ضرب الإرهاب الجمعة الماضي ثلاث دول وأزهق أرواح أبرياء ببشاعة وأراق دماءهم غدرا. ولوث أجزاء جديدة من صورة الإسلام.. الدين الذي يدعو إلى الرحمة وإلى التآخي بين الشعوب . اختار الإرهاب مسجدا بالكويت ليقتل الناس وهم سجود للخالق في صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان. وتسلل بين مصطافين عزل بشاطئ تونسي ليحول إجازتهم إلى مآتم ، وسعى إلى تدمير أحياء سكنية بأحد مدن فرنسا وذبح رجلا ومثل برأسه بهمجية.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي امتدت إلى أحد رموزه، يد الغدر الارهابي، يدين بشدة هذه العمليات الارهابية ويتضامن مع ضحاياها، أيا كانت جنسيتهم أو ديانتهم أو معتقداتهم .
باسم الإسلام تم تنفيذ هذه العمليات تماما كما هو الشأن في أحداث أخرى عرفتها عشرات المناطق من العالم، وبالتأكيد ستشهدها أخرى . باسم الاسلام وتحت راية كتبت عليها الشهادتان يتم قتل الناس وحرقهم وذبحهم وإغراقهم … إلى درجة أن العالم اليوم لم يعد يرى في هذا الدين السمح إلا فكرا دمويا تستهويه إبادة الابرياء والتلذذ بموتهم. باسم الإسلام، ولنقل تحديدا باسم قراءة متخلفة ظلامية لروح الإسلام، ترتكب مجازر رهيبة تتخذ لها أرضية انطلاق ما يسمى ب” داعش” كما كانت بالأمس ولاتزال ” القاعدة” ولهما امتدادات في مختلف بقاع العالم.
كيف تم إنتاج آلات القتل هاته؟ من أي منابع يشرب هؤلاء وأي أحلام تراودهم جماعات وفرادى؟ تتعدد القراءات للإجابة عن هاته الأسئلة وغيرها. لكن الظلامية فكر يتغذى من مجالات متعددة ويستقطب إليه ليس بالضرورة الفقراء والبسطاء، ولكن من كل المستويات والطبقات ، وله “محطات وقود ” يتزود منها و”حمامات ” يتم فيها غسل الأدمغة ويضبطها على إيقاع واحد : شهية القتل بكل الوسائل ، وإيهامها أن هناك ملذات لا حصر لها تنتظر القاتل في العالم الآخر.
من “محطات الوقود ” نذكر هاته البنية من “الشيوخ” الذين امتهنوا تكفير الناس والتحريض عليهم، وإصدار فتاوى تبيح دماءهم ، وتقديم قراءات خاطئة لآيات كريمة منتزعة من سياقاتها التاريخية والدينية وأحاديث نبوية ضعيفة في نسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم . وأصبح كل من يطلق لحيته ويلطخها بالحناء، مرجعا ومصدرا موثوقا وما هو في الحقيقة إلا عنصر من قبيلة الدجالين ، ضحال التفكير والمعرفة الذين فشلوا في الحياة الدنيا وراكموا من العقد النفسية ما خلق لهم كميات من الحقد في صدورهم ينفثونه في كل مناسبة .
في المغرب اليوم هناك العشرات من هؤلاء الجهلة بالدين الذين يستغلون مساجد ومواقع إلكترونية ليكفروا الناس وينشروا الدعوة للتطرف، ويجمعون الأموال ولو من بيع المواد الفاسدة ليمولوا داعش والقاعدة. وإن أفلحت الأجهزة المختصة في تفكيك بعض من هذه البنية وفي الحماية المستمرة للمنشآت عبر “حذر” ، فإن هناك سلطات أخرى لا تبادر لملاحقة قضائية لدعاة هذا الفكر وغلاته بالرغم من أنهم ينشرون خطبهم على صفحاتهم الإلكترونية.
في المغرب هناك أشخاص سمحوا لأنفسهم بأن يمارسوا سلطا هي للدولة ، وأن يمنعوا مصطافين من السباحة وأن يحاكموا فتيات في السوق العام لأنهن لم يستجبن لطلباتهم وأن يمنعوا زواجا أو ينشروا فرق ” أمر بالمعروف” في أحياء سكنية … لكن هناك تساهل مريب من طرف المسؤولين الذين يجب عليهم تحريك المتابعة، ووضع حد لهذا التسيب الذي يتسع يوما بعد يوم.
إن الإرهاب وفكره يقتاتان من هذه الحالات ويسعيان إلى استغلالها لاستقطاب أتباع له بإغرائهم بأفكار متحجرة ، الدين الاسلامي منها براء تماما كما يتغذى من الخطابات التي تستغل الدين الإسلامي لأهداف سياسوية صرفة.
إن معركة مواجهة آفة الارهاب اليوم أصبحت متعددة الواجهات، واليقظة والحذر يجب أن يكونا شعار المرحلة . وملاحقة المحرضين على العنف والداعين للفتنة يجب وضع حد لدعواتهم اليوم قبل الغد .
“اللهم احم بلدنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن”.
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاثنين 29 يونيو 2015