الصراعات الداخلية والحروب الأهلية في ارتفاع مستمر، بالمقابل، الحروب بمفهومها التقليدي في تراجع كبير، ما يؤكد ذلك الأرقام الصادرة عن المؤسسات المكلفة بمتابعة مناطق التوتر في العالم، والتي يستعين بأرقامها صناع القرار في ميادين إنتاج الأسلحة، وذلك قصد تكييف منتجات القتل مع متطلبات السوق.
الحروب الداخلية بين الفرقاء الذين اختاروا حسمها بواسطة المليشيات المسلحة عوض الحوار، ازدادت وأصبحت تشكل سنويا 80% من مجموع التوترات المعلنة في العالم. في المقابل، فإن الحروب الكلاسيكية بين الدول سائرة في طريق الزوال. ففي الفترة الممتدة ما بين 2002 إلى 2011 لم يشهد العالم إلا 4 حروب كلاسيكية ما بين الهند وباكستان ما بين 2001 و 2003 ما بين العراق وأمريكا والحلفاء سنة 2003، ما بين جيبوتي وإيريتيريا سنة 2008 ثم ما بين الكومبودج والطايلاند 2011.
في افريقيا وحدها تم إحصاء ما بين 2002 و 2011 أكثر من 15 حالة مواجهات مسلحة داخلية من بينها مثلا حملات التمشيط التي يقوم بها الجيش الجزائري ضد إرهابي القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي، أو المواجهة المسلحة بين أتباع الرئيس السابق »لورون باكبو« ومؤيدي حسن واترا في ساحل العاج، أو بين الجيش النيجيري ومنظمات بوكو حرام.
في آسيا، تم إحصاء في نفس الفترة 13 حالة مواجهات مسلحة من بينها مطاردة الجيش الباكستاني لطالبان، متابعات الجيش الفلبيني للقضاء على مجموعة أبو سياف، أو مواجهة جيش طاجكستان للحركة الاسلامية لأوباكستان.
نوعية هذه الحروب وكثرتها تشجع على الاستثمار في مجالات صناعات الاسلحة الخفيفة، بحيث بلغ رقم معاملاتها سنة 2012 /8,5 مليار دولار أي بارتفاع وصل إلى 50% بالمقارنة مع سنة 2006).
الدول المصدرة والمتحكمة في هذا السوق هي الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وألمانيا والنمسا وبلجيكا والبرازيل والصين وروسيا. وحسب المنظمات الإنسانية المهتمة بهذه الظاهرة، فإن إتلاف 800 ألف قطعة سنويا غير كاف بالمقارنة مع ما يخرج من المصانع المتخصصة في هذا النوع، مع التأكيد على أن أكثر من مليون قطعة محصية في لوائح المبيعات، لا يبقى لها أثر، أي أنها، وبكل بساطة، التحقت بالسوق السوداء.
بالنسبة للأسلحة الخفيفة خطورتها هي أنها تتمتع بحياة طويلة قابلة للاستعمال والحفاظ على صيانتها لا يتطلب جهداً تقنيا كبيراً. حالياً في العالم، هناك تقريباً ألف مقاولة معترف بها لإنتاج هذا النوع من الأسلحة، موزعة على أكثر من 100 دولة، مع العلم أن بعض الشبكات المتخصصة في الإنتاج غير المعترف بها قليلة, تقتصر على بعض الدول مثل غانا وباكستان، الولايات المتحدة الأمريكية أول مصدر في العالم للأسحلة الخفيفة عسكرية ومدنية بمبلغ يصل إلى 500 مليون دولار سنوياً. بالنسبة للمنافسين، نجد ألمانيا والنمسا وبلجيكا وإيطاليا والبرازيل 100 مليون دولار، فيما يخص بعض المنظمات التي تشتغل تحت اشراف للأمم المتحدة أو بعض الجمعيات المنخرطة بشكل تطوعي للتحسيس بخطورة انتشار الأسلحة الخفيفة، فإنها تطرح إشكاليات معقدة تجاه هذا النوع من الأسلحة. فعملية التخزين لا تخضع لمعايير الأمن والسلامة، وأكبر دليل على ذلك، ما وقع في ثكنة »مابيلا« في برازفيل في مارس 2012، عندما أدى انفجار قوي إلى قتل 300 شخص وجرح أكثر من 2500، بالإضافة إلى تنامي دور الوسطاء في الأسواق السوداء. فجل الأسلحة تباع إما مهربة أو مسروقة من مخازن بعض الأجهزة الأمنية أو الجيوش النظامية الضعيفة، مع التأكيد على أن هذا لا يقتصر على مناطق الصراع المعروفة ففي ما بين 2010 و 2012 أكثر من 250 ألف قطعة سلاح تم تهريبها من الولايات المتحدة الأمريكية إلى المكسيك، وهي متجهة بالدرجة الأولى إلى كارتيلات المخدرات.
لوبيات عديدة ترفض تدخل المنظمات الدولية لتقنين هذا السوق، تهمها المداخيل والأرباح، عوض التفكير في مصير الدول الهشة والفاشلة العاجزة عن تحصين ترابها من اختراقات مافيا الجريمة المنظمة والاتجاهات الإرهابية المتطرفة المستفيد الأول من السوق.
* المساهمة الاسبوعية في «اطلنتيك راديو»