ان مسألة الفقر كظاهرة اجتماعية لازمت الانسان مند نشأته الى ان يرت الله الارض و من عليها , لكن اغلب الناس يكرهونه الا من رحم ربك و اتاه بقلب سليم يقبل بها طوعا و ايمانا منه انها من عند الله . و من الناس ايضا من اكره على القبول به لم يسعفه الحظ للخروج منه بعد استنفاد جميع الوسائل و بات عاجزا للخلاص من هاته الافة . اما الغنى فيميل اليه الانسان بطبعه , يحب المتعة و جميع ملذات الحياة بنزواته النفسية وحب الشهوات ((زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) سورة ال عمران .
ا هذا فقد حظيت ظاهرة الفقر باهتمام بالغ في المجال السياسي . و تسعى حكومات المعمور الى القضاء عليها و تقليص الفوارق الطبقية في مجتمعاتها لما لها من انعكاسات سلبية على النمو و التقدم و بروز مظاهر الانحراف في صفوف طائفة الفقراء و اصبحت تؤثر على الامن و الاستقرار .و في هذا الصدد اختلفت السياسة مع الدين في منظور كل منهما الى الفقير, فالسياسة تهتم فيه بالشأن الدنيوي و الدين يتضمن منزلة الفقير في العالم الاخروي على ضوء الكتاب و السنة في امور كثيرة إلا انهما يلتقيان في اهداف متعددة كمحاربه الفساد و الظلم و احترام كرامة الانسان و حقوقه و التضامن الخ . فبالنسبة للسياسة اشير الى الفقر في المغرب كنموذج حيت يعاني من هذه الظاهرة و حالة الفقراء و لا تخلو برامج الحكومات المتعاقبة على الحكم مند الاستقلال من ايجاد الحلول لمعالجتها او التقليص من حدتها فان اول ما يلاحظ في هذا الاطار اتساع رقعة الفقر و الهشاشة ذلك ان من خصائص الاقتصاد المغربي ضعف الانتاج الوطني و تموجه و عدم استقراره حيت ان الناتج الداخلي الخام الفردي الفعلي لا يسجل تحسنا سنويا بل يضل راكدا على امتداد سنوات . و قد تزداد تعقيدا و تأزما بسبب ارتفاع الاسعار و تأكل القوة الشرائية للمواطنين بالإضافة الى توسيع الهوة بين الفئات الفقيرة و الغنية و بين القرى و المدن . و قد تسببت في تفشي الفقر و تناميه و في انتشار الهشاشة و الجهل و البؤس في صفوف الاغلبية الساحقة من السكان يصعب محاربة هذه الامراض الاجتماعية ببرامج جزئية و مؤقتة حتى و لو توفرت الارادة الصادقة لذ اصحابها بل العلاج الجدري بالنسبة للاتجاه يتطلب وضع سياسة استعجالية تعالج الامراض من الجذور و تتصدى للأسباب الحقيقية و ليس للنتائج التي سرعان ما تطفو على السطح بعد زوال مسكنات المالية , الامر اولا و قبل كل شيء ارادة قوية لدى المسئولين لوضع مخطط واضح و صريح تتولى الدولة كفاعل اقتصادي و اداري و سياسي تطبيقه و تتخذ في شأنه كل الاجراءات الضرورية حتى و لو كانت ضد مصالح اللوبيات او الفئات المحظوظة .
