أثناء مشاركتي إلى جانب نساء ورجال التعليم في رحلة دراسية ثقافية وممتعة إلى المدن الشمالية خلال العطلة الربيعية المنصرمة من سنة 2015، تصفحت ببصري بعض الرفوف العلوية لإحدى المكتبات البسيطة بمدينة شفشاون الساحرة، فأثار انتباهي كتاب مهم صدر ضمن سلسة كتاب المعرفة «أمة من العباقرة» عدد422 مارس 2015 في 295 صفحة محتواها «كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم» للمؤلفة الباحثة في علم الجغرافيا «أنجيلا سايني» ترجمة الدكتور طارق رشيد عدنان. وضمانا لمتعة القراءة وتعميما للفائدة، أقدم مضامين وأفكار هذا الكتاب المتميز للقراء الكرام كالآتي:
* إن الباحثة أنجيلا سايني توصلت إلى أن الكثافة السكانية تشكل عامل قوة لا عامل ضعف. فالموارد البشرية تشكل ثروة علمية لا تؤدي إلى خلق ثروة مادية، فالهند فاجأتنا بالإبداع وهي بلد المليار و200 مليون؛ تكذب نظرية مالتيس التي فحواها أن النمو الديمغرافي لا يساير النمو الاقتصادي، وتفاجئنا للذكاء الاقتصادي في مجالات الصناعات الدقيقة وصناعة الأدوية والطب والأسلحة بعد أن كانت دولة فقيرة دخلت في حرب مع باكستان، ثم انفصلت عنها، فقد افتقدت إلى الموارد الطبيعة، لكن كفاءة مواردها البشرية جعلتها تصنع المعجزات.
* أكثر من 750 شركة من الشركات العملاقة يديرها هنود، لذلك فالهرم العالمي الأمريكي في مجالات مختلفة أساسه الكفاءات والخبرات الهندية.
* إنها أمة تأسست على عبقرية شعبها العلمية، فكل واحد من 06 علماء يحملون الدكتوراه في أمريكا أصله أسيوي يكاد يكون هنديا، فهي عقول مهاجرة تؤثر في اقتصاد أمريكا وسياستها العسكرية والثقافية.
* أكثر من 75% من الصور كلها أمريكية موجهة بعقل هندي مؤثر. كما أنها أكبر منتج ومستهلك للمعلوميات عالميا، مقارنة مع الاتحاد الأوربي واليابان.
* بالهند طوائف متعددة ومتباينة دون أدنى عائق أمام التقدم العلمي الاجتماعي، فرغم تعدد الديانات والأعراف واللهجات، لا يوجد صراع تنمية العقول والمستويات الروحية والروحانية؛ فالتسامح والتعايش مع الآخر يؤدي إلى الابتكار والإبداع.
* استطاعت الهند تأسيس سلم اجتماعي تأسست على إثره ممارسة ديمقراطية ناضجة حتى أضحت من أنضج الديمقراطيات الموجودة في العالم. كما أثبت الهند أن الدول الكبيرة؛ ورغم الصراع بين البرامج والأفكار لا تحكم بالديكتاتوريات، بل بتدبير الاختلاف وترسيخ الديمقراطية واحترام الرأي الآخر منذ عهد الأم تيريزا رمز التسامح في الهند.
* تحقيق أطروحة «المهاتما غاندي» الذي اهتم بالزراعة المعدلة وراثيا لتفادي الخضوع للسيطرة الأجنبية قائلا: «ليس هناك بلد صناعي في العالم لا تزال غالبية السكان فيه يشتغلون بالزراعة. وأن حلم الهند تمثل في التخلي عن العجول وسيحل محلها الجرارات: فصل الموز طويل الأمد (من ص:93 إلى ص: 124).
– توصل الفلاح باخشالي بمخطوطه إلى أن الهنود هم الذين ابتكروا الصفر. ويعتقد المؤرخون أن ذلك يرجع إلى 700 ق م؛ بل إن براهما غوبتا هو الذي اكتشفه منذ 1801 وسرق منه، لأن هذه المخطوطة التي أصلها شجرة البيتيولا، هاجرت إلى إنجلترا.
