الدولة مرادف لفعل السلطة..
السلطة استمرار للدولة ..
السياسة فكرة نبيلة وعميقة.. السياسة ليست فرجة، هي بالمفهوم السالف الذكر تبحث عن الخيارات المتاحة والممكنة وتوجِد البدائل للإشكالات المطروحة..
الفاعل السياسي وجد لكي يصنع القرار السياسي وفي أدنى المستويات يكون هناك ليؤثر فيه .. هذا الفاعل السياسي مستويات، فيه الباحث عن المواقع بكل الابتذال الممكن، وفيه المناهض والناقض لسياسات عمومية يصنعها القيم على القرار العمومي، بهذا المعنى يصبح لزاما على الفاعل الانخراط والاشتغال ضمن منظومة حزبية لها مدخلاتها و مخرجاتها .. يعرف ماذا يريد ، إما مشروعا سياسيا متكاملا وإما وعاء فارغا يشبه إلى حد بعيد «حصان طروادة» .. تتم المناداة عليه لملء فراغ أو سد ثقب و في أحسن الأحوال يكون عجلة احتياط في مرحلة فارقة و مفصلية ..
ما علينا ..
أسئلة كثيرة تثار في الآونة الأخيرة و تخترق الحقل السياسي الوطني، تتقصد البحث عن أجوبة في الدين و السياسة ، في الاقتصاد و المجتمع ، في الدولة و السلطة ، في الديمقراطية و فصل السلط .. لكن ما يهمنا في هذه الورقة .. بالأساس هو سؤال الإسلام السياسي بتشعباته ، الدعوي فيه و الحزبي وانتقالاته نحو الفكرة السياسية المماِرسة بإكراهاتها و تفاصيلها و مناوراتها أيضا .
ماذا يعني اليوم و من داخل هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب ، ماذا يعني استدماج ما يسمى بالتيار السلفي في المنظومة الحزبية .. ماذا يراد للمتتبع و المراقب أن يفهم من خلال هذا «الاستقطاب» لمجموعة من الناشطين في الحقل الديني غير الرسمي الذين كانوا إلى عهد قريب من غلاة التأويل و التطرف الإيديولوجي .. أولئك الذين يطلق عليهم الإعلام الببغاوي و صحافة الأجندات «السلفية الجهادية»..
ماذا يعني كل هذا و كيف سيوزن في ميزان السياسة .. ؟
سلفيون قاموا بمراجعات ، أي ما يسميها أهل اليسار بالنقد الذاتي لتجربة و زمن الأخطاء القاتلة ( !! ) .. التي وصلت حد تكفير الدولة و المجتمع .. لماذا اختيار هذا التوقيت بالذات للإعلان عن التحاق فاعلين من تيار سلفي بحزب يوصف بالإداري يقوده كوميسير من زمن الرصاص .. يا للمفارقة الخبيثة …
هل الأمر أحجية سياسية جديدة تنضاف لسلسلة الأحجيات البائتة والسمجة التي نعيشها بعد لحظة 9 مارس التاريخية ودستور 2011 ومجئ الحكومة الملتحية (عفوا لقد حففت لحيتها تماشيا مع الزمن السياسي المعيش) .. أم المسألة مرتبطة باستراتيجية مُعدّة للوقت المناسب (…) .. من لدن السلطة السياسية التي لا تعبث مطلقا في إخراج خياراتها و تعرف ماذا تريد .. ما المشترك بين حزب أوجده منطق سياسي دولتي معين في لحظة ما لإكمال الأغلبيات المصنوعة و المطبوخة، عندما كانت وزارة الداخلية على عهد الراحل ادريس البصري هي العقل السياسي المدبر للسلطة ..
حزب إداري أو حزب السلطة بشكل أدق وغير متعسف يحتضن وافدين دينيين .. السوريالية الحزبية والسياسية هاته .. الأمر لا يمكن تفسيره أو هضمه ببساطة .. يأتي نجل الكوميسير ليعلن في مجلس تنظيمي حزبي التحاق المجموعة المذكورة.. ويسرب ذلك بطريقة محسوبة و مخدومة إلى صحافة الأجندات مرة أخرى لتتولى تسويقه بالطريقة «المهنية « المعلومة ..