ان برامج محاربة الفقر لن يستقيم و لن تأتى اكلها إلا اذا اتخذت قرارات شجاعة و جريئة من ضمنها اعفاءات ضريبية و تشجيعات مالية و تحرير عقارات من قبضة المضاربين و تبييض الاموال كما انه لن تستقيم إلا اذا اعتمدت الحاجيات الاساسية للمواطنين في مجال التعليم و الصحة و الاستفادة من الخدمات الاساسية من توفير الماء الشروب و الكهرباء و الواد الحار الى شق الطرق و توفير النقل و غيرها . و في ظل هذه الشروط و هذه المنهجية يمكن للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ان تساهم فيها خاصة في العالم القروي بشكل اكثر مما كانت عليه , و في هذا السياق اشير الى ان التقرير الاخير للمنظمة العالمية للتغذية و الزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة ليؤكد ان المغرب لم يستطع تخفيض عدد الذين يعانون من سوء التغذية الى الصفر في حلول 2015 كما اوضح التقرير ان ?/?14 من سكان العالم القروي يعيشون تحت عتبة خط الفقر يصل عددهم الى مليونين و هو ما عجزت معه الحكومة الحالية الى التصدي له و من شأن هذا الوضع تهديد الطبقات الفقيرة في امنها الغدائي و قد اشرت الى اثارة مسألة الفقر بالنسبة للسياسة المتبعة حاليا في بلادنا لإثارة الانتباه الى ان ما يجري الان من استعدادات للانتخابات المقبلة التي سيعرفها المغرب اواخر السنة الحالية لا يؤشر إلا على انتكاسات و احباطات اشد خطورة حيت تتحرك الاحزاب بشكل مكتف في بعض الاقاليم و ربما في جميع اقاليم المملكة و تحشد حولها جميع عناصر الافساد المعروفة بسلوكياتها السيئة في تدبير الشأن العام اقليميا و محليا تجمع حولها سماسرة في جلب الاصوات بالمال دون معرفة انها تتأهب من جديد للقضاء على ما تبقى من الامل لدى الشعب المغربي , فقد اتخذت الكذب خطابا و الخداع وعودا لاسيما ان الفقر و الجهل اصبح ارضية خصبة لشراء الاصوات و افساد الاسسفتاءات الشعبية و تمييع العمليات الانتخابية و تبخيس العمل السياسي . كل هذا في ظرف تاريخي دقيق تحتاج فيه البلاد الى الكفاءات النزيهة و الصادقة لتولية المسؤوليات و التصدي للإرهاب الاصولي حفاظا على امن البلاد و استقراره.
اما بالنسبة لرأي الدين فيشير الى مكانة الفقراء فقد اورد الله سبحانه و تعالى في شأن طائفة الفقراء ايات قرآنية كثيرة و احاديث نبوية تبشرهم بالجنة في الدار الاخرة و ليس عمارة الدنيا و هو ما اجمع عليه علماء السلف الصالح . و هكذا فالفقر عند ابي حامد الغزالي هو عبارة عن فقد ما هو محتاج اليه , اما فقد ما لا حاجة اليه فلا يسمى فقرا و ان كان المحتاج اليه موجودا مقدورا عليه لم يكن المحتاج فقيرا . و اذا فهمت هذا لم نشك في ان كل موجود سوى الله تعالى فهو فقبرا محتاج الى دوام الوجود في شأن المال و دوام وجود مستفاد من فضل الله تعالى وجوده , فان كان في الوجود وجود ليس وجود مستفاد له من غيره فهو الغني المطلق . و لا يتصور ان يكون مثل الوجود إلا واحدا و ليس في الوجود إلا واحدا و كل ما عداه فهم محتاجون اليه ليمنحوا وجودهم بالدوام . و الى هذا الحصر تمت الاشارة اليه بقوله سبحانه : (( و الله العني و انتم الفقراء )) الاية 38 من سورة محمد . هذا معنى الفقر مطلقا و ليس القصد هنا بان الفقر المطلق من المال على الخصوص لان فقر العبد الى حاجاته لا تنحصر لان حاجاته لا تعد و لا تحصى و من جملة حاجاته ما يتوصل اليه بالمال , و هو الذي يقصده الغزالي بسياقه فقط حيت يقول (كل فاقد للمال فانا نسميه فقيرا بالإضافة الى المال الذي فقده اذا كان ذلك المفقود محتاجا اليه في حقه و استطرد الغزالي فيقول فما بال الانبياء و الاولياء هربوا من الماء و نفرو منه كل النفار فيقول كما هو يؤمن الماء على معنى انهم شربوا اكثر من حاجتهم ففرو عما وراءه و لم يجمعوه في الشرب و الروايا يديرونه مع انفسهم بل تركوه في الانهار و