يتردد في الفترة الأخيرة مصطلح “الذئاب المنفردة”، لوصف الأشكال الجديدة من الخلايا الإرهابية، المرتبطة على الخصوص بتنظيم ما يسمى ب”الدولة الإسلامية”، المعروف بداعش”، في إشارة إلى أن العناصر التي تشكلها، تقوم بهذا النشاط الإجرامي، بنوع من الانفصال التنظيمي واللوجيستيكي، عن المراكز القوية التي تدعمها.
فهل هذا صحيح؟ لمناقشة هذه النظرية، من المفيد استحضار التجارب الإرهابية التي عرفها العالم، في العقود الأخيرة، والتي تؤكد في مجملها، أنه باستثناء خلايا صغيرة ومنعزلة، فإن هذه التنظيمات لم تكن قادرة على القيام بأنشطتها الإجرامية وبالخصوص الاستمرار في ارتكابها، لولا الدعم المالي واللوجيستيكي والاستخباراتي، الذي تقف وراءه قوى أكبر منها.
لا يمكن تصور أي تنظيم إرهابي، يتخذ الشكل الذي اتخذته خلايا “داعش”، بقدرتها على تنسيق عملياتها عبر بلدان متعددة، مثل تونس والكويت وفرنسا، في نفس التوقيت، دون أن تكون لها خلفية قوية للقيام بالتنسيق الضروري. هناك قاعدة لإدارة العمليات تخطط وتنسق وتختار التوقيت والمكان، وتتصل أيضا بالمنفذين في مختلف البلدان، فكيف تنجح في ذلك، وتفلت من المراقبة الشديدة، لكل وسائل الاتصال الهاتفية والرقمية؟
هل تتوفر على وسائل اتصال قادرة على اختراق الحصار والمراقبة التكنولوجية المتقدمة التي تتوفر عليها الولايات المتحدة الأمريكية مثلا؟ هل تصل التعليمات بوسائل مشفرة، علما بأن أعقد الشفرات تفك رموزها من طرف المخابرات، أم هل تتم الاتصالات بوسائط وأساليب متعددة يصعب تقفي أثرها، وهناك أشخاصعابرون للقارات، يتحركون حاملين الدعم والتوجيه؟ فكيف يتحركون وبأية جوازات؟
في جميع الأحوال، ليس هناك “ذئاب منفردة” تعمل لوحدها، بل خلفها تقف تنظيمات واتصالات وعلاقات وتوجيهات، وقد سميت بهذا الاسم، لأنها تتحرك في إطار خلايا صغيرة جدا، بينما الخيط الذي يربطها بالتنظيم الأم، يتلاشى بسرعة، لأنه يشتغل بمهنية عالية، لا تتوفر إلا في الشبكات القوية والمدربة العابرة للقارات. مسألة أخرى لها أهمية في أنشطة هذه الخلايا هي مصدر السلاح، الذي لا يأتي كله حتما من المخازن التي تركها القذافي، لأن هناك مجموعات بعيدة عن ليبيا، كما أن هناك أنشطة إرهابية انتشرت قبل سقوط هذا النظام. ومن المعروف أن كل السلاح المتطور المصنوع في العالم، يعرف مصدره.
بالإضافة إلى هذا البعد اللوجيستكي/التنظيمي، هناك البعد السياسي، الذي تبدو فيه مسؤولية دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق من طرف تركيا وبعض الدول الخليجية والغربية، واضحة.
لذلك فإن مواجهة الإرهاب الداعشي، لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل أيضا سياسية، هناك دول تتحمل المسؤولية في توظيف هذه التنظيمات، في إطار مصالحها ومواقفها ومخططاتها، وهي من ينبغي أيضا فضحها وإدانتها، وفتح تحقيقات دولية حول تورطها.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 29 يونيو 2015