لم يعش المغرب، مفارقة كبرى، كتلك التي يعيشها حاليا، في ظل حكومة يقودها حزبي رجعي، بينما تتجه أنظار وطموحات الشعب نحو الديمقراطية، على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لقد عرف المغرب حكومات لا شعبية، قبل تجربة التناوب التوافقي، غير أن السياق كان مختلفا، حيث كانت تتشكل في إطار دستوري وسياسي آخر، غير ذلك الذي تشكلت الحكومة الحالية في ظله. فهي جاءت نتيجة إصلاح دستوري، أرسى دعائم البناء الديمقراطي، وتطورات سياسية اتسمت بمطالب محاربة الفساد وتوازن السلط واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير ، والتقدم نحو الحضارة الإنسانية، في عالم العلم والمعرفة والثقافة والفكر.
هل وجد المغاربة، الذين يتطلعون إلى مستقبل أحسن لبناتهم وأبنائهم، في هذا النموذج الحكومي ما أرادوه؟ إنهم لم يجدوا من هذه الحكومة سوى ما يناقض ذلك على كل المستويات.
فقد تبين أن قامة رئيس الحكومة أقصر من قامة الإصلاح الدستوري الذي طالبنا به باستمرار، في العديد من المحطات، ومن بينها المؤتمر الثامن.
طالبنا بملكية برلمانية، واعتبرنا أن بلدنا لابد أن يعرف انتقالا ديمقراطيا، يكرس توازن السلط والشرعيات، لكن ما حصل في الانتخابات السابقة لأوانها، هو أن الجماعة التي كانت باستمرار مناهضة للديمقراطية، هي التي تزعمت الحكومة، ومنذ الوهلة الأولى رمت جانبا الدستور، ما يهمها هو تكريس مشروعها الرجعي.
– تهميش المؤسسة التشريعية، كان من بين الخطوات الأولى التي نهجها هذا الحزب، ورئيس الحكومة، على الخصوص، مما شكل نكوصا كبيرا عما كان منتظرا، حيث كان الرأي العام الداخلي والخارجي، يتطلع إلى المنهجية التي ستمارس بها الديمقراطية البرلمانية، في أول امتحان. كان من المنتظر أن تتحول هذه المؤسسة إلى فضاء للحوار السياسي البناء، غير أن بنكيران حولها إلى فضاء للمناوشات والسب والقذف، وتصوير السياسة كما لو كانت “تبوريدة” وتصفية حسابات و”حسيفة”… وكلام شعبوي، وتمثيليات، مما يشوه هذه التجربة ويهدد بدفع طبقة متوسطة ونخبة حداثية وديمقراطية وليبرالية، للعزوف عن التصويت.
مثال آخر سيء يقدمه هذا الحزب في كل ما يتعلق بالمرأة، حيث يعصف يوما عن يوم بكل ما تحقق من مكتسبات على هذا الصعيد، وهي مكتسبات ناضلت من أجلها أجيال من النساء، في مختلف الواجهات من منظمات المجتمع المدني، وأحزاب و نقابات… مدعمات بمناضلين ديمقراطيين وحداثيين، سعوا دائما إلى مواجهة النظرة المتخلفة لدونية المرأة، غير أن التوجه الرجعي الذي يمثله هذا الحزب، لا يدخر وسعا في العصف بكل ما تحقق على هذا الصعيد، بخطابات وممارسات تناقض بالمرة ما ورد في الدستور وفي مدونة الأسرة.
وفي كل المجالات الأخرى، التي تشكل مكتسبات ديمقراطية، يفخر بها المغرب، وصورة حداثية، تبوئه المكانة التي يستحقها بين الأمم، نجدها تتبدد في ظل هذه الحكومة، حيث أصبح الخيار الديمقراطي، بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مهددا، وهو الذي ميز العهد الجديد، والاستثناء المغربي، وليس أي شيء آخر.

*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

    الخميس 7 ماي 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…