الابار و البراري للمحتاجين اليه لان قلوبهم كانت مشغولة بحبه و ليس ببغضه و حملت خزائن الارض الى الرسول (ص) و الى ابي بكر و عمر رضي الله عنهما فاخدوها و وضعوها في مواضعها و ما هربو منها اذ كان يستوي عندهم المال و الذهب و الحجر و ما تقل عنهم من امتناع فآما ان ينقل عمن خاف انه لو اتخذه سيخدعه المال و يقيد قلبه فيدعوه الى الشهوات و هذا حال الضعفاء فلا جرم ان البغض في المال و الهرب منه في حقهم كمال و هذا حكم جميع الخلق لأنهم جميعا ضعفاء إلا الانبياء و الاولياء . و اما ان ينقل عن قوم بلغ الكمال و لكن اظهر الفرار و النفار نزول الى درجة الضعفاء ليقتدوا به بالترك اذ لو اقتدوا به لهلكوا و السير بسير الضعفاء ضرورة الانبياء و الاولياء و العلماء . و قد عرفت المراتب بست و اعلاها رتبة المستغني تم الزهد تم الرضى تم القانع تم الحريص لا يجوز نزعا الاستهزاء بهم و تحريضهم كما قال لقمان لابنه (( لا تحقرن احدا كلفان ثيابه فان ربك و ربه واحد )) هذا هو حال الانبياء و الرسل فقد انشغلوا بالدعوة الى التوحيد بدءا من نوح الى محمد بن عبد الله (ص) حيت امرو و لا يشغلهم مال ولا جاه و لا ثروة عكس ما كان عليه الكفار من ولاة الامور عبر التاريخ كفرعون و هارون و غيرهما استدرجتهم الاموال و الجاه و عتو في الارض علوا و فسادا حتى كفروا و كان من صفاتهم هم و من شابههم عبر التاريخ الى الان الظلم و الطغيان لا يعرفون للبر و الاحسان سبيلا حيث اغتالتهم الشياطين خلافا لما كان عليه العلماء و الراسخون في العلم و الدين لم تستهويهم المال و السلطة و زهدو في الدنيا قانعين متواضعين فقراء الى الله و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و انفسهم و حتى ان كان عندهم مال ينفقونه في السراء و الضراء ابتغاء مرضاة الله ليس كما هو حال الاثرياء في بلادنا و في بلدان اخرى من امتنا . و من الايات التي جاءت في فضائل الفقراء (( للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم ينفقون فضلا من الله )) الاية 8 من سورة الحشر و يقال انها نزلت في الفي إلا انها في كل امر أمر به النبي او نهى عنه و قال ايضا : (( للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض)) سورة البقرة و صدق الكلام في هاتين الايتين في معرض الموج تم تقدم وصفهم بالفقر على وصفهم الهجرة و الاحصار و قوله في سورة الكهف (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه )) يعني الفقراء و تلت هذه الاية (( تريد زينة الحياة الدنيا)) تم الاية (( و لا تطع من اغلقنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان امره فرطا )) هي خسارة و يعني بالآيتين الاخيرتين من سورة الكهف الاغنياء و يسبق (( منهما الذين يحبون الحياة الدنيا و نسو الله فنسيهم)) . هذا و اذا كانت الايات المشار اليها تشير الى ان الله وعد الفقراء بالجنة , فقد جاءت الايات المتعلقة بالأغنياء و الاثرياء لاسيما اذا كانوا لا يستثمرون اموالهم في الوظائف الاجتماعية و الانسانية حيث يجب , فقد توعدهم الله بالجزاء السيئ يوم القيامة و بذلك اكتفي بثلاث ايات في هذا المضمار حيت يتعلق الامر بما يلي (( لن تنالو البر حتى تنفقو مما تحبون )) ال عمران و البر هنا هو الاحسان اما ما تحبون و يعني به الله المال . (( ويحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله اهو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة و لله ميراث السماوات و الارض و الله بما تعملون خبير )) ال عمران كذلك (( الذين يكتنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يلقى عليهم في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فدوقو ما كنتم تكنزون )) التوبة نزلت بدون بسملة و كان خطابها شديد اللهجة في الوعيد لان المناسبة هو التخلف عن المشاركة في