عن موقع صحيفة العرب نُشر في 2 يونيو 2015، العدد: 9936،
بعد تفجير مسجد العنود، الجمعة الماضية، الذي لم ينجح في تحقيق أهدافه بفضل بطولة المواطنين عبدالجليل الأربش ومحمد الأربش ومحمد حسن العيسى ثم يقظة الأجهزة الأمنية وتنبيهاتها، تبنى تنظيم داعش الإرهابي هذه العملية الإجرامية والخسيسة والبشعة، داعيا شباب المملكة إلى الانضمام إلى التنظيم بهدف “مقاتلة أعداء الإسلام” وتطهير شبه الجزيرة العربية من الشيعة، “فهم كفار مرتدون حلال الدم والمال وواجب علينا قتلهم وقتالهم وتشريدهم، بل وتطهير الأرض من رجسهم”، وراهن التنظيم على عجز المملكة بقيادة الملك سلمان عن حماية مواطنيها.
بهذا الإعلان الداعشي، أعلنها الإرهاب حربا ضد المملكة، فاستهداف الشيعة السعوديين استهداف للوطن كله وشرارة حرب طائفية تضرب المواطنين السنة والشيعة بعضهم ببعض، كما أن استهداف جماعة سعودية بعينها إشارة مبطنة إلى مشروع التقسيم الذي يريده الإرهاب، ولا هدف للتقسيم إلا القضاء على الدولة السعودية نفسها وكلها.
وفي هذه اللحظة الحاسمة والحساسة، من الواجب على النخب أن تقوم بواجبها في مساندة الوطن بكل طوائفه ومناطقه، وأن لا تبخل بالنصيحة على صاحب القرار كي يقوم بمسؤولياته على الوجه الأمثل.
في جبهة الأمن لن نحتاج إلى كلام كثير، فالأجهزة الأمنية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن نايف مشهود لها داخليا وخارجيا بكفاءتها في دحر الإرهاب مهما كانت طائفته، وقد طمأن الأمير الوطن كله حين أعلن في عزاء تفجير القديح عن ملاحقة الإرهابيين والقصاص منهم، تأكيدا منه على تصريح قائد البلاد، الملك سلمان.
إن جهود الأجهزة الأمنية لن تفضي إلى شيء دون مساندتها سياسيا وفكريا، وقد تنجح في تدمير الخلايا الداعشية، لكن غياب المعالجة السياسية والفكرية سيجعل استيلاد الخلايا عملية دائمة، مما يجعل الوطن السعودي في حالة حرب لا تتوقف مستنزفة الأرواح والمال والسلاح على حساب التنمية والاستقرار والإصلاح.
جبهة الفكر والسياسة، التي يجب أن تكمل جهود الأمن وتغطيها وتدعمها، يمكن أن تبدأ أولا بتشريع قانون واضح ورادع يحمي الوحدة الوطنية من الطائفية والعنصرية والتكفير والتخوين، وهذا القانون ضجرت النخب من المطالبة به بسبب غياب التجاوب.
على صعيد الخطاب الديني، تمتلئ الأدبيات الدينية السعودية، رسميا وشعبيا، بفتاوى تكفير الشيعة والتحريض عليهم، على الصعيد الرسمي نشير إلى فتوى علماء المملكة عام 1927 والتي نصها “وأما الرافضة، فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وترك الشرك من دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم، وعلى ترك سائر البدع في اجتماعهم على مآتمهم وغيرها، مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد في العراق، ويرتب الإمام فيهم أئمة ومؤذنين ونوابا من أهل السنة ومن أبى قبول ذلك ينفى عن بلاد المسلمين”، وكذلك فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج2/377) التي لا تفرق بين علماء الشيعة وسادتهم وبين عوامهم، فكلهم مشركون يستحقون التكفير والتفسيق والقتال.
وإذا انتقلنا إلى الفتاوى غير الرسمية، لدينا مؤلف ناصر العمر “واقع الرافضة في بلاد التوحيد”، وكذلك فتوى محمد العريفي بأن الديانة المجوسية هي أساس المذهب الشيعي وأنهم يرفعون آل البيت إلى مقام الألوهية أو النبوة. ولا ننسى رجل الدين البارز عبدالرحمن البراك الذي أفتى صراحة بأن “الرافضة في جملتهم هم شر طوائف الأمة واجتمع فيهم من موجبات الكفر، هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الاثنا عشرية، فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم يكتمون ذلك”.
الخطاب الديني
إننا أمام مشكلة حقيقية، وهي أن جذور الخطاب الداعشي حاضرة في بعض الأدبيات الدينية رسميا وشعبيا، مما يشكل سندا لدعوة داعش لشباب المملكة إلى الانخراط في مشروعه. فهؤلاء الدعاة يمهدون لداعش استقطاب انتحارييه ويعبدون الطريق أمامه لاستهداف المواطنين وتقسيم البلاد.
