فقد الاتحاديون بفرنسا أحد أهم مناضليهم في العقود ألأخيرة بالخارج، عبد السلام نعمان الذي أخذته المنية منهم بغتة. وظل وفيا للعائلة الاتحادية طوال حياته، وكانت ردوده دائما واضحة، عندما يغضب أحد الاتحاديين، أو يتلقى الاتحاد ضربة من الضربات التي كان يتلقاها عادة خلال مسيرته الطويلة، كان دائما رده واضحا «المناضل الاتحادي لا يتخلى أبدا عن المعركة». كانت هي شعاره من أجل إعادة الامل الى المناضلين كلما غمرهم اليأس. كان مناضلا متفائلا بطبعه رغم كل الاحباطات.
ورغم أن المرض أبعده عن متابعة أعمال الكتابة الإقليمية وفرع باريس في السنوات الثلاث الأخيرة، ظل عبد السلام نعمان يشارك في النقاشات الالكترونية لرفاقه ويتابع أحوالهم.
آخر رسالة بعث بها كانت في شهر ماي، يهنئ فيها الرفيق سعيد زغلول عضو الكتابة الإقليمية بفرنسا والذي تم تعيينه كممثل لوزارة العدل بجزر طايتي الفرنسية في المحيط الهادي» قائلا: « أتصور إحساس الفخر الذي يغمرك بعد أن وصلك هذا الخبر السار، مبروك عليك عزيزي سعيد».. كانت هذه آخر رسائله الالكترونية التي وجهها للكتابة مهنئا فيها أحد رفاقه قبل أن يغادر هذا العالم. عندما تم نقله الى مثواه الأخير بمقبرة مون مارتر بباريس، حضرت عائلته الصغيرة: رفيقة حياته عزيزة الحنصالي، وأبناؤه مهى ووليد وأخته الزهرة الى جانب عدد من رفاقه الاتحاديين وبعض المناضلين اليساريين بالإضافة الى رفاقه الفرنسيين ، خاصة زملاءه في نقابة «السيف دي تي «الفرنسية بمونديال اسيسطونس والذين حضروا بكثافة لتوديعه الى مثواه الأخير. « أبيل كان رجل قناعة يدافع عنها بدون تردد وبصلابة، ورغم معارك الأفكار أحيانا كان أبيل دائما متشبثا بالعمل الجماعي والذي كان وفيا ومنتميا له باستمرار حتى عندما لا تنتصر أفكاره» يقول رفيقه دومينيك لوي في شهادته وهو منسق وطني لنقابة سيف دي تي اسيسطانس.
بالنسبة لإبراهيم أوشلح فإن هذا الغياب شغل «العديد من المناضلين الاتحاديين، يتحدثون عن الفقيد عبد السلام. التقيت أمس بالطيب بناني المدير السابق للمدرسة المحمدية للمهندسين، والرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، تحدث مطولا عن تعرفه على عبد السلام النعمان، في أحلك ظلمات سنوات الرصاص سنة 1973 ، يتذكره هو وزوجته عزيزة الحنصالي وهما يترددان على مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، آنذاك يتابعان دراستها في العلوم السياسية، شابان يكتشفان الحياة، يتعطشان للمعرفة لكن همهما الوحيد كان هو مصير هذا الشعب ومصير البلاد. يناضلان يوميا، يوزعان المناشير، ينظمان الطلبة، ويتكونان سياسيا في نفس الوقت. هكذا كان يتذكره الأستاذ الطيب بناني.»
ويضيف إبراهيم اوشلح «خلال زيارتي لبيت الفقيد، تحدثت مع أخته فوزية عن نعمان، ذكرت لي كيف تم اختطافه وإخفاؤه سنة 1973 وبقيت العائلة بدون أية اخبار عن مصيره، هل هو على قيد الحياة؟ أم هو يعاني من جحيم ما كان معروفا عن وسائل التعذيب التي كانت آنذاك؟ بعد سنتين طرق الباب وفتحت له أخته كان في حالة متدهورة، بعد أن أطلق سراحه من معتقلي درب مولاي شريف والكوربيس ( مطار انفا)، وألقي به في الشارع، واستعمل وسائله الخاصة للوصول الى منزله بالرباط. عانق أخته وكان سؤاله الأول هل نجحتي في الامتحان؟. رجل يقضي سنتين في الجحيم همه الوحيد مستقبل أخته. هكذا كان نعمان عبد السلام.»
«بعد انتقاله الى فرنسا استمر في ممارسة حياته النضالية، سواء في الجانب النقابي او النضال الديموقراطي والحقوقي ،وكان أحد مؤسسي فرع جمعية كونفيرجونس، وكان احد المناضلين الاساسيين بجمعية الوصل والاتحاد الاشتراكي بباريس وفرنسا. وقد ترك عند المناضلين صورة ناصعة بتدخلاته الرزينة والهادئة حيث كان يقنع الاخرين دون أن يفرض عليهم رأيه. ساهم أيضا في تطوير العمل الحقوقي المغرب وقدم شهادة أمام هيئة الانصاف والمصالحة، وساهم في النقاشات التي سبقت تأسيس المجلس وساهم بنقاشاته في مختلف مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي التي شارك فيها. وكان بين عمله النقابي والحقوقي ، يتحمل مسؤولية عائلته الصغيرة مع تفانيه في العمل في وظيفته.» يقول عنه عباس بودرقة.
