بعد انصرام حوالي أربع سنوات من عمر حكومة بنكيران- والتي تميزت بسلسلة من الفضائح والمهازل وبالإجهاز على العديد من مكتسبات الشعب المغربي في عدد من المجالات الحيوية وبتراجع تصنيف المغرب في التقارير الدولية…- فقد أصبح واضحا أن هذه الحكومة تقود البلاد- بوعي أو بدونه، لكن بإصرار- إلى المجهول.
ولصياغة عنوان هذا المقال النقدي لعمل الحكومة، فقد اخترنا أن نقتبس من القرآن الكريم كلمتين لهما حمولة دلالية كبيرة من الناحية الدينية. وقد وجدنا فيهما التعبير الأمثل لتوصيف الحالة بالبلاد مع الحكومة الحالية والميزان الأنسب للحكم، سياسيا، على حصيلتها التدبيرية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي وغيره. وما يعطي لهذا الحكم أهميته، كون ولاية حكومة بنكيران قد شارفت على نهايتها وأصبح، بالتالي، من الممكن إخضاعها للتقييم انطلاقا من معطيات يوفرها الواقع المعاش وتتيحها تقارير المؤسسات الوطنية والدولية.
وبما أن الحزب الأغلبي لا يكف عن ادعاء المرجعية الإسلامية، فإن الجانب الديني في الحكم على عمل الحكومة النصف ملتحية، أصبح من الضروري استحضاره هو أيضا. وهذا ليس معناه أننا سندخل في التفاصيل وسنحاكم الحكومة في كل المجالات التي ذكرنا؛ فهذا أمر لسنا مؤهلين له، وهو متروك لأهل الاختصاص.
لكن، اعتبارا للانعكاسات السلبية لقرارات الحكومة الحالية على كل المجالات المشار إليها، فإننا نعتبر عملها فاشلا على كل المستويات وبكل المقاييس؛ ونعتبر تدبيرها من بين أسوأ ما عرفه المغرب المستقل، رغم انبثاقها من صناديق الاقتراع ورغم توفر البلاد على دستور جديد، ارتفع فيه منسوب الديمقراطية بشكل كبير. ولذلك سميناها “حكومة الأخسرين أعمالا“.
وهؤلاء الأخسرون أعمالا لا يكفون عن الحديث عن انجازاتهم “وإصلاحاتهم” التي يفوح منها طعم الإفساد أكثر من أي شيء آخر. ومع ذلك، يتبجحون ويتباهون بها ويطالبون من الناس أن يقروهم عليها. ولهذا، استلهمنا الآية الكريمة التي يُلمِّح إليها العنوان (“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”) للحكم على عمل حكومة بنكيران.
ولا نرى في سلوك هذه الحكومة وعملها إلا ما يفيد الخسران والضلال؛ خاصة وأن ما تدعيه، بزهو وعنجهية، من إصلاحات يكذبه الواقع وتفنده المعطيات. مما يعني أن ما يتوهمه أعضاء الحكومة من حُسْن صنيع، إنما هو إيهام للناس(وربما لأنفسهم أيضا) بذلك؛ بينما واقع الحال يؤكد أننا أمام حكومة، رئيسها وأعضاءها يقولون ما لا يفعلون؛ بل ويعملون عكس ما وعدوا به أو التزموا به أمام المواطنين، ويصرون على السير بالبلاد القهقرى. ومع ذلك، يسمون هذا إصلاحا. وبذلك، فقد أصبحوا، في نظرنا، من “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا”، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا…أما من الناحية الدينية، فالله أعلم بمآلهم؛ وإن كنا نرى أنهم، بتوظيفهم للدين لأغراض سياسية ضيقة، فلن يكونوا إلا من “الأخسرين أعمالا”، حتى في الآخرة.
وليست المرة الأولى التي نتناول فيها التناقض بين ما تقوله الحكومة وبين ما تقوم به؛ ذلك أن هذا السلوك يكاد يلازمها. فعادة ما تقول شيئا وتفعل عكسه (أو تفعل شيئا وتدعي عكسه)؛ مما جعلنا نستلهم قوله تعالى:” كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ”، فكتبنا مقالا بعنوان “هل أتاكم حديث حكومة كبر مقتها عند الله…؟؟ !!! “(جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، يوم 16 مارس 2015). وقد ركزنا فيه على التناقض الصارخ بين ما تدعيه الحكومة من كونها تعمل لصالح الفقراء والمحتاجين وبين ما تتخذه من قرارات وما تقوم به من إجراءات تنعكس سلبا على هؤلاء في ظروفهم المعيشية وحياتهم اليومية. وهذا جور وضلال وخسران، سواء نظرنا إليه بالمعيار الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو الحقوقي؛ بل وحتى الأخلاقي.
ولا بد أن نعلم أن من لم يتورع عن استغلال الدين لأغراض شخصية، فلن يوقفه أي شيء عن استغلال كل شيء. ولهذا، لا نستغرب ما أبان عنه الحزب الذي يقود الحكومة من انتهازية مفرطة، جعلته لا يتردد في أن ينسب لنفسه نتائج مجهودات غيره، كما يفعل، مثلا، في موضوع الاستقرار السياسي بالمغرب، الذي يحاول أن يبتز به الدولة والمواطنين معا. فهو يعتبر الاستقرار الذي ينعم به المغرب إنجازا حكوميا؛ بينما، في واقع الأمر، هم ليسوا سوى مستفيدين منه، ولا يد لهم في تحقيقه وتحققه؛ إذ لم يفعلوا أكثر من السطو على هذا الرأسمال الرمزي للمغاربة، فنسبوه لأنفسهم ويريدون أن يُشْكَروا على ذلك وأن يُحمدوا عليه. وقد عبرنا عن هذا السلوك الانتهازي الفج في مقال بعنوان”حكومة الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا” (انظر الموقع الإليكتروني”إكسير“).
وإذا سمينا، اليوم، حكومة بنكيران بـ”حكومة الأخسرين أعمالا”، اعتمادا، مرة أخرى، على نص قرآني، فلكون التوصيف الذي يتيحه هذا المتن المقدس لصنف المسؤولين الذين ابتلي بهم المغرب بعد موجة ما سمي بـ”الربيع العربي”، لهو الأنسب والأفضل. إن ما يقترفه هؤلاء من آثام في حق الفئات العريضة من هذا الشعب (الذي خدعوه بشعارات تنكروا لها جملة وتفصيلا)، وبالأخص الفئات الفقيرة والمستضعفة منها، إنما هو الضلال بعينه؛ كما أن تباهيهم بما يعتبرونه “منجزات”- والتي تضرب في العمق مكتسبات الشعب المغربي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي…- لدليل على أنهم يعتبرون ضلال سعيهم هذا من حُسْن الصَّنيع. وهذا، لعمري، الخسران المبين !!
ففي المحصلة، هم يدفعون بالبلاد إلى حافة الإفلاس؛ وذلك بتبديد رأسمالها الرمزي والمادي. وهل هناك من هو أخسر عملا وأخيب سعيا من المفلس، بالمفهوم الذي ورد في الحديث النبوي الشريف وبالمفهوم التجاري، أيضا؟ وهل هناك أضل سعيا من الذين يرتكبون الآثام ويعتبرونها أعمالا حسنة؟ أليس هؤلاء هم الذين قال فيهم الباري عز وجل: :”الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”؟ أليس هذا هو حال “بنكيران” وفريقه الحكومي وحزبه الأغلبي؟…ألا يستحقون، من أجل ذلك، أن نسميهم بـ”الأخسرين أعمالا”؟ !!
*الاربعاء 1 يوليوز 2015