لذلك على صاحب القرار أن يضرب بيد من حديد دعاة الفتنة والإرهاب، وأن يباشر بإصلاح هيئة كبار العلماء لتعبر عن كل طوائف المملكة ومناطقها ومذاهبها، وأن تكون الهيئة الموقرة، في ثوبها الجديد، رأس الحربة ضد الإرهاب والطائفية وأن تحقق المصالحة بين الدين وبين العلم والحريات وحقوق الإنسان والمعاصرة وحقوق المرأة، علما بأن مثل هكذا قرار سيمتد أثره الإيجابي ليشمل العالم الإسلامي لثقل المملكة الديني.
أود لفت انتباه صاحب القرار، إلى تراث رسمي له صلة بالموضوع، فالملك عبدالله دعا إلى قمة مكة الإسلامية عام 2005 ومن قرارتها “الاعتراف بكل طوائف المسلمين” و”رفض تكفير السنة والشيعة والصوفية والأشاعرة والسلفية وكل الفرق الإسلامية”.
وألفت الانتباه أيضا إلى مؤتمر الحوار الوطني الثاني في مكة الذي خصصت توصياته لمحاربة التطرف في الداخل السعودي، ومنها “تحرير المفاهيم ذات الصلة بالغلو، توجيه الجهات الرسمية بدراسة أسباب الغلو وسبل علاجه، تسريع عملية الإصلاح السياسي وتوسيع المشاركة الشعبية، حماية المال العام وتحقيق الشفافية والمحاسبة، تجديد الخطاب الديني ورفض الفتوى الفردية، ترسيخ الحوار في المجتمع وتطوير مناهج التعليم لصالح التسامح، تعزيز دور المرأة في كافة المجالات، تفعيل دور الشباب”.
إن العودة إلى هذا التراث الرسمي وتطبيقه في هذا التوقيت يختصر المسافات ويقرب حسم المعركة. فكما نواجه سلاح الإرهاب بسلاح الأمن، نواجه مشروع الإرهاب بمشروع الدولة.
الإرهاب معناه ارتكاب الجريمة لتحقيق هدف سياسي، والغطاء الديني هو إحدى ذرائعه، لذلك لا بد من ضربه في كل الجبهات، فالشاب الذي انخرط في التنظيم الإرهابي، تم شحنه دينيا بفتاوى التطرف، وتم شحنه سياسيا بضرورة هدم الكيان، وعلينا في المقابل مقاتلة المقاتل في ساحة المعركة، ومقاتلة التطرف والهدم بالاعتدال وبالاصلاح خارج الساحة.
تجفيف منابع التطرف
طالب البعض بإعلان رسمي يحرم دم الشيعة باعتبارهم مسلمين، وهذه دعوة بلهاء ﻷنها تشرع إهدار دم غير المسلمين، فحرمة الدم يجب أن تشمل كل مدني غير مقاتل سواء كان مسلما أم لم يكن.
إن الحديث عن المشروع السياسي والفكري لا يستهدف تجفيف منابع الإرهاب سنيا فقط، بل يقصد المشهد الشيعي أيضا، فمع هذه الحرب العلنية سنجد الدعوات التي تبارك الانفصال أو تحرض على الدولة والقيام بالحلول محلها أو تهدر دم السنة، وعلينا التعامل مع هذه الأصوات بحرص وحكمة، فمنها من حركه الغضب أو اليأس أو الحزن، ومنها من تحرك بأمر العمالة، وعملاء الأعداء، للأسف، ليسوا من طائفة واحدة.
لا معنى للإصلاح والاعتدال إلا بالإيمان بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية والاعتراف بالآخر واحترامه
الاعتراف بمواطنة الشيعة الكاملة يضرب مخطط داعش التقسيمي، ويحطم الذرائع الإيرانية الطائفية، ولو انعكس ذلك على السياسة الخارجية السعودية سيعالج الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي تعيشه المنطقة ويسحب الشيعة العرب للخط السياسي السعودي.
ولا بد من تأكيد رسمي على أن الصراع مع إيران في المنطقة أمني وسياسي وليس طائفيا. فالمنطق الطائفي هو الفخ الذي نصبته إيران لنا وتتبناه كسياسة.
من اللازم هنا توجيه التحية إلى عموم المشهد الشيعي السعودي الذي يثبت مرة تلو مرة الإيمان بالدولة والحرص على وحدة البلاد، ولا ننسى المطالبة بتكريم كوثر الأربش والدة الشهيد محمد العيسى على موقفها الوطني الكبير حين أكدت استمرارها في محاربة الطائفية، وموقفها الإنساني النادر بتعزية والدة قاتل ابنها لتقاسم المشاعر رغم اختلاف الأسباب. علينا جميعا أن نحذر من دعاة الطائفية ومن الراقصين على دماء الشهداء وأنات الجرحى.
لقد أعلنها داعش حربا علينا، ولا تواجه الحرب إلا بالحرب، فلا مكان للمناصحة أو لسياسة جبر الخواطر، ونستذكر ختاما ما قاله الملك سلمان في خطاب العهد “إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى.
صحفي سعودي
|