علماء القوات الشعبية .. شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي: المصلح النهضوي

ادريس البعقيلي

شيخ الإسلام. ضمير الأمة اليقظ. المصلح النهضوي. إنه العالم الجليل محمد بلعربي العلوي الذي نخصص له هذا الملف عن علماء القوات الشعبية الذين واجهوا بضوء عقولهم ونور إيمانهم ظلمات الجهل ونير الاستعمار.
لقد خبر بلعربي العلوي «الشدائد وعانى أثناءه المحن. فما فتر رغم توالي الصعاب، وتلاحق المضايقات وما وهن، بل ظل مثال الموقف الصامد، والفقيه المتحمل والمواطن الصادق في الوطنية».
ونحن حينما نخصص هذا الملف لهذا الشيخ الجليل والعالم الوقور، فلأن ذلك يكتسي طابع الواجب والضرورة تجاه شخصية الفقيه العظيم وجهاده العلمي والوطني، مثلما يكتسي طابع الواجب والضرورة تجاه الأمة المغربية وهي تتلمس طريقها النير وسبيلها الواضح، نحو غد تكون فيه الأسباب موصولة بخير ما في التراث من شروط العقلانية والتفتح، من مقومات العزة والقوة والعدالة، ضماناً لتشييد مجتمع التحرر والرخاء والتقدم.
إن مكانة شيخ الإسلام العلمية وجهاده: الشجاع وأخذه بالحق في كل ما كان يصدر عنه من أقوال وأفعال تهم العرب والمسلمين وتعنى بأحوالهم في الحاضر والمآل. أقل ما يوجب علينا من الوفاء الخالص والاعتبار الواعي، هو إبقاء صورة شيخ الاسلام في أبعادها الإنسانية والنضالية والفكرية، مشعة إشعاع الحياة فائضة بقيمها المشرقة وأمثولاتها الوهاجة، مثلها في ذلك في أنظار الأجيال المتلاحقة مثل علمائنا الأقطاب الذين يتزين بعلمهم وجهادهم تاريخ أمتنا في الفقه والحديث والتفسير، ويزهو بذكر مواقفهم الجريئة وانحيازهم الجسور للحق والحقيقة سجل حضارتنا الحافل، بل انه لمن أوجب الواجبات على بلادنا بإزاء هذا الشيخ الذي قال فيه أبو السلفية بالمغرب، العلامة المحدث أبو شعيب الدكالي. أما إنه أي محمد بلعربي سبق عصره أو تأخر عنه، أوجب الواجبات على بلادنا ومثقفينا وعلمائنا هو أن يكرم شيخ الاسلام التكريم الذي يليق بمكانته العلمية ودوره في إيقاظ النفوس، وإشاعة الفهم السليم بالاسلام ومثله ومقاصده، متحملا في أداء هذه الرسالة النبيلة ما يتحمله المجاهدون المخلصون والمؤمنون الصابرون: ذلك أن حياة عالمنا الجليل حافلة بالدروس النيرة التي من شأن إبرازها أن يمدنا بالمزيد من الإدراك لقضايانا في الدين وفي الحياة، وأن يرشدنا بالعلم والقدوة الى النهج الذي ينبغي للعالم المطلع أن ينهجه تجاه أمته وشعبه، وإزاء بلاده ومواطنيه.
ولا غرابة أن تكون حياة عالمنا الجليل طافحة بالأمثولات، فائضة بالعطاءات، ذلك أن شيخ الاسلام الذي جاء هذا العالم في ثمانينات القرن الماضي قد امتد به العمر لكي يعايش كبريات قضايا تاريخنا الوطني والعربي والاسلامي والعالمي، وان يتوفق في اتخاذ المواقف التي فرضها الصراع واستوجبها التصادم. فهو من هذه الناحية شاهد واع وملتزم على عصر امتاز بالتحولات، وانشغل بالحروب والاضطرابات، وانطبع بالكفاح المتنوع في شتى الميادين والواجهات.

بلعربي العلوي : شاهد على العصر
المدة التي عاشها شيخ الاسلام هي نفسها المدة التي وقعت فيها حرب تطوان، ومؤتمر الجزيرة، وإعلان الحماية، وانتفاضة الريف، والظهير البربري، وتأسيس الكتلة الوطنية، وتقديم وثيقة الاستقلال، وزيارة طنجة، ومؤامرة جوان وكيوم، واندلاع المقاومة وإعلان الاستقلال وإجراء الاستفتاء على أول دستور بالمغرب، وقيام أول مجلس نيابي.

