أتذكر عندما كان السيد خليل الهاشمي رئيسا لفدرالية الناشرين والذي هو اليوم مدير لوكالة المغرب العربي للأنباء والذي ساهم من موقعه ذاك في فتح النقاش حول مستقبل حرية الصحافة في المغرب.
ومن بين الأوراش التي فتحتها تكوين لجنة كلفت بوضع تصور لدور الإعلام في المغرب في مرحلة استشراف التحول الذي نعيشه اليوم بما فيها تقديم مقترحات لتعديل قانون الصحافة و مقترح حول خلق المجلس الوطني للصحافة.
و كنت من بين أعضاء تلك اللجنة كمستشار قانوني الى جانب الاستاذ محمد كرم وكانت اللجنة متكونة، ان لم تخنني الذاكرة، من السيد خليل الهاشمي، والسيد عبد الحميد الجماهري والسيدة بهية العمراني والسيد نور الدين مفتاح، والسيد محمد حافظ والسيد توفيق بوعشرين والسيد يونس مجاهد بصفته ممثلا على النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
كما كان من بين اعضاء تلك اللجنة صحافي آخر لم يكن يعتقد الحاضرون أنه سيكون يوما ما هو من سيمتلك مصير وضع القواعد القانونية التي كانت تناقشها تلك اللجنة والتي ستؤطر مصير الصحافيات والصحافيون في بلادنا وهو السيد مصطفى الخلفي الذي هو الآن الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الاتصال.
ليس من المكمن اليوم تناول كل العمل الذي قامت به تلك اللجنة، ولكن سنقف فقط على قضية واحدة وهي قضية الساعة التي تؤرق كل الصحافيات و الصحافيون، ألا وهي تعرضهم أثناء او بمناسبة قيامهم بمهامهم الاعلامية للخضوع للقانون الجنائي بدل خضوعهم فقط لقانون الصحافة. علما انني سأعود في مناسبة اخرى لرصد مدى صحة الغاء العقوبة الحبسية في جرائم الصحافة في مشروع السيد الوزير فيما بعد.
و اتذكر، تحت مراقبة الأخوة الأفاضل المذكورين أعلاه، أن الكل بما فيهم الناطق الرسمي باسم الحكومة و وزير الاتصال الحالي السيد مصطفى الخلفي كان مجمعا على ضرورة النضال و الدفاع بكل الوسائل على قضيتين :
1-إلغاء كل العقوبات الحبسية على جرائم الصحافة. وهي قضية لا تهم هذا المقال.
2-عدم خضوع الصحافي او الصحافية أثناء قيامه بمهامه الاعلامية إلا لقانون الصحافة والنص بوضوح على عدم إمكانه تطبيق القانون الجنائي عليهم. حتى لا تكرر بعض المتابعات التي طبق فيها القانون الجنائي.
وبطبيعة الحال كان السيد مصطفى الخلفي آنذاك مديرا للنشر لجريدة التجديد وكان من المدافعين الأقوياء على هاتين النقطتين.
فماذا وقع بعدما تغيرت الظروف و اصبح السيد مصطفى الخلفي المسؤول الأول على وضع القانون المتعلق بالصحافيات و الصحافيين في المغرب. هل طبق ما سبق له ان دافع عليه عندما كان مديرا لجريدة التجديد أم أن القوانين التي سيقدمها و ستقدمها حكومته فيها تراجعات حتى على المكتسبات التي سنها القانون الجنائي لسنة 1962.
لن يكون عدلا لو أننا صرحنا بكون السيد مصطفى الخلفي تراجع عن مواقفه فقط بناء على تأويل شخصي أو باستعمال مزاعم لفظية، وإنما لا بد من أن نقدم نستدل على موقف التراجع الذي نقول بأن هذا الأخير و حكومته يسهرون عليه بما هو ملموس و غير قابل للنزاع.
السند و الدليل لا نجدها فيما يقدمه السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال في خطبه و في مداخلاته في الندوات التي يحضرها و انما نجده في مشاريع القوانين التي يشتغل عليها هو كوزير للإعلام والقوانين التي تشتغل عليها حكومته وخصوصا مسودة القانون الجنائي الذي اشرف عليها زميله في الحزب السيد وزير العدل.
فهل ” مشاريع ” القوانين هذه منعت فعلا أن يعاقب الصحفي بصفته هذه بالقانون الجنائي ام العكس هو الصحيح ؟.
والجواب مع الأسف سيكون بالنفي ذلك أن كل من مشروع قانون الصحافة و النشر و مسودة القانون الجنائي كليهما أخضعا الصحفية او الصحفي إلى القانون الجنائي بدل قانون الصحافة خلافا لما عليه الحال اليوم مما يعتبر تراجعا عن المكتسبات , كيف ذلك ؟.
نعلم جميعا أن القانون الجنائي لسنة 1962 منع معاقبة الصحافيين عن المخالفات التي يرتكبونها و المتعلقة بعلمهم الصحفي و احال معاقبة تلك المخالفات على العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة.
كما أن القانون الجنائي لسنة 1962 لم يكتف بالنص على ذلك في صلب القانون وإنما أحدث آليتين لتطبيق ذلك المبدأ أي مبدأ عدم خضوع الصحفي للقانون الجنائي و خضوعه فقط لقانون الصحافة هما:
-الأول: عندما نص في الفصل 444 على ما يلي:
“القذف والسب العلني يعاقب عليها وفقا للظهير رقم 378-58-1 المؤرخ في “3 جمادى الأولى 1378 موافق 15 نونبر 1958 المعتبر بمثابة قانون “الصحافة.
