هناك من يحاول تحميل مسؤولية تأجيج الصراع الإيديولوجي بين الرجعيين والحداثيين، للطرفين معا، وكأنهما على قدم المساواة، في الأسلوب واللغة والمفاهيم، التي يستعملانها في الجدل والمواجهة التي تحصل بينهما.
الأمر غير ذلك في أرض الواقع، حيث أن الطرف الرجعي، يعتمد أساسا على جهاز مفاهيمي وقاموس ومرجعيات لم تتعود على مبادئ الحق في الاختلاف والتنوع وحرية الفكر والتعبير، وغيرها من المناهج المستعملة في الجدل الفكري، بل أكثر من ذلك، فإن المنهج التكفيري يبرز على السطح، باستمرار، لدى هذا الطرف، حيث يتمترس خلف الخطاب الديني، غير قابل لأي حق في التأويل والاختلاف.
لذلك لا يمكن أن نضع الطرفين على قدم المساواة، لأن الطرف الحداثي، بصفة عامة، لا يدافع إلا عن حرية التعبير والفكر والإبداع، وحق الناس في الاجتهاد وفي الاعتقاد، حسب قناعاتهم. وفي هذا الإطار، فإن نقد الفكر الديني مسألة طبيعية، ولا يمكن اعتبارها خروجا عن الملة وعن مقومات الأمة، كما يروج الخطاب الرجعي.
هناك فرق كبير بين من يكفر المخالفين معه، وبين من ينتقدهم. في هذه الخانة ينبغي وضع النقاش، أي بين من يشحذ أدوات الذبح، عندما يواجه التعبيرات المختلفة عن قناعاته ومعتقداته، ويظن أنها تشكل خطرا على وجوده وهويته، وبين من يعتبر أن الأمر يدخل في إطار الحق في الاختلاف.
طبعا قد نجد في صف الحداثيين من يتطرف في مهاجمة الطرف الآخر، بأسلوب جارح وبوسائل مرفوضة، تمس حقه الطبيعي في الاعتقاد وممارسة شعائره، غير أن مواجهة هذه المظاهر، التي تكاد تكون منعدمة، لا يمكن أن تتم إلا بواسطة القانون، وليس بالتحريض على العنف والقتل.
لا نقصد بنقدنا هنا كل المحافظين، فهذا منهج في التفكير يلتزم بسلوك تقليدي، لكننا نقصد الرجعيين، أي أولئك الذين يعتبرون الحوار تدافعا، والحداثة كفرا، والعلمانية إلحادا، والحق في الاختلاف فسقا، والدفاع عن حرية الفكر والإبداع، خطرا على الدين.
لذلك لابد من مراجعة شاملة لهذا المنهج الإيديولوجي، الذي لا يختلف في فلسفته عن كل ما عرفته البشرية من مؤسسات التشدد، بدءا من الكهنة إلى الرهبان إلى فقهاء الظلام، مرورا بالتجارب الفاشية والستالينية…
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الجمعة 19 يونيو 2015