يطول بنا الحديث لو مضينا في استعراض كل الأحداث الكبرى التي جرت ما بين 1880، الذي هو تاريخ ميلاد شيخ الاسلام، و 1964 الذي هو تاريخ التحاقه بالرفيق الأعلى، لكن حسبنا أن نشير في اقتضاب إلى أن المدة التي عاشها شيخ الاسلام هي نفسها المدة التي وقعت فيها حرب تطوان، ومؤتمر الجزيرة، وإعلان الحماية، وانتفاضة الريف، والظهير البربري، وتأسيس الكتلة الوطنية، وتقديم وثيقة الاستقلال، وزيارة طنجة، ومؤامرة جوان وكيوم، واندلاع المقاومة وإعلان الاستقلال وإجراء الاستفتاء على أول دستور بالمغرب، وقيام أول مجلس نيابي. فهو إذن من جانب الأحداث الوطنية عاش ظروف استيلاء الاستعمار الأجنبي على المغرب، وظروف المقاومة الشعبية لهذا الاستيلاء، كما عاش تتويج مقاومة الشعب للأجنبي بانتزاع الاستقلال وعودة محمد الخامس وعائلته من المنفى، والشروع في وضع الأسس لبناء الدولة المغربية الحديثة. وكان رحمه الله في كل هذه المراحل، ومنذ أن تمكن منه الوعي، وقدر الواجب والمسؤولية، فاعلا في الأحداث من موقع العالم المطلع، والمصلح المتنور والوطني الذي يسمو بقضايا أمته ودينه وشعبه وبلاده فوق قضاياه الخاصة، بل الذي يجعل قضاياه الذاتية جزءاً لا يتجزأ من قضايا أمته ووطنه، فكان أن ناله الأذى، ومسه الضرر، يتحمله غير شاك، ويجابهه غير متألم أو متضايق، شأنه في ذلك شأن أمثاله من كبار علماء المسلمين الذين لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم.
وما هو جدير بالتذكير في هذا السياق، هو أن عمل شيخ الاسلام وعطاؤه العلمي والوطني الذي ظل خصباً وممتداً ومتطوراً أزيد من نصف قرن. كان عملا مندرجاً في مشروع نهضوي عربي اسلامي تجند لإشاعته والعمل على توفير الظروف لإنجازه جمهرة من خيرة العلماء والمفكرين من بينهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والثعالبي والابراهيمي وعبد الحميد ابن باديس والشيخ أبو شعيب الدكالي. فهذه الجمهرة الخيرة من علماء المسلمين الذين هالهم ما آل إليه العالم الاسلامي من تقهقهر وتخلف، وما أصابه من تفكك وضعف وجمود، نتيجة عوامل داخلية في المقام الأول، عوامل استغلها الاستعمار واتخذ منها أسباباً لفرض سيطرته على الأقطار نهباً لخيراتها وامتصاصا لثرواتها وتسخيراً لأبنائها وتحكماً في مقدراتهم المادية والمعنوية. إن هذه الجمهرة من خيرة علماء المسلمين إزاء تأخر العالم الاسلامي وتقدم غيره. وجدوا أن واجبهم المحتوم هو أن يخوضوا معركة شاملة لا هوادة فيها. معركة ضد أسباب التخلف والتقهقهر الداخلية ومعركة ضد الاستعمار ومخططاته التخريبية. فكان مشروعهم في النهضة الذي يعتمد العلم أساساً والشورى إطاراً ونهجاً والعدل مرتكزاً وهدفاً.
ومن حسن حظ بلادنا، التي لم يتح لها استقبال واحد من علماء الإصلاح على نحو ما تأتى لبعض أقطار المغرب العربي الأخرى. من حسن حظها أن تجد في الشيخ محمد بلعربي العلوي، العالم الذي أدرك بعمق ما يواجهه العالم العربي والاسلامي، بتبني دعوة الاصلاح، ومضى طوال حياته يجاهد في سبيل هذا الإصلاح الذي يضمن للأمة خروجها من التخلف ويحررها من الاستعمار ويلحقها بركب التقدم والازدهار، في إطار مشروع نهضوي شامل، قوامه العدل والمشاركة، من هنا إذن، يكون واجباً وضرورياً أن يتخذ من ذكرى وفاة هذا العالم الجليل، والفقيه المجتهد مناسبة للإهابة بكل ما يعنيه الأمر، علماء ومثقفين بأن يبوؤوا شيخ الاسلام المكانة التي يضعه فيها جهاده العلمي، وعطاوه الوطني، ورسالته النبيلة التي أنفق عمره المديد في سبيل القيام بها، على نحو ما كان يصنع كبار العلماء والمجتهدين الذين كلما ذكرناهم، كلما أحسسنا نحوهم بالتقدير والإكبار.