لابد من تعميق السؤال و لا مناص من تفكيك خلفياته.. في السابق جرى إعداد حزب الحركة الدستورية لصاحبه الخطيب «الجد السياسي «لسلالة بنكيران الوالغة من دم المناضلين ، كان يومها الإطار الحزبي المذكور محضّرا لاستيعابهم واحتوائهم و لما لا تدجينهم و عجنهم حتى يصبحوا طوع بنان الفاعل المركزي في النظام السياسي المغربي .. الخدمات القذرة في السياسة لا تنتهي .. قد تسمى مناورات و قد تحوز صفة «المغالطات المنطقية» .. ولما لا إخراجهم وتحويلهم مثلا لفزاعة يضغط بها في مفاوضات باحثة يومئذ عن تناوب سياسي تقوده المعارضة الوطنية اليسارية مجسدة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .. حزب التاريخ السياسي الحديث للمغرب و حزب النضال الحقيقي ضد الاستبداد والتسلط و العنف السياسي .. هذا للذكرى ..
أو تحضيرهم لأدوار أخرى ……
بعدها لاحظ المراقبون و الفاعلون أيضا في الزمن القريب ، كيف خرج خليدي النهضة و الفضيلة من جبة أصحاب الخطيب و أسس حزبه الذي لم تظهر حقيقة من حقائق خروجه إلا بعد أن شاهدنا معتقلي و «منظري» سلفية 16 ماي أي جهاديو النسخة الأولى للتكفيريين المغاربة .. من مكر الصدف أو لعله التاريخ الماكر .. يكون دائما الحركيون القدامى ، سواء المؤسسون للفديك ( جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية برئاسة رضا كديرة ) .. أو «المنشقون» عن تلكم الحركة.. المهم أن المسألة فيها حركية و تحرك في اتجاه مضبوط .. قد نسمي هذا نوعا من العقلنة الحزبية على شاكلة العقلنة البرلمانية في الدساتير السابقة التي تعني في العمق الفرملة والضبط ..
هؤلاء الداخلون و الخارجون من الحركات المذكورة و المعلومة .. يؤدون دوما دور الحاضنة المستوعبة لبقايا التطرف .. إن لم نقل بقايا التخلف السياسي . هناك أحزاب عاشت أجلها و عمرها الافتراضي لمأسسة و ترسيخ ثم التنظير لهذا التخلف السياسي.. فكيف لها اليوم أن تكون جزءا رئيسا من مشروع أو استراتيجية تفوق قدراتها الفكرية و الإيديولوجية وحتى التنظيمية ..
في هذا الاتجاه لم نرد أن نبقى وحدنا في هيئة التحرير ، نطرح السؤال و نجيب عنه، حملنا الفكرة التي تنطلق من إدماج «سلفية القرن 21 «في المؤسسات الحزبية لتطارحها مع العقل الأكاديمي .. تعمدنا طرح نفس الأسئلة .. للوصول إلى خلاصات موضوعية .. تستحث هي الأخرى المرء على التفكير مليا في هذه الخطوة .. هل هي محسوبة .. هل ستفيد التعاقد الاستراتيجي القائم بين الدولة و المجتمع والذي نجد له تلخيصا في الوثيقة الدستورية الحالية ..؟؟
هل سيحدث هذا الأمر نوعا من التوازن المفقود الذي تميل كفاته بكل المعايير والمقاييس لفاعل ديني وحيد يركب هباب السياسة لتحصيل مكاسب انتخابية بلبوس إسلامي .. قمة الانتهازية السياسية .. بل إنها السفاهة السياسية التي ينتجها من يرمي بها خصومه من المعارضين .. أسئلة من ضمن أخرى تستدعي المقاربة العالمة في تحليل الراهن السياسي المغربي و تفكيكه .. لا ندعي الإحاطة بكل الخلفيات والملابسات الحاكمة لهذا الموضوع .. هي محاولة فهم ليس إلا .
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الجمعة 29 ماي 2015