غزوة تبوك مع الرسول باعدار واهية , و جاء في تفسير هذه الاية الاخيرة للصابوني الذين يؤدون زكاتهم و لا يبدلون منها في وجوه الخير و قال ابن عمر ( الكنز ما لم تؤدو زكاته فليس بكنز ) اما تفسير قوله تعالى (( فبشرهم بعذاب اليم )) اسلوب تهكم اي اخبرهم بالعذاب الاليم في دار جهنم و قال الزمخشري ( انما فرق بين الكافرين و بين اليهود و النصارى تغليظا عليهم و دلالة على ان من يأخذ منهم السحت و ما لا يعطي من المسلمين من طيب ماله و في نفس الاية ” التوبة” ذكر الله تعالى مصرف الصدقات التي يتوجب على الاغنياء منح الزكاة و الصدقات في ثمانية جهات استهلها سبحانه بالفقراء و المساكين و سماهم الله جل تناؤءه بقوله (( انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فربضة من الله و الله عليم حكيم )) الاية 60 من سورة التوبة التي تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الاصناف الثمانية فلا يجوز ان يعطى منها غيرهم و قد اشرت الى هذه الجهات التي يعرفها اغلب الناس و هي كثيرة و ليؤدو الزكاة او الصدقات لأقربائهم رغم عدم استحقاقهم اياها . و للإشارة فانه كلما جاء في كتاب الله حكم قطعي لا يجوز الاجتهاد فيه . و هكذا فالفقير هو الذي له بلغة العيش و المسكين هو الذي لا شيء له و كلاهما يستحقان الصدقة . اما الاحاديث النبوية فكثيرة و كثيرة جدا اقتصر على بعضها كما يلي قال رسول الله (ص) ( يدخل فقراء امتي الجنة قبل اغنيائها بخمسمائة عام) و في حديث اخر بأربعين خريف اي اربعين سنة اخرجه مسلم و الترمذي و قال ‘ص) ( اطلعت في الجنة فرأيت اكثر اهلها الفقراء ..الخ ) و كان ذلك بمناسبة الاسراء به الى سدرة المنتهى . (( خير هذه الامة فقراؤها و اسرعها تضجعا في الجنة ضعفاؤها )) و يرى بعض الرواة ان لا اصل للحديث إلا ان معناها تفيد منزلة الفقراء عند الله في الاخرة كما هو الشأن لما جاء في اغلب الاحاديث . ( اتق فقيرا و لا تلقه غنيا ) رواه الطبراني و قوله ( خير الناس فقير يعطي جهده ) رواه ابن عمر و جاء في حديث نبوي ليشير الى ان مفتاح الجنة هم الفقراء و المساكين لأنهم سيكونون اول من يدخلها لقوله :(ان لكل شيء مفتاح و مفتاح الجنة هم حلفاء الله يوم القيامة ) رواه الدارقطني و ابو بكر بن بلال .
و كانت من صفات النبي (ص) حب المساكين و مجالستهم و تمنى الحياة و الممات معهم و جاء عنه : (ان الذي يصبح معافى في جسمه امنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما خيرت الدنيا بحذافيرها ) رواه الطبراني عن سداد بن اوس . و قد اشرت الى اني اقتصرت على الاحاديث المشار اليها إلا ان من يرغب في المزيد من الاحاديث فليرجع الى سلسلة الاحاديث الصحيحة للألباني و الغزالي و النووي و اخرين . فطوبى لهؤلاء خاصة الذين يتعففون لان الله سبحانه يحب العبد العفيف و الفقير الذي لا يسأل الناس الحافا كما اشارت اليه اية في سورة البقرة (( الذين يعتبرهم الجاهلون اغنياء بكثرة من التعفف و لا يسألون الناس الحافا )) لذلك فالفقير المتعفف افضل من الفقير المتسول إلا اضطرارا و لا يجب احتقارهم كما سبق وكما قال لقمان لابنه و لا تنهرهم عند السؤال مصداقا لقوله تعالى : (( و اما السائل فلا تنهر و اما بنعمة ربك فحدث )) و قد اورد في النهي عن بغض الفقراء حديث يحمل في طيه وعيدا خطيرا على من يبغضهم و ذلك بقوله (ص) : ( ان ابغض الناس فقراءهم و اظهر عمارة الدنيا و تكالبوا على جمع الدرهم رماهم الله بأربع خصال :(القحط من الزمان ? الجور من الحكام ? الخيانة من ولاة الاحكام ? الشوكة من الاعداء .) حديث اد ابغض الناس فقراءهم . لقد اترت تناول هذا الموضوع لكون اغلب الناس انهمكوا في جمع المال و تكديس الثروة بطرق مشروعة و غير مشروعة خاصة اولئك الذين يوظفونها في الفساد و الرشوة و الظلم و يكتروا في المعاصي و الكبائر