وطنيون وعلماء يتحدثون عن حكاياتهم مع الشيخ

السلفي المناضل الشيخ محمد بن العربي العلوي، كيف عرفه جيل الحركة الوطنية، مواقفه خصاله ووطنيته، يقدمها رموز المغرب السياسي:
عبد الرحيم بوعبيد
شيخ الإسلام كما عرفته

«لم أتعرف على الشيخ شخصيا إلا في الستينات ، لكن تعرفت عليه من بعيد، وأنا في طور الشباب ، مثل مئات من الشباب المغربي.
تعرفت عليه بالحضور ، كلما سنحت الفرصة، في الدروس التي كان يلقيها، في بعض المناسبات في المسجد الاكبر بسلا بين صلاة المغرب والعشاء.
الشباب والكهول يتسابقون لاحتلال الصفوف الاولى قرب المنبر، والاعناق مشرئبة في الصفوف الأولى في مسجد خاص بالمنتسبين من جميع فئات الشعب، ويأتي الشيخ ويصعد الي المنبر ويصبح كأنه قريب من كل واحد من الحاضرين، كان جميل الوجه، جميل الابتسامة أو الالتفاتة.. ثم يبدأ الدرس بصوت عال ليسمع القريب والبعيد.
فإما آيات من القرآن الكريم موضحا أسباب النزول، وإما حديث نبوي مع تبيان الظروف ومقارنتها مع الظروف التي عاشتها البلاد، أو أي مجتمع اسلامي آخر.
وكان خطابه يتجنب التعقيد أو الغموض، ليكون الفهم في متناول الجميع والفائدة عامة، كان كلامه المبسط وعباراته السهلة، تنفذ الى القلوب ، وتخاطب العقول والضمائر.. ، وعندما ينتهي الدرس، تشعر بلهفة وتشوق الى الدرس المقبل».
«في أواخر سنة 1943، عندما كانت عريضة المطالبة بالاستقلال في طريق الانجاز تساءل قادة الحزب الوطني، عما إذا كان من الممكن أن يكون الشيخ محمد بن العربي العلوي أول الموقعين عليها، وكان آنذاك يشغل منصب وزير العدل في الهيئة المخزنية، وتبين أنه من الضروري استشارة محمد الخامس رحمه الله في الامر، وبعد الاستشارة اقتنع الجميع بأن مهمة الشيخ الاولى ، هو أن يكون بجانب عاهل الامة، ليستطيع بموقفه، داخل رجال المخزن أن يحرك ضمائرهم وعقولهم، وعندما انعقدت الجلسة التاريخية تحت رئاسة محمد الخامس، يوم 11 يناير 1944 صباحا، مباشرة بعد تقديم عريضة الاستقلال صرح العاهل الراحل بأنه ملك البلاد، المؤمن على السيادة المغربية ، يتبنى مضمون العريضة شكلا وجوهرا. وتدخل الشيخ وزير العدل، والدموع تسيل من خديه قائلا، (بأعلى صوت وأصرح عبارة، ما يمكن أن يلخص في الكلمات التالية) : « الحمد لله الذي هدانا لهذا… لقد أخذت على نفسك أن تقود هذه الامة الاسلامية الى العز والكرامة … إننا ابتدأنا من هذه اللحظة نشعر أننا كسرنا أغلال الذل والحجر والاهانة…إننا نحن فداك يامولاي. لنكفر عما سبق من ذنوبنا وأفاعيلنا، والتفت يمينا وشمالا، ثم وجه نظره الى الحاج محمد المقري، الصدر الاعظم، الذي ظل صامتا، جامدا…، وبعد أن انتهت الجلسة، خرج الشيخ ضاحكا مبتهجا. وصار يطوف برحاب القصر.. وهو يقول بأعلى صوت:إن الملك والشعب والاحرار الاوفياء في هذه البلاد قرروا أنه ابتداء من هذا اليوم المبارك، أن المغرب بلد مستقل، وأن عهد الحماية قد انتهى،لأنه كان يعتبر بايمانه الفياض، أن المطالبة بالاستقلال معناها تكسير أغلال الحجر والاهانة وأن السلوك بالقول والفعل هو سلوك الاحرار..».
«عاش شيخ الاسلام هذه الاحداث بكل احساسه وحدسه، ومشاعره في آن واحد، حيث كانت الوفود تتردد على بيته، فيزيدهم ايمانا وثباتا، بخطابه وتوصياته المتبصرة، وبالتذكير بآيات القرآن الكريم وجهاد السابقين الاولين من المهاجرين والانصار.
لقد كان يقول ويردد: «إن الشعب المغربي قد انتصر حيث قر عزمه على الانتصار، والنصر الاول البين، هو في وحدته والتفافه وراء قائد الامة محمد الخامس».
وكان يقول بأعلى صوت، متجها الى الوفود : «لاتستغربوا من تخاذل المتخاذلين، الذين انقلبوا، فذاك كان منتظرا منهم، وأن من بينهم المنافقين الذين تظاهروا بالموافقة على مسيرة الشعب المغربي المشروعة، لكن بالقول والكذب وبقيت قلوبهم عمياء».
«… لكن الشيخ ، عندما كان البعض منا يخاطبه حول الوضع ، وحول المصير المحتمل، يبقى في مستوى الاحداث، باسما مستبشرا، يبث في نفس المخاطب، اليقين المتبصر، والارادة الصلبة، كان يقول، ليذهب المستعمر الغاشم الى النهاية، وسوف تكون «النهاية» نهايته ونهاية سطوته.فلاخوف على محمد الخامس، ولاخوف على الشعب المغربي، الذي أدرك اليوم مهمته ومقومات تراثه الوطني..».
عبد اللطيف بن جلون
أبو الحركات التحررية المعاصرة