علما القانون الجنائي وإن عرف القذف في الفصل 442 وعرف السب في
الفصل 443، إلا أنه عندما أراد يعاقب على تلك الافعال الزم المحكمة بالرجوع الى قانون الصحافة و اخرج الصحفي من القانون الجنائي.
-الثانية: هو أنه لا وجود في القانون الجنائي لسنة 1962 لأي نص يعاقب الصحفي على جنحة من جنح الصحافة.
وأنه يتبين أن القانون الجنائي لسنة 1962 أقفل الباب على النيابة العامة ومنعها من أن تتابع الصحفي بصفته هذه إلا في إطار قانون الصحافة وأن لا يتابع ولا تطبق عليه القواعد ولا العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
فما هو موقف السيد مصطفى الخلفي اليوم وهو الناطق باسم الحكومة وهو وزير الاتصال اي ما هي القوانين التي يريد أن يطبقها هو وحكومته على الصحافيات و الصحافيين.
لكي نجيب بدقة على السؤال يجب أن نعود إلى مشروع القانون رقم 77.00 المتعلق بالصحافة والنشر في طبعته بتاريخ 15/7/2014 من جهة وإلى مسودة القانون الجنائي من جهة أخرى , لنكتشف بكل وضوح أن المشروعين معا تراجعا عن مبدأ عدم خضوع الصحفي للقانون الجنائي و احدثا قاعدة جديدة تلزم المحكمة بتطبيق للقانون الجنائي في حق الصحافية و الصحافي.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى المادة 102 من مشروع 77.00 المتعلق بالصحافة والنشر في طبعته المؤرخة في 15/7/2014 نجد أن وزير الاعلام يقترح على الصحافيات والصحافيين ما يلي:
“تقع المتابعات والمحاكمات و التنفيذ بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا “القانون وفق الأحكام العام، مع ……………..
وأنه من الواضح بالنسبة للقانونيين وسواء كانوا قضاة أو محامين أو مستشارين قانونين ان المعنى القانوني ل ” الأحكام العامة ” هو القانون الجنائي، في مقابل الأحكام الخاصة التي تعني قانون الصحافة. كما هو الحال عندما نتكلم على الاحكام العامة في القانون المدني ونقصد بها القانون المدني.
وأنه لا يمكن الرد على هذا بكون المادة 102 تتضمن كلمة ” مع مراعاة الاستثناءات المبينة بعد ” لسبب بسيط وهو أن ما تضمنه المشروع من فصول لا نجد من بينها ما يمنع المحكمة من تطبيق الفصل 90 من القانون الجنائي الذي يمنع الصحفي من ممارسة مهنة الصحافة. و بالتالي يحق للمحكمة المعروض عليها شكاية ضد صحفي و هي تطبق “الأحكام العامة ” المنصوص عليها في للفصل 102 من مشروع وزير الاتصال أن تحكم على الصحفي بالمنع من ممارسة المهنة وهي عقوبة ينص عليها القانون الجنائي ، أي الأحكام العامة في المادة الجنائية. ولا ينص عليها قانون الصحافة.
ومما يؤكد ارادة الحكومة في تطبيق القانون الجنائي على الصحافي و الصحافية هو ما حملته مسودة وزير العدل للقانون الجنائي التي عدلت الفصل 444 الذي يخرج، اليوم، عقوبة القذف من القانون الجنائي و يحيل معاقبة القذف على قانون الصحافة، ذلك التعديل الذي سيجعل القذف والسب العلني يعاقب بمقتضى القانون الجنائي بدل قانون الصحافة كما هو الحال اليوم، إذ أصبح الفصل 444 في مسودة وزير العدل للقانون الجنائي ينص على ما يلي:
“يعاقب على القذف والسب العلني المرتكب في حق الأشخاص بالحبس من شهر “واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000,00 درهم إلى 20.000,00 درهم أو بإحدى “هاتين العقوبتين.
“إذا ….
وهكذا تبين بكل وضوح أن حكومة السيد مصطفى الخلفي ألغت في مسودتها للقانون الجنائي، القاعدة التي تخرج جرائم القذف من القانون الجنائي وتحيلها على قانون الصحافة، و أحدثت قاعدة جديدة لم تكن موجودة في القانون الجنائي لسنة 1962، ارجعت فيها معاقبة جرائم القذف بالقانون الجنائي و ليس بقانون الصحافة تراجعا على ما هو عليه الحال اليوم.
وإذا ما جمعنا بين المادة 102 من مشروع قانون الصحافة الذي يعتبر أن جرائم الصحافة تخضع أصلا ” للأحكام العامة ” أي للقانون الجنائي، مع التعديل الذي تحمله مسودة القانون الجنائي على الفصل 444 من القانون الجنائي الذي الزم ان تعاقب جريمة القدف بالقانون الجنائي و ليس بقانون الصحافة ، فإن إرادة وتصور و سياسة السيد مصطفى الخلفي كناطق رسمي للحكومة وكوزير الإعلام تتضح و تتأكد في كونها ستطبق القانون الجنائي على الصحفيات والصحافيون. خلافا لما يردد في كل مناسبة ، وهو موقف، مع الأسف مخالف، مع ما سبق ان دافع عليه عندما كان مديرا لجريدة التجديد و ما يصرح به في كل المناسبات وهو وزير للاتصال.
وموقف السيد وزير الاتصال و الناطق الرسمي باسم الحكومة يدفعنا الى ما سبق ان عبرنا عليه في مقال اخر من ان المسؤول على الشأن العام يجب أن نفعل ما يقول و يقول ما يفعل وليس العكس . و إلا عليه ان يفسر للرأي العام لمدا غير موقفه بعدما اصبح وزيرا.
* يونيو 2015