…
ما حصل من انحراف، بعد أربع سنوات من إقرار هذا الدستور، يستدعي وقفة تأمل حقيقية، من طرف كل القوى السياسية والنقابية والحقوقية، وغيرها من مكونات المجتمع التي تنتمي للصف الديمقراطي. إذ من الضروري أن تتساءل إلى أين نحن سائرون؟
أين نحن من الفقرة الأولى الواردة في تصدير الدستور، والتي تؤكد على أن “بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون”، وعلى “تقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة”؟…
هل فعلا تبني الأغلبية، التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية، دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون ومؤسسات حديثة؟ نعتقد أن كل الممارسات التي يقودها هذا الحزب، تسير في الاتجاه المعاكس تماما لهذا التوجه الذي تصدر الدستور.
لم يأخذ هذا الحزب من التصدير سوى كلمة “الإسلامية” من الفقرة المتعلقة بالهوية، والتي حسب النص هي “عربية، إسلامية، أمازيغية، صحراوية حسانية، غنية بروافد إفريقية أندلسية عبرية متوسطية”. أما الإسلام فهو، حسب نفس النص، مرتبط “بقيم الانفتاح والتسامح والحوار والتفاهم التبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.
هل هذه هي الهوية التي يدافع عنها الحزب المذكور، وتنظيمه الأم، حركة التوحيد والإصلاح؟ الواضح أن مفهوم الحزب والحركة، لا علاقة لهما بهذا التصدير، بل لا يختلفان نهائيا في مفهوم الدولة الإسلامية الذي تروج له الجماعات الأصولية، في العالم العربي وعلى رأسها الإخوان المسلمون.
لقد اختزل حزب العدالة والتنمية الدستور في الهوية “الإسلامية”، متجاهلا كل الروافد والثقافات المغربية والإنسانية الأخرى، ومتناسيا المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وفصل السلط والحكامة والمساواة وغيرها من المقومات المتقدمة الواردة في الدستور، عملا بمنهج “ويل للمصلين”.
* عن جريدة الاتتحاد الاشتراكي
الجمعة 3 يوليوز 2015