« كان الاستاذ محمد غازي يتحدث لنا كثيرا عن هذا العالم الجليل, الذي كان يرى فيه القدوة الصالحة للعلماء وللأجيال الصاعدة.
وهكذا علمنا أن الشيخ بلعربي العلوي كان ثائرا على الوضع المظلم الذي تتخبط فيه الامة المغربية بصفة خاصة، والامة الاسلامية بصفة عامة …
علمنا، أنه لا يتفق مع علماء البلدن الاسلامية الذين حصروا الدين في العبادات ولم يفهموا ولم يعلموا الناس أن الدين الاسلامي، هو سلوك ومنهج للحياة اليومية.
علمنا، أنه كان يثور ضد العلماء الذين يأتمرون بأوامر السلطة الحاكمة، ولايأتمرون بأوامر الله ولا بسنة رسوله، وقبلوا أن يصبح الاسلام في خدمة النظام القائم، ولو كان هذا النظام أجنبيا علي الاسلام …».
«… وكان الذين يحضرون مجالسه، يعجبون بآرائه الجريئة ومناهجه القويمة في اصلاح الدين وإرجاعه الى أصله الصافي، ويعجبون بأسلوبه وبلاغته لنشر العقيدة الصحيحة بين المسلمين، حتى يكونوا على بينة من أمر دينهم ويستطيعوا أن يرفعوا عن بلادهم نير الاستعمار ، لاعتقاده أن نير الاستعمار لايقبل إلا بالعقيدة الصحيحة».
«يمكن القول بأن ابن العربي العلوي، هو أبو الحركات التحررية المعاصرة، وأن هذه الحركات خرجت من القرويين ولم تخرج من المعاهد الغربية».
«هكذا كان شيخ الاسلام بن العربي العلوي. ولم يعرف الناس قيمته ويقدرونه حق قدره الا بعد وفاته، شأنه شأن العظماء الذين يقيدهم الله في كل جيل لهذه الامة فيستطعون أن ينهضوا بها الى طريق الخير والنور ويكونوا نجوم الهداية في ليالي الجهل الحالكات».
«كان متواضعا الى أبعد حد مع العالم والجاهل، مع الغني والفقير ومع السيد والخادم، زاهدا في الدنيا، لايخشى الفقر، يجهر بالحق في وجه كل واحد، ولا يخاف في الله لومة لائم، ورغم تقدمه في السن كان يدهشنا بغزارة العقل وذكاء الفطنة وخفة الروح وسرعة الجواب، كان نور الايمان يسطع من جميع أقواله وأفعاله».
محمد عابد الجابري
سلفي وطني مناضل

