أخيرا تحركت النيابة العامة، وأصدرت بلاغا في موضوع الاعتداء الوحشي، الذي تعرض له أحد الأشخاص في فاس من طرف جمهرة من الناس، متهمين إياه بـ”الشذوذ الجنسي”. وكان البلاغ، هذه المرة، ملتزما بالقانون، حيث اعتبر أنه لا يحق لأي شخص الادعاء بأنه سينوب عن القضاء في تطبيق القوانين، في حالة ما إذا كان الأمر يتطلب ذلك.
لابد أن نستحضر السياق الذي حصلت فيه هذه الأحداث، وهي متعددة، أهمها، وهو مازال حاضرا في الواقع، التجمهر الذي تم ضد الفتاتين في إنزكان، واعتقالهما من طرف النيابة العامة، قبل متابعتهما بتهمة الإخلال بالحياء العام. ولا يمكن لهذا القرار من طرف النيابة العامة إلا أن يعتبر تشجيعا للجمهرة، التي تعتقد أنها مسؤولة عما تعتبره تطبيقا للأخلاق.
لكن الأخطر من كل هذا هو سكوت النيابة العامة عن تناسل الخطاب التكفيري، الذي يتضمن بشكل واضح الدعوة إلى العنف والكراهية والتطرف، وهي أفعال إجرامية، يعاقب عليها القانون، غير أن الجهة المسؤولة عن تطبيق القانون فضلت التواطؤ.
أدى هذا الواقع إلى التطبيع التدريجي مع خطاب التطرف، حيث أصبح عاديا أن يخرج الظلاميون في فيديوهات يسبون من أرادوا، ويتهمون المختلفين معهم في الرأي بالكفر والإلحاد، ويقيمون محاكم التفتيش على مواقع التواصل الرقمية، وينصبون أنفسهم سلطة دينية وقانونية وأخلاقية، بتشجيع واضح وجلي من طرف مختلف التيارات الأصولية.
وبالإضافة إلى صمت النيابة العامة، فإن سكوت عدد من الأطراف السياسية والحقوقية وغيرها من الهيئات، شجع الظلاميين على التمادي في نشر ثقافتهم الرجعية، التي لا تختلف في شيء عما نطلع عليه من ترهات “داعش”، وكذا من طرف منظري المطاوعة وميليشيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض بلدان الخليج.
هذا هو الواقع الذي أدى إلى أن يكتسح الفضاء العام، بشكل تدريجي، خطاب وسلوك التشدد الذي تجاوز حدود التعبير الإعلامي، حيث انتقل إلى الشارع، وعرف عدة تمظهرات، من قبيل مهاجمة فتيات بسبب ما يعتبر “تبرجا”، بشكل واضح من طرف أشخاص ملتحين، يعطون لنفسهم الحق في التعرض للنساء بالسب والتشنيع، لأنهم يعرفون أن لا أحد سيحاسبهم على ذلك.
وكيف سيحاسبون إذا كان وزير العدل نفسه، يبرر رأيه في مسودة القانون الجنائي، حول الإفطار العلني في رمضان، بموقف الجمهرة من هذا السلوك، مما يمكن أن يفسر من طرف المتشددين أنه تزكية لسلوك المطاوعة ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سلوك الجمهرة، لا يمكن أن يكون مرجعا قانونيا وأخلاقيا، فقد جربه رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران عندما هاجمه المعطلون، وكذلك جربه عدد من الوزراء في خرجات عمومية، ولا يمكن أن يعتبر نموذجا جيدا لتبرير موقف سياسي أو أخلاقي أو قانوني.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 2 يوليوز 2015