عندما يتحدث المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، في المغرب عن نسبة الثقة في العمل السياسي المغربي، وتتناول الصحافة نتائج الدراسات «الاستراتيجية» التي أنجزها ثم تم نشرها، فلا يمكن أن ننصت إليه بنفس الانشغال الذي نوليه لمعاهد أخرى قد تكون لها نفس حقول الاهتمام.
فالمعهد، من حيث التأسيس هو مؤسسة رسمية، تفوق المؤسسات الرسمية الأخرى في الدراسات وفي الإنجاز وفي الطبيعة. وهو معهد مؤسس وفقا لمقتضيات الظهير رقم 1-07- 183 بتاريخ 19 ذو القعدة 1428 (30 نونبر 2007) وضم و يضم لجنة توجيهية تتكون من شخصيات يعينها جلالة الملك، و نجد من بين الأسماء، بعد مديره العام محمد توفيق ملين، وعضوية المرحوم عبد العزيز مزيان بلفقيه، مستشار جلالة الملك السابق الذي شغل منصب منسق اللجنة التوجيهي، كلا من زوليخة الناصري مستشارة جلالة الملك وحسن أبو أيوب، سفيرالمغرب بإيطاليا ومحمد آيت قاضي، رئيس المجلس العام للتنمية الفلاحية وآسية بنصالح علوي، سفيرة متجولة لدى جلالة الملك وعبد اللطيف جواهري، والي بنك المغرب وعبد العظيم الحافي، المندوب السامي للمياه والغابات ومكافحة التصحر، علاوة على أسماء وشخصيات تجمع بين السياسة والأكاديمية كمحمد برادة، وزير وسفير سابق، أستاذ جامعي محمد الشرقاوي، باحث اجتماعي، مدير أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (فرنسا) وعبدو فيلالي أنصاري، فيلسوف، مدير معهد دراسات الحضارات الإسلامية بجامعة أغا خان (المملكة المتحدة) وألبير ساسون، باحث بيولوجيا، مدير سابق لليونيسكو، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وعضو أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات..
هذه التركيبة، وعلاقتها بمركز القرار، إضافة إلى تأثيرها في تركيبة المزاج العام لا يمكن أن يكون عملها، محكوما بالهاجس الأكاديمي وحده ولا بتقدير يلغي التقدير الظرفي أو الثابت في تقديم نتائج صادمة للغاية.
فقد كشفت أن المغاربة لا يثقون في السياسة ومجالها، وهو ما يعني أن 93 % منهم خارج دائرة العمل السياسي، بل يقول المعهد إنهم، يفقدون الثقة في القدرات المؤسساتية للسياسة في البلاد، مقابل ثقة في البنيات التقليدية، وهو ما يعني أن الرد، هو في المحصلة رد تقليدي لملء فراغات الثقة التي تخلقها الحداثة السياسية.
والحال أن العيش في الزمن الحاضر لا يتم إلا بالسياسة، لأنها مركز التواجد كل البنيات اليوم وفي فضائها تحل مشاكل العائلة، كما تحل مشاكل الفآت ومشاكل الأخلاق العامة، بل تحل فيها مشاكل الحياة الروحية..
عندما نسجل نسبة هزيلة أو تكاد تكون منعدمة في الاحتكام إلى الأساليب الحديثة في ضبط وتنظيم الحياة الوطنية، فإن ذلك يعني عودة كل الترسانة التقليدية، وتزايدها في مواجهة أعباء الاستعصاءات التي يطرحها المغرب الجديد.
ثانيا، فإن ذلك قد يشكل الأرضية الرئيسية في اختيار «الحلول وتكييف القرار وملاءمته مع هذا التوجه، الذي يبدو من خلال النتائج أنه توجه المجتمع..
ولنا أن نتساءل، بالجدية ذاتها عن معنى كل مظاهر الحياة الحزبية والسياسية والتنظيمية في مجتمع يبدو أنه محكوم ببنايته التقليدية بنسبة تفوق التسعين في المائة؟
لقد كتب العبد الضعيف لربه وشعبه، في هذا العمود عن عودة العجز في الثقة، في شهر أبريل الماضي،…
بعد الاستطلاع الذي نشرته مندوبية أحمد الحليمي، وقتها تبين أن نتائج ما تم نشره تعود بنا إلى أجواء الشك والريبة، إن لم يكن بمستند القطيعة، فإنهما على الاقل بمستند التردد، ويمس جوهر الوجود المؤسساتي للبلاد.
اليوم يؤكد المعهد بأنه ثاني مؤسسة جزء من نسيج إحصائي، يقول لنا بأن
المناخ العام لا يبعث على الثقة، لكنه يبعث على عمق التفكير في ما يحصل..
فأن يشكل عدم الثقة في المقومات الرئيسية للديموقراطية في المغرب أحد أبرز نتائج الاستطلاعات التي قامت بها مؤسسة دستورية مكرسة ومحترمة من قبيل المندوبية السامية للتخطيط، والمعهد الملكي للدارسات الاستراتيجية، فذلك معناه أن شيئا ما غير قابل للممازحة في النظام السياسي المغربي برمته…، بل إن المعهد ضاعف من نسبة انعدام الثقة من النصف إلى قرابة المائة في المائة
في البرلمان وفي الأحزاب وفي المجالس المحلية و كل فضاءات السياسة….. عدم الثقة، ينتقل إلى الدولة نفسها بنسبة تثير القلق فعلا..
فالعدل.. يفوق عدد المغاربة المستجوبين النصف ممن لا ثقة لهم أو ثقتهم ضعيفة فيه.
وقرابة 40 في المائة لا يثقون في الدولة، وأدرعها الأساسية كأجهزة رقابة الأمن العام (القوات العمومية)
الخصاص أو العجز في الثقة هو أبرز ما يمكن أن يتهدد أية تجربة سياسية في البلاد، لأنه يعني أن ردود الفعل ستنضج وتكبر وتتغذى خارج كل الأماكن والفضاءات التي تتيحها الدولة الديمقراطية القوية.
وقد قال المعهد إن المغاربة بنفس النسبة تقريبا يساندون ويودون الاحتجاج!!ولنا أن نستخلص المعادلة التالية:هناك عدم ثقة كلية في المجال السياسي الحديث، ونزوع نحو مساندة الاحتجاجات بنفس النسبة، مقابل الثقة في الحلول التقليدية..
مما يبعث على القلق، من الاستطلاعات ومن نتائجها ومستقبل كل هذا المخاض!
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاربعاء 3 يونيو 2015