«… بعد أن أنهى دراسته، انقطع الى التدريس بجامعة القرويين ليدشن بدروسه وأحاديثه مرحلة جديدة في تاريخ الفكرالسلفي «الوطني, » ذلك أنه لم يكتف بمحاربة الطرقية التي كان كثير من مشايخها, ليس فقط موالين أوعملاء لسلطات الحماية، بل أيضا مسخرين من جانبها لمحاربة الثورة التحررية في الريف، ثم الحركة الوطنية في المدن.
لم يكتف السلفي المناضل محمد بن العربي العلوي بخوض المعركة في هذه الواجهة، بل عمد الى مقاومة الحماية الفرنسية مباشرة بالتشهير بسياستها واستنهاض الهمم للوقوف في وجهها، علاوة على محاولته الالتحاق بصفوف ثورة ابن عبد الكريم بالريف، ثم واصل مناصرته للقضية الوطنية التحررية مما عرضه لمضايقات وتعسفات…
هكذا تحولت السلفية في المغرب على يده من سلفية وهابية الطبع تبناها المخزن قبل الحماية كايديولوجية دينية في مقاومته لتمردات الطرقيين وثواراتهم الى سلفية وطنية مناضلة كونت الجيل الاول من رجال الحركة الوطنية المغربية وقدمت لهم الاساس الفكري العربي الاسلامي لتطلعاتهم النهضوية التحديثية ومواقفهم السياسية النضالية».
محمد زنيبر
فقيها مشبعا بالعلم التقليدي
ومتفتحا على العالم العصري

«… محمد بن العربي العلوي، نال منتهى التبجيل من الشعب بفضل موقفه الشجاع وجهاده الوطني ومساهمته الفعالة في معركة التحرير بالرغم من تقدم السن. ما فتئ الى قرب وفاته يكافح من أجل استقلال المغرب وعودة محمد الخامس الى عرشه، واقرار ديمقراطية حقيقة في البلاد. كان فقيها مشبعا بالعلم التقليدي ولكنه كان متفتحا على العالم العصري، ومدركا لتطلعات المغرب الجديد الذي طوى صفحة من تاريخه وبدأ أخرى مع بزوغ الاستقلال».
«… الرجل في زيه المتواضع المتقشف كانت تختفي حقيقته وفضيلته، فقد كان أديبا من كبار الادباء على الطراز التقليدي. يحفظ العديد من المقامات ويستحضر القصائد الشعرية من مختلف العصور، ويروي أخبار تافيلالت وعهد مولاي حفيظ.
على يد الرجل تلقيت أول درس في الادب العربي، وربيت ذوقي واكتسبت رصيدا لغويا لابأس به ، وكان له ضلع كبير في أدب الملحون.ويحتفظ منه بمخطوطات عديدة في خزانته…».
«لقد كان بن العربي ـ كما كتب عنه شارل اندري جوليان ـ أنه الرجل الحكيم الذي ضرب المثل في خلوص النية والشجاعة. قاد حياته تبعا لتعاليم القرآن الحرفية، فرفض الخضوع والاستسلام، ولو تحت التهديد، وسواء أكان في الوظائف السامية أم في المنفى، فقد أظهر دوما صرامة هادئة، مصحوبة بسخرية. قلما تحدث عن الادارة الفرنسية.
لقد كان من أولئك الرجال الذين قال عنهم ويليام مارسي، بأنهم كانوا يحملون شعورا بسيطا وعميقا بالكرامة الانسانية وهو الشعورالذي يدخل بعض اعلام المسلمين ويكسو حياتهم بطابع نبيل، ولم يساهم هو في ربط الجسور بين الدين والوطنية، بوصفه سلفيا أصبح استاذا فكريا للشباب..».
محمد العلوي الزرهوني
شيخ الاسلام مثال يهتدى وإمام يقتدى

«إذا غاب محمد بن العربي العلوي عن أعيننا، فمجالسه العلمية وأفكاره النيرة ومواقفه البطولية لم تغب عن قلوبنا، ولم تضمحل من أذهاننا. فهو حي وسيبقى حيا في قلوب الاحرار المناضلين، أنار عقولهم فصاروا أنوارا، ووطد عزائمهم فأصبحوا أبطالا، وهذب أخلاقهم فأمسوا خيارا، حمل مشعل السلفية الصالحة فكانت نبراسا أضاءت الطريق للجهاد، وأزالت ما كان عالقا في عقول العامة من الخرافات والتدجيل والاوهام، علم الناس كيف يكونون مسلمين صادقين، وكيف يكونون أحرارا مناضلين يأبون الظلم والاستبداد، ويرفضون الذل والهوان والاحتقار.
فالسلفية التي كان يدعو إليها لا تختلف عن التقدمية بكل معانيها الا في شكل القوالب التي يختارها لها رجالها، فهي حركة اصلاح المجتمع دينيا ووطنيا وخلقيا».
«… كانت لهجته قوية مقرونة بالتحدي، لاتأخذه في الحق لومة لائم. يتصدى للرجعيين من علماء الدين. فيقاوم الحجة بالحجة والدليل بالدليل. يرد عليهم في فهمهم للقضاء والقدر، لما رأى أن تفسيرهم تحريف عما يقصده الاسلام، وتزوير باطل لأصول الدين الواضحة… كان يحث الناس علي العمل البناء المثمر، وبذل الجهد والصبر حتى يتحقق النصر..».
«رحمك الله ياشيخ الاسلام، لقد أديت الامانة، ونصحت العامة، وجاهدت في سبيل الله، كانت سلفيتك في أفعالك مثل ماكانت في أقوالك، فلم ترد بها مالا ولاجاها ولامصلحة، كنت مثالا للنزاهة والعفة قانعا بما كسبته من حلالك، ناكفا عن زخارف الدنيا وبهجتها..، فلم تشيد قصرا ولارضيت أن يشيد لك قصرا، اكتفيت بذلك البيت البسيط ..، توزرت مرارا وتوليت مناصب عليا، وخرجت منها كما دخلت فلم تدخل لقمة الحرام بطنك.بدا ذلك في قوة عقلك وفي قوة ايمانك ، وفي قوة جسمك…».

