لا تغامر النزعة الحركية الاسلامية، أو الاسلامية الطامحة الى التحزب, خارج معاطف السلطة التي تركتها من الزمن القديم. فالدولة تملك »كارض روب«، أو متحف ملابس للحركات التي تسعى الى دخول الحفل التنكري الذي نسميه سياسة.. عبر ملابسها.
دولاب الدولة هو دولاب ملابسها، أو دواليب الدولة، والدخول اليها يعني دواليب جلاليبها التقليدية التي يدخل بها ومنها الذين يريدون المشاركة في الحقل السياسي دون أن يعيدوا ارتداء القميص الأفغاني.
تحريك الحركة لاتفيد الفاعل القريب منها،وقد كانت البداية مع الحركة التي علقت بتلابيب السلطة منذ 1965، مع الدكتور الخطيب رحمه الله. الدكتور الذي سارع الى اعلان تبنيه لكل الذين غدروا بالمقاومة، ثم بامتداداتها السياسية والكفاحية من موقع العراب الدائم للنظام.
وقد حرص زعيم الحركة الشعبية الديموقراطية الدستورية على أن يكون الامتداد الوحيد للسلطة في المجتمع…,وجعل خطه السياسي هو خدمة النظام من زاوية مناهضة دمقرطته…, لهذا يكون دوما الوجه الذي يختفي وراءه النظام عندما يخطط للتنكيل بالديموقراطيين. وقد شاهدناه في واجهة المشهد بالقرب من أوفقير عند تأسيس الفديك أو جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، في الوقت الذي لم يكن الدستور يعني شيئا في النظام وفي تدبيره للسياسة والمعارضين له.
وتقول السيرة الظاهرة أن انشقاقا حدث في 1982 من القرن الماضي، وسط الشبيبة الأسلامية التي كان يقودها مطيع وأن عبد الاله بنكيران، محمد يتيم وسعد الدين العثماني كانوا وراء الانشقاق وتأسيس جمعية الاصلاح والتوحيد، وتضيف السرية، أنهم حاولوا في البداية تأسيس حزب باسم« التجديد الوطني». وقليلون يعرفون أن الزمزمي كان من بين قادة هذا التوجه، وأنه كان الخطيب المعروف من ايام تلك الجمعية التي احتفط باسمها,وأنه اعتقل بسبب الثورة الايرانية مما أبعده عنهم. الخطيب هو الذي كان بمقدوره أن يفتح باب القصر في وجه الجماعة وهو «الضمانة» بعد أن كان الحاضن في زمن العمل الشبيبي ضد التيارات التقدمية ..هو الذي فتح قوقعته السياسية الفارغة ليملأها بالشباب المتلحي….
في الوقت ذاته تكشف ارشيفات الشبيبة الاسلامية, كما اوردها كتاب احمد الشعراني »من 11 شتنبر 2001 الى حدوث تفجيرات الدار البيضاء »2003 أن عبد الاه بنكيران «كان مخبرا لدى اجهزة الديستي منذ 1973 وان اسمه موجود في ارشيفاتها كضابط اتصال وكان يتلقى تعويضات مالية شهريا«..
الاخوان في مصر كانوا قد رسموا طريقا جديدة مع مامون الهصيبي صاحب «دعاة لا قصاة», وهم يتقدمون الى الانتخابات متنكرين في لبوس مستقلة تحت يافطة حزب الوفد الجديد, وخاض الإخوان الانتخابات في مصر عام 1984 وفازوا ب 6 مقاعد ضمن تحالف الوفد والإخوان, إلى أن حكم بعدم دستورية قانون الانتخابات التي أُجريت به الانتخابات، وهو قانون القائمة المطلقة، وتمَّ حل المجلس بداية 1987
عام 1987 دخل الإخوان البرلمان ضمن التحالف الإسلامي (الإخوان، حزب العمل المصري، حزب الأحرار) حيث خاضوا الانتخابات فيها تحت شعار الإسلام هو الحل، وفي الثمانينيات من نفس القرن سيتأثر الاخوانجية في المغرب بما فعل الاخوان في مصر..
الدولة بنية استقبال
كانت الدولة تسعى الى ايجاد بنية استقبال الاسلاميين ولا سيما مع تزايد انويتهم وتشظيها المتزايد 150 تنظيما صغيرا, ولكن ايضا لتزايد انتشار العدل والاحسان وضرورة مواجهتها في الميدان عبر بنية الاستقبال الجديدة..
وكان واضحا أن الدولة التي اشرفت على دخولهم الجامعة لضرب الاتحاد الوطني ومنظمته التقدمية، حرصت على دخولهم الحرم السياسي من أجل المهام نفسها.. وقد استوعبت الحركة الدستورية كحامل حزبي للمشروع الاصولي سياسيا، ليكون للدولة، التي لم يكن الخطيب يغادر ضاحيتها أبدا الباب والمفتاح في البيت الجديد.