– يعتقد بأن الهند بلد التوابل والقطن والشاي، لكن هذه المخطوطة اعتبرها الباحثون من أهم الأسهم العلمية التي توجد في مكتبة بودليك الانجليزية. ويتساءل العلماء إذا كانت البلدان الأسيوية قادرة على التحول من قوة اقتصادية عملاقة من جديد مستردة تراثها العلمي والأنتولوجي الذي ضاع منها لأنها مسقط رأس العباقرة.
– إن الهنود كانوا أول من استخدم الأعداد التي نستخدمها اليوم، وهو ما سمح بكتابة المعادلات بطريقة تدعم كل العمليات الرياضية. بل إن علماء الفلك الهنود كانوا أول من أجرى حساب الدالة على دورة الأرض حول محورها؛ لينتج عن دورانها تعاقب الليل والنهار.
– يوجد اليوم في الهند 16 معهدا تكنولوجيا في خمسينيات وستينيات القرن 20 على يد جواهر لال نهرو ويعرف اختصارا بـ: ITIS منتشرة في جميع أرجاء الدولة التي أرغمت في دستورها كل المواطنين على المشاركة في الأبحاث العلمية.
– في الفصل المعنون بمدينة الالكترونيات ص: 61، ترى الباحثة أن معظم من يعملون بشركات البرمجيات: Micro système أمريكيون من أصل هندي، كما أن المؤسسة المشاركة في خدمة البريد الإلكتروني الشهير: Hotmail، التي اشترتها شركة: Microsoft في عيد ميلاده 29، لحوالي 400 مليون 45 ينحدر من أصل هندي، ناهيك عن المخترع المشارك في الناقل التسلسلي العالمي: Universel serial bus المعروف اختصار بـ: USB الذي يسمح بتوصيل الأقراص الصلبة والأدوات الأخرى بجهاز الحاسوب، هو أمريكي من أصل هندي كذلك يعمل بشركة Intel في كاليفورنيا.
إذن أن 20 ألف أمريكي من أصل هندي يعملون علماء ومهندسين في أمريكا يوجد وادي السيليكون فالي وهو مركب صناعي عملاق مختص في الصناعات الدقيقة ويتواجد بأمريكا بالقرب من جامعة سندر فورد.
* جد هام: ما أثار انتباهي جدا أن هؤلاء العلماء توصلوا إلى تأسيس حكومة إلكترونية لبلدهم الأصلي الهند من طرف المهندس رايتور في مدينة تشيناي، كما أن المهندس نارايامارتي أسس شركة أنفوسيس للألعاب الإلكترونية في حين تخصص الدكتور شوهان في الأمراض التي تفتك بالهنود من باب الغيرة والامتثال لمصالح بلدانهم. لقد عاد هؤلاء المهندسون والعلماء العصبية إلى بلدهم الأصلي بعد أن أقاموا الجمعية الوطنية لشركات البرمجيات، على أنهم التحقوا بأمريكا ما بين السبعينات والثمانينات بكت الهند على فقدانهم لكونهم «رجال تحملوا مسؤوليات كبرى بأمريكا ورؤساء أقسام علوم الحاسوب؛ وهم الآن يعودون إلى الهند أسوة بالدكتور ماكيش كوتيا الذي عاد إلى الهند 2008 بعد أن واجهوا تأثير الشتات «عودة الأدمغة المهاجرة» المثيرة للدهشة أن الشركات المتعددة الجنسيات التي عملوا بها بأمريكا تبعثهم إلى الهند لترى «صعود الهند». فتحقق حلم غاندي لأن الهند أصبحت دولة صناعية صاعدة تنافس الأقطاب الاقتصادية الكبرى.
بعد نصف قرن من تغير العالم، أصبحت الهند بلدا حرا وبدأت العقول الهندية تستعد للسيطرة على العالم، لقد أصبحت نهضة الهند كأنها جزء من نص مكتوب لفيلم خيالي علمي، حين أخبر مان موهان سنغ حشود الخبراء المتحمسين قائلا في ص: 274، «ستكون إمبراطوريات المستقبل إمبراطوريات العقل» هذه هي الهند التي وصفتها المؤلفة أنجيلا سايني في كتابها المملوء بالشخصياتات اللافتة للنظر والنابضة بالحياة والقصص الجذابة للهند من خلال ضعبها. فيا لها من أمة العباقرة.
* ذ. محمد أمداح