أحمد زياد
صادقا مع نفسه ومصداقيا مع مبادئه

«… المرجع الوحيد والصحيح في تقييم هذه الشخصية هي الدروس التي كان يلقيها، والمحاورات التي كان يجريها والاحاديث العادية التي كان يتحدث بها، فمن خلال كل ذلك، يتأتى للملاحظ ذي الاحساس الدقيق ان يتبين الخطوط العريضة في عظمة الرجل.
والمرحوم الشيخ بلعربي العلوي كان سلفيا بمعنى السلفي الاصيل, لا سلفيا بالمعنى السلفي الدخيل، لم يكن سلفيا محترفا، وإنما كان سلفيا مبدئيا، كما لا أحتاج أن أقول: أن السلفية كانت ماتزال في علمنا الاسلامي تكتسي في بعض مظاهرها، صورة من صور الاحتراف الذي يكاد في بعض نماذجه يشكل نوعا من الاحتراف المهني.
الشيخ بلعربي العلوي، كان سلفيا مثاليا، فكريا ومنهجيا وأسلوبيا كذلك. قاوم وبشيء غير قليل من الصمود والثبات ماكان يطفو على الساحة في مجتمع يعيش فيه، أمرا واقعيا ينافي المبدأ السلفي ويناهضه بل أنه يمسخه ويسحقه إن أمكن له أن يمسخه ويسحقه».
«… كان رحمه الله صادقا مع نفسه ومصداقيا مع مبادئه، والالتزام بهذين الصفتين في محيط تكون فيه الفتنة الفكرية أشد من القتل، كان يتطلب الكثير من ضروب التضحية والصمود المستمر، ومن هنا فإنه رحمه الله لم يكن ليتأخر ولو لحظة عن الرفض لكل مظهر من مظاهر المسخ والتزوير والنفاق والرياء وتحرف الكلام عن مواضعه..».
«… ومن ثم فإن خصلة النفس الطويل هذه ، لايستطيع اكتسابها الا صنف متميز من الاشخاص، الذين يتصدون لنشر الدعوات، وتعد خصلة النفس الطويل هذه من خصوصيات الشيخ محمد بلعربي العلوي، تمسك بها وصاحبته وواكبت مسيرته النضالية في كل مرحلة من مراحل كفاحه، وفي ظروف كانت تحيط بها المحن والاهوال من كل جانب، ظل متمسكا بخصلة النفس الطويل حتى آخر نفس من حياته رحمه الله».
أحمد زيادي
من علمائنا القلائل الذين
لم يوفوا حقهم من العناية والدراسة

«… شيخ الاسلام محمد بن العربي العلوي، من علمائنا القلائل الذين لم يوفوا حقهم من العناية والدراسة، ومن الذين أغمظوا حقهم كذلك ، فيما كتب عنهم، لأن انجازاتهم واشعاعهم لم تفسر تفسيرا تاريخيا في ضوء معطيات وخصوصيات بيئاتهم وأزمانهم، ولأن ما كتب عنه هو خاصة ـ وهو قليل في حق الرجل ـ يقصر عن مداناة مكانته العلمية والوطنية، وعن مجاراة تجربته سعة تجربته وعمق تفكيره ووفرة عمله، وعن تفسير عبقريته وتعليل خلوده.
ولعل السبب يرجع الى أن ما كتب عنه، لايعدو أن يكون تجميعا لمعلومات متفرقة ، وروايات شفوية اخبارية لأقاربه وتلاميذه. وهذا عمل مطلوب ومفيد».
«… أثره عميق في تأصيل الوطنية المغربية وتسليحها بالمنهج السلفي المتحرر من رباق الاضاليل والخرافات والاوهام ، والمتجدد بطموحه وروحه ووسائل مدافعته، إذ على يديه تبلورت الدعوة السلفية لتصير ممارسة وطنية قبل نشأة الحركة الوطنية ولتصبح عاملا قويا في تحقيق الوحدة الوطنية والتضامن الاسلامي والقومي».
«… إنه بحق رجل قد اجتمع فيه من خصائص الرجولة، وصفات البطولة، وصدق الداعية وطموح الشباب ووعي العالم، ماتفرق في غيره من الرجال وانتشر في غير بيئته وزمنه…».
محمد الحمداوي
كان حربا على الخرافة