لكن في العمق هناك ما تسميه الدراسات العميقة للمخزن (بول باسكون نموذجا) وجود تناقض، يتزايد بوضوح مع الزمن بين اسس وثوابت السلطة المغربية في شكل المخزن وبين الديموقراطية التي يريد نفس المخزن اقرارها!
هناك ايضا معضلة اخرى قد تبدو على شكل تناقض بين القوانين كما يريدها الناس وبين القوانين السماوية.. وتترجم في الوقت ذاته عبر الصراع العنيف بين البنيات الفوقية وبالتلاقي العميق بين اسس المخزن والتيوقراطية..
ماهي نقطة الضعف التي تدفع البعض الى اللجوء الى الافكار اللاهوتية والتي تعني نزع الطابع التاريخي عن القوانين ومحاولة تحويل الذات الالهية الى فاعل في معسكرهم؟
اليست هي نقطة ضعف المخزن نفسه كشكل سلطوي، يستمر عبر الجمود ويدمر نفسه عبر « التحول» كما شرحه رودولف كلاوسيوس، أي التحول مع ميزة وجود فوضى في النظام.انه درجة قياس الشك في رسالة ما يرسلها النظام من خلال رسالة سابقة عليها..!
وفي انتظار ان يصبح المخزن في النهاية، اصوليا بشكل كلي.. كما سبقا لبول باسكون ان دافع عن هذ الطرح، فانه يوظف الاسلاميين من اجل اخذ نفس واستعمال سلطته في التحكيم في حسم فوضى هو الذي خلقها..؟
من المثير حقا في دراسة الشعراني انه يسأل، في سياق نفس التحليل اعلاه,« لكن هذا مرتبط بمال الانظمة العربية الاخرى ، هل ستكون هناك وهابية و مامصيرها واسباب انتشاره خارج بلادها الاصلية؟
محاولة الاستقلال
في 1993، بعد ميلاد حركة الاصلاح والتجديد، من زواج جمعية بنكيران وجمعية الريسوني , حاولت اختراق الاستقلال ، الذي يمثل الوفد في التجربة المصرية, وبعدها الانخراط في حزب الخطيب ودخول الانتخابات في 1997 والحصول على 9 مقاعد.. ومن فوضى السلفية الجهادية، اجتهدت انماط الحركات في فتح الطريق للتيارات الاصولية، بعد الخطيب كان الخالدي، رفيقه في تجربة العدالة والتنمية قبل انفصاله وتأسيس حزب الفضيلة، يعد الطريق لدخول السلفيين الى الحقل السياسي المغربي. والآن جاء الدور على عرشان، ليتابع السلفية الجديدة وتركيبتها السياسية .. ومن الغريب المفارق في تجربة الادماج، كما عشناها مع العدالة والتنمية أن الدولة التي تتلكأ… في القبول بهم كحزب سياسي, لكنها تفتح لهم احزابا ميتة ليحيوا من داخلها، كمثل اليرقة التي تتغير مع نموها، وذلك عبر منطق «فين وذنك اجحا».. لأنهم في الواقع سيصبحون حزبا منفصلا تماما عن الحزب الذي دخلوه وإن كانوا يحتفظون بجيناته الوراثية التي تربطهم بالنظام ومشاريعه التقليدية اساسا..
وهو الحريص اليوم على تقليدانية المجتمع وفزاعة القوى الديموقراطية.. وقد تبين ذلك من خلال اعتبار الحزب المخزني الجديد الجواب الجماعي في 2011 والاقتراب من الوصفة الدولية لمختبر الادماج والتغيير.. وكان لافتا أن الذي جنى ثمرات التغيير ليس هو الذي قاده أو دافع عنه..كما لو أن الدولة تركت القرار لدى من يحرص باسم المجتمع على بقاء الاوضاع على ما هي عليه والحفاظ على «الستاتيكو»
من أفغانستان إلى عرشانستان
كل الشيوخ الذي غدوا السلفية الجهادية أو غير الجهادية, اصبحوا اليوم في الصفحات الأولى موضوع حديث عن الالتحاق الجماعي بالحركات التي انفصلت عن الحركة الام: الخالدي استقبل في صفوفه اسماء بارزة من الكتاني الى ابو حفص والفيزازي, ثم جاء دور عرشان لكي يستعيد شبابه في الامن وفي السياسة عبر «توبة» السلفيين الجهاديين وعلى رأسهم الحدوشي (انظر بورتريهات)
ونحن اليوم نسير نحو تقليص الخيارات أمام المجتمع,غدا سيكون عليه أن يختار بين الفيزازي والبغدادي عن العدل والاحسان وبنكيران والحدوشي، في حين تخرج الخيارات الحداثية والتقدمية من لائحة الاختيار المعروض على الناس..
* عن جريدة الاتحاد الاشراكي
السبت 30ماي 2015