لا يتحلون بالروح الوطنية و الوازع الديني يعتبرون التجمعات السكنية للفقراء اوكارا و خزانا لجلب الاصوات بواسطة المال الذي ال اليهم عن طريق الاختلاسات للمال العام و استغلال النفوذ و الاتجار في المخدرات و النهب و الاحتيال . افسدوا الانتخابات و افسدوا الادارة و القضاء و افسدوا المجتمع كل ذلك بالمال . فعوض توجيهها للتنمية و القطاعات الاجتماعية و تخليق الحياة السياسية حولوها الى الفساد في كل شيء و توالت على الشأن العام حكومات تنهج اسلوب التهميش و التفقير في سياساتها في مختلف المجالات و هي التي تعارضها القوى الديمقراطية و الوطنية في البلاد مند الاستقلال الى الان و ها هو المغرب مقبل على استحقاقات خلال السنة الحالية حيث يعيش البلد ظرفية تاريخية دقيقة و حاسمة و صارت قوى الجمود و عناصر الافساد و رموز الازمة تتأهب للقضاء على بصيص من الامل لدى المواطنين لانقاد ما يمكن انقاده خاصة ان البلد يواجه تحديات و رهانات مستقبلية لتحصين امنه و استقراره و استرجاع الثقة و المصداقية في المؤسسات الدستورية صار الكذب هو الخطاب الموجه و الوعود الفارغة هي الخداع يحشد اغلب الاحزاب الفقراء في تجمعاتهم ليقولوا ما لا يفعلون و هو ما كبر مقتا عند الله . و ارجو ان لا يفهم من كلامي التعميم و اقصد بقول الغني الفاحش كل غني كان مصدر ثروته حراما و غشا و غير مشروع و التي اشرت الى مظاهره انفا من جهة تم ان الكلام موجه لمن يتعض اما من سار في غيه و طغيانه فلا كلام معه مصداقا لما جاء عن الصادق المهدي (ص) ( اذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و اذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته ) رواه ابو منصور الديلمي . اما الغنى الذي يناله المرء من كده و جهده و لا يظلم به احدا و يوظفه في النفع العام فلا يدخل ضمن زمرة الاثرياء المشار الى اوصافهم و سلوكياتهم (( من عمل عملا صالحا من ذكر او انتى فجزاؤه التواب في الدنيا و الاخرة )) و للتذكير فالحياة الدنيا لعب و لهو لابد من زوالها و كم من غني اصبح فقيرا و كم من فقير اصبح غنيا لان الامور بخواتمها اما ما كان عند الانسان فسينفد و ما كان عند الله باق . و اخير احب ان اورد اية 77 من سورة القصص حيت يلاحظ انها توفيقية و تفاضلية في عمل الانسان لانها تحت على العمل و الاجتهاد في تحصيل ما هو مشروع دون اغفال انه معرض للحساب في دار البقاء ليسارع في الخيرات و الاعمال الصالحة ليحظى بمنزلة حميدة عند الله . و فيما يلي نص الاية : (( و ابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا و احسن كما احسن الله اليك و لا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين )) تعني حسب المفسرون اطلب فيما اعطاك الله من الاموال رضى الله و دلك بفعل الحسنات و الصدقات و الانفاق في الطاعات , اما قوله تعالى (( و لا تنسى نصيبك من الدنيا )) قال الحسن اي لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك به اياه . و قوله (( و احسن كما احسن الله اليك )) اي احسن الى عباد الله كما احسن الله اليك , اما قوله (( و لا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين )) اي لا تطلب بهذا المال البغي و التطاول على الناس و الافساد في الارض بالمعاصي و ان الله لا يحب من كان مجرما باغيا في الارض . و لا بأس ان اورد الاية 78 من نفس السورة ” القصص ” و المتعلقة بفرعون وقارون الذي قال (( انا ربكم الاعلى )) لنتدبر ما قاله قارون و ما ذا كان جواب ربه (( قال انما اوتيته على علم من عندي اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوة و اكثر جمعا و لا يسئل عن ذنوبهم المجرمون)) وهكذا (( و من كان غنيا فليستعفف و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف )) اية 6 من سورة النساء.
* الجمعة 19 يونيو 2015