«… إذا أصبح ابن العربي من جهابذة العلم المدركين، وأعلامه المخلصين، فقد أدرك أن العلم بالعمل وأن عمل العلماء إنما هو في اصلاح نفوس الناس وتغيير ما بها حتى يغير الله ما بالقوم».
«… فرحم الله ابن العربي، كان حربا على الخرافة، قلت له ـ رحمه الله ـ ذات يوم وأنا معه رابع أربعة في مجلس الدارالبيضاء، وقد رأيت أن اشتط في حكم من الاحكام على طائفة من الطوائف : «أرى أن حكمك هذا يا شيخ قد بلغ في القسوة بحيث لا ينهض،اذا التمس له دليل في الكتاب والسنة»، فأجابني رحمه الله بقوله : «إنك لا تعلم ما علمت أنا من معاشرتي لهؤلاء الاقوام ، ما هم عليه من ضلال وتضليل».
علي يعته
الرجل المفكر المتدين، المحب لوطنه

«… كان ملتصقا بالشعب، ليس فقط في مطالبه وطموحاته ، بل وأيضا في حياته اليومية ونمط عيشه، فاكتسب بذلك صفات التواضع والاحترام وتقدير الآخرين والثبات على المواقف. إلا أن الشيخ محمد بن العربي العلوي عرف أكثر بجمعه بين الشجاعة والنزاهة.
الشجاعة، لإيمانه العميق بالحق والعدالة، فكان لا يخشى عواقب الجهر والصراخ بهما أمام أي كان، وفي كل الظروف، فكان بحق مدافعا صلدا من أجل المثل العليا التي كان يتمنى أن يرى شعبه منعما بها.
والنزاهة، لأنه كان لا يحب الالتواء،والا المساومة، ولا الخضوع للإغراءات مهما كانت، فيدافع بشجاعة عن مواقفه وأرائه، ليحتج بكل الوسائل في حالة حصول أي لف لا يستقيم مع مبادئه ونزاعته.
هذه الخصال، وما ذكرت الا بعضها، هي انعكاس من جانب آخر للرجل المفكر المتدين، المحب لوطنه،والغيور على تقدم وازدهار شعبه».
محمد ابراهيم الباعمراني
فرنسا لن تعط للمغرب حريته إلا بالعنف

«… وهو في المسجد ، كنت أسأله عن الطرق والسبل التي يمكن للمغرب اتخاذها ليحصل على استقلاله ، هل هي طرق سياسية سليمة للتفاوض أم طرق العنف والنضال ، وكان يجيبني دائما، أن فرنسا لن تسلم للمغرب استقلاله وسيادته إلا قهرا .. وأن فرنسا لن تعط للمغرب حريته إلا بالعنف. لهذا يجب التفكير في العمل في هذه المسألة، لأن الانسان إذا فكر في القيام بعمل ولم ينجزه فهو فاشل, وإذا قام بعمل بغير سابق تفكير ، فهو فاشل كذلك، لهذا علينا التفكير والتركيز ثم القيام مباشرة بالعمل المنشود».
حسن العرائشي
الخلايا الأولى لحركة المقاومة
من رواد حلقات شيخ الاسلام

«… واصل شيخ الاسلام رحمه الله، عمله الجاد في توجيه الجماهير المؤمنة بدروسه القيمة. فكانت الجماهير تغادر المسجد وهي أشد اصرارا على مقاومة المشعوذين، وللحقيقة والتاريخ، فإن الخلايا الاولى لحركة المقاومة كان معظمهم من رواد حلقات شيخ الاسلام المرحوم سيدي محمد بن العربي العلوي».