بالنسبة لعبد الحفيظ امزيغ: عبد السلام نعمان تميز بكونه مناضلا جد كتوم. كما كان متعففا ومتواضعا، لا يتحدث عن فترة التعذيب والاعتقال، وظل مناضلا ولم يطالب بأي شيء.
في فرنسا استمر في النضال من أجل الحقوق والديموقراطية بالمجتمع المدني وكذلك بالاتحاد ألاشتراكي وكان عضو الكتابة الإقليمية لسنوات طويلة. وهو مناضل نقابي كبير بفرنسا ومن خلال ذلك تحمل عدة مسؤوليات آخرها كان عضوا بمحكمة الشغل بفرنسا.» ورغم مرضه في السنوات الثلاث الأخيرة، ظل مواظبا على عمله يقول عبد الحفيظ أمزيغ.
«بالنسبة لنا عبد السلام نعمان الذي اقتسمنا معه جزءا من الطريق، سواء في النضال السياسي أو الحقوقي، كان دائما رجلا متفائلا، حتى عندما أجرى آخر عملية جراحية معقدة والتي لم يكن أحد يعرف نتائجها، بعث لنا عبر البريد الإلكتروني رسالة إلكترونية قبل العملية يعبر فيها عن تفاؤله رغم صعوبة العملية.. هكذا كان عبد السلام نعمان، يقول صلاح المانوزي في كلمته التأبينية بمقبرة مونبارناس أمام أصدقائه وعائلته في مراسيم دفن جثمانه.وخصص عبد السلام نعمان حياته للعمل وللآخرين، فحياته كلها كانت مخصصة للعمل من اجل الآخرين وحتى حياته المهنية سيطر عليها العمل النقابي الى غاية أنه اصبح مداوما بالنقابة الفرنسية «سيف دي تي» في مؤسسته مونديال اسيسطانس. وعبد السلام نفسه «مونديال أسيسطانس» في حد ذاته، يساعد الجميع، يغيث الجميع، ويعمل على مساندة الآخرين.» يقول إبراهيم اوشلح.
« برحيله فقد الاتحاد الاشتراكي شخصية كبيرة معروفة بقيمها الانسانية الكبيرة، وبوطنيتها الصادقة، ونضاليتها وبدون تنازل عن قيم الحرية، الديموقراطية والاشتراكية» تقول نزهة الشقروني سفيرة المغرب بكندا في رسالة تعزية الى اسرة الفقيد.
في مساره النضالي تعرض عبد السلام النعمان الى الاعتقال والتعذيب سنة 1973 في معتقل كوربيس بمطار انفا» لم يكن عبد السلام من النوع الذي يتبجح أو يستعمل ماضيه النضالي من أجل المطالبة بأي شيء، بل بالعكس، كانت له عفة كبيرة، لا يتسابق من أجل المسؤوليات ولا يتحدث أبدا عن معاناته كمعتقل سابق. وذكر لي فقط خلال اعتقاله في مطار أنفا سابقا، الذي حولت مستودعاته الى معتقل سري كبير لإيواء آلاف المناضلين الاتحاديين الذي اعتقلوا آنذاك والذين ملأوا سجون المغرب. ولصغر سنه، كلفه الجلادون بمهمة توزيع وجبات الاكل على المعتقلين، وكان بإمكانه التنقل من مستودع لآخر. فحول هذه الوظيفة الى مهمة لوجيستيكية حيث كان ينقل الاخبار والأوامر والتعليمات من قيادي الى آخر ومن مجموعة الى أخرى داخل المعتقل، مخترقا بذلك العزلة التي حاول الجلادون فرضها على المعتقلين في ما بينهم . وأصبح «مول الكروسة»، كما سماه رفاقه آنذاك ضابط اتصال»، يقول إبراهيم اشلح.
هذا الاعتقال الذي تعرض له جعله ينتمي لجيل 1975، وهو الجيل الذي حمل مشعل النضال من أجل الديموقراطية بالمغرب، ولم يتأثر باغتيال عمر بنجلون سنة 1975 وظل ملتزما من أجل لمغرب حر، ديموقراطي واشتراكي. كان يقول لنا دائما إن المناضل لا يتخلى أبدا مهما كانت التضحيات رغم كل الصعوبات وكان ذلك هو شعاره « يذكر صلاح المانوزي في كلمته التأبينية بمقبرة مون بارناس. قوة العزيمة هذه احتفظ بها حتى بعد مرضه في السنوات الأخيرة» فأثناء مرضه ظل يتردد على مكتبه ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم من خلال العمل، وقاوم هذا المرض من خلال استمراره في العمل، وظل مقاوما حتى النهاية يقول عبد الحفيظ امزيغ.
ظل عبد السلام نعمان طوال حياته يمثل المناضل الاتحادي المثالي في سلوكاته: بنضاليته، بعفته، بتواضعه وإخلاصه للحركة الاتحادية. كان دائما حاضرا في كل المبادرات الاتحادية التي تتم بفرنسا سواء على المستوى الحزبي أو الجمعوي.
في هذه الظروف أتيح لكاتب هذه السطور أن يتعرف على عبد السلام نعمان، ولم يغير الزمن والظروف والصراعات التي تعرض لها الاتحاد من موقفه. هكذا عرفنا نعمان وهكذا سوف نحتفظ به في ذاكرتنا…
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الثلاثاء 23 يونيو 2015