علال الفاسي
رجل الجرأة والإقدام والثبات

«… لهذا الرجل من الجرأة والاقدام والثبات ما جعله يلاقي نجاحا كبيرا واقبالا عظيما، وقد دخل الريف في حرب فرنسا ونحن من حول استاذنا نعمل لهذه العقيدة ونجاهد في نشرها».
عبد الرحمان القادري
عمل على تكريس الملكية الدستورية الديمقراطية

«… وبعد انتهاء عهد الحجر والحماية، أكد من خلال مواقفه الثابتة أنه كان ومايزال بجانب القوى التي تعمل من أجل تغيير الهياكل، لكي يتمكن المغرب من تحقيق اقلاعه الاقتصادي وتوزيع الدخل القومي توزيعا عادلا وتكريس الملكية الدستورية الديمقراطية..».
محمد المختار السوسي
اللقاء بشيخ الاسلام

«… وجدت في دروس شيخنا المفكر سيدي محمد بن العربي العلوي بفاس مادة كبرى، وقد درست عليه الكامل والمعلقات وغيرها كديوان الحماسة, ثم بعدما يتحدث عن نموه الادبي يعود ليقول : ثم ظل ذلك ينمو حتى لاقيت شيخنا ابن العربي العلوي بفاس فلقح ذلك بالادب العصري».
عمر المتوكل الساحلي
مواقفه الشجاعة

«… كثيرا ما كان ينوه بموقفه الشجاع أمام اللجنة التي كونت في أوائل الاستقلال لاعداد لائحة الخونة والمتعاونين مع الاستعمار أيام الازمة المغربية، وذلك عندما ورد اسم المحدث الكبير سيدي المدني بن الحسن الرباطي ـرحمه الله ـ في تلك اللائحة إذ قال وبكل قوة : «معاذ الله أن يكون سيدي المدني خائنا لوطنه ومن العار أن يرد اسمه بين أسماء الخونة ، ثم أضاف مباسطا وملطفا الجو ، ولكن عندما تهيؤون لائحة الجبناء ، فلابأس أن تدرجوا اسمه فيها..».
عبد الكريم غلاب
أبى أن يبايع ابن عرفة

«… الشيخ محمد بن العربي العلوي الداعي الاول للسلفية، وقد اضطهد عدة مرات لتضامنه مع الحركة الوطنية، ورغم أنه كان وزيرا للعدل في بعض الفترات, فقد عزل من منصبه لأنه تضامن مع الاستقلاليين واعتقل ونفي سنة 1953 لأنه أبى أن يبايع ابن عرفة بعد أن عزل الاستعمار محمد الخامس».

الوظائف التي تولاها الشيخ من عدل إلى وزير مستشار بمجلس التاج
تخرج محمد بن العربي العلوي من «جامعة القرويين» متوجا بأعلى شهادة تمنحها الجامعة آنذاك، بعدما أنهى دراسته بها سنة 1912، فكانت أول وظيفة أسندت إليه، هي تعيينه «عدلا بأحباس فاس الجديد» في آخر نفس السنة، ثم رئيسا للاستئناف الشرعي الأعلى بالرباط عام 1928، ووزيراً للعدل ابتداء من سنة 1938.
كما أن الشيخ محمد بن العربي العلوي اختير «أستاذا ومربيا لأبناء الأسرة الملكية منذ العهد الحفيظي»، بل يرجح محمد الوديع الآسفي أن يكون تواجد هذا الشاب الوطني الغيور قرب مولاي عبد الحفيظ عقب التوقيع على معاهدة الحماية في تلك المرحلة الصعبة، كان من جملة الأسباب التي دفعت بالملك المحاصَر إلى التنازل عن العرش، بعدما استشار، واطلع، وشاهد غضب الجماهير في كل أنحاء البلاد.
وكان الفقيه ابن العربي يُضرب به المثل في النزاهة والعدل في القضاء في فترات كان الارتشاء والمحسوبية أمرا عاديا، بل أصبح يضرب المثل بنزاهته بين قضاة قبائل الأمازيغ في أحواز فاس فكان يقال: «هذا ما توصّلت إليه من حكم وليس في استطاعتي مع الأسف أن أُحضر القاضي ابن العربي للحكم في قضيتك».
كما أسندت إليه أيضاً وظيفة أستاذ بثانوية مولاي إدريس بفاس، حيث وجد هناك شبابا متفتحا حبب إليه دراسة الثقافة العربية، وخلال هذه المدة كان يتطوع لإلقاء دروس بالقرويين، فاجتمعت حوله ثلة من شباب الثانوية الإدريسية، وأخرى من شباب القرويين، في طليعتهم علال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، وغيرهم كثير، من الذين أصبحوا قادة المغرب فيما بعد وساروا على دربه.
ومن الوظائف التي تقلدها في عهد الاستقلال، منصب «وزير مستشار بمجلس التاج»، الذي ظل يشغله حتى سنة 1960.

4/27/2013

‫شاهد أيضًا‬

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء .

النص الكامل للخطاب الملكي السامي : “الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله …