عن موقع اش بريس
بقلم محمد الحنفي
الخميس 25 ابريل 2013
إن الذي نعرفه، ويعرفه معنا المسلمون الصادقون، في جميع أرجاء الأرض، مما ينسجم مع إيماننا بالدين الإسلامي، وبحقيقة هذا الدين، بعيدا عن توظيفه أيديولوجيا، وسياسيا، وبعيدا، كذلك، عن تعويم فكر المسلمين بالفكر الخرافي، هو أن العلاقة بين السماء، والأرض، قد انقطعت بموت الرسول محمد ص، إلا أن ما يجري في واقع المسلمين، أن الإيمان بالدين الإسلامي، تحول من مجرد الإيمان، إلى التشكل في مظاهر تتعدد بتعدد الموظفين للدين الإسلامي، أيديولوجيا، وسياسيا، إما باسم الدولة، أي دولة من دول المسلمين، أو باسم أي حزب، أو توجه سياسي مؤدلج للدين الإسلامي، إلى درجة، أن هؤلاء صاروا يتوهمون أنهم صاروا أكثر قرابة من الله تعالى، وأن هذا التوهم، يصير أساسا، ومنطلقا لجملة من الادعاءات، التي تجعلهم يعتقدون أنهم صاروا يحتلون مراتب الأنبياء، والرسل، فيتكلمون باسم الله، ويفتون باسم الدين الإسلامي، في كل ماله علاقة بالمسلمين، وغير المسلمين، ويعتبرون فتاواهم تلك، بمثابة القرءان المنزل، أو بمثابة كلام الله تعالى، لا تقبل النقاش، لا من قريب، ولا من بعيد. وهو توهم يبين إلى أي حد يشكل هؤلاء خطورة على الدين الإسلامي، وعلى المسلمين في مشارق الأرض، ومغاربها، في نفس الوقت.
ألا نعتقد أن زمن الرسالة قد انتهى؟
أليس من صحة الإيمان، ترسيخ هذا الاعتقاد على أرض الواقع؟
أليست آخر آية نزلت من القرءان الكريم على محمد ص، هي قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)؟
أليس توقف الوحي، إيذانا بانقطاع الاتصال بين السماء، والأرض؟
ألا يعني ذلك التوقف، انتهاء مهمة الأنبياء، والرسل؟
أليس على البشرية، بعد توقف الوحي، وانقطاع الاتصال بالسماء، أن تتحمل مسؤولية تطوير نفسها على مستوى التشريع، وعلى مستوى التنفيذ؟
ألم يرد في القرءان الكريم، قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)؟
ألم ندرس لتلميذاتنا، وتلاميذنا، أن لا رهبانية في الإسلام؟
أليست معرفة الدين الإسلامي متاحة للجميع، ودون حواجز؟
أليس الفهم الخاص للدين الإسلامي، متاحا أمام الجميع؟
أليس المسلمون الحقيقيون علماء بأمور دينهم، ودنياهم؟
فلماذا ادعاء احتكار المعرفة بأمور الدين الإسلامي؟
ولماذا هذا التشكل على مستوى الوجه، وعلى مستوى اللباس، من أجل التميز بإظهار الادعاء بمعرفة أمور الدين الإسلامي، والقرب من الله تعالى؟
ألا يعتبر التظاهر، والتشكل، من باب المراءاة، أو الرياء؟
أليس الرياء مذمة، وسببا في إبطال الاستفادة من عمل الخير؟
وإذا كان هؤلاء المدعون، المتشكلون بالمظاهر المعبرة عن الانتماء إلى التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، يعتبرون أنفسهم محتكرين للمعرفة بالدين الإسلامي، فهل يمكن أن يصير الاحتكار ممكنا في عصر التمكين من الحق في المعرفة، وفي المعلومة؟
ألا يتمكن المسلمون، وغير المسلمين، من الإبحار في الشبكة العنكبوتية، والبحث عن المعارف التي تهمهم، بما فيها المعارف المتعلقة بالدين الإسلامي؟
أليست أدلجة الدين الإسلامي، والتأويل الأيديولوجي الذي يمارسونه على النص الديني، هي التي تجعلهم يتوهمون بأنهم يحتكرون المعرفة بالدين الإسلامي؟
إن اعتمادنا لموضوع: (ألا فليعلم الملتحون أن زمن النبوة، والرسالة، قد انتهى بموت محمد ص؟)، لم يأت هكذا برغبة مقصودة منا، بل إن ما نشاهده في الحياة اليومية، وما نسمعه من أحاديث أفراد المجتمع، فيما بينهم، وما نقرأه في الصحافة اليومية، والإليكترونية، بل ما نقرأه حتى في بعض الكتب المبثوثة هنا، أو هناك، وعلى كل الأرصفة، وعند باعة الكتب، هو الذي فرض علينا هذا الموضوع، عنوانا لمقالتنا هذه، نظرا لسيادة الاعتقاد بأن أصحاب اللحى المسدلة، هم بمثابة الأنبياء، والرسل، خاصة، وأنهم يصدرون فتاواهم، في مختلف القضايا المطروحة في الميدان، وفي ممارسة المسلمين، ويحللون، ويحرمون ما شاء لهم التحليل، والتحريم، مما لا وجود فيه لأي مبرر يقتضي ذلك، إلا مبرر استغلال الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، بادعاء القرابة من الله تعالى، قرابة تشبه قرابة الأنبياء، والرسل، لإيجاد مبرر لفرض الوصاية على الدين الإسلامي.
ونحن نعرف، كما يعرف كافة المسلمين الصادقين في إيمانهم، من غير الملتحين المستغلين للدين الإسلامي، أيديولوجيا، وسياسيا، أن زمن النبوة، والرسالة، قد انتهى بنزول قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)، وأنه بموت الرسول محمد ص، باعتباره آخر الأنبياء، والرسل، لم يعد في الإمكان القبول بظهور الأنبياء، والمرسلين، نظرا للتطور الذي صارت تعرفه البشرية، ساعة توقف نزول الوحي، مما جعل البشرية تعتمد قدراتها، في تطوير معارفها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي لم تعد تحتاج إلى وحي من السماء، أو إلى معرفة غيبية، لا تأتي إلا عن طريق رجال الدين، الذين يبتدعون المعرفة الغيبية، ويمتلكون القدرة الفائقة على إقناع الناس بها، وخاصة عن طريق اعتماد منهج الترغيب، والترهيب، المخلوط بالرغبة في امتلاك ناصية الدنيا، وناصية الآخرة، من أجل التمتع بملذات الحياة الدنيا، والرهان على الفوز بالتمتع بملذات الحياة الأخرى. ذلك أن توقف الوحي، وانعدام الحاجة إلى بعث الأنبياء، والرسل، هو دليل على أن البشرية صارت راشدة، وقادرة على تدبير أمورها بنفسها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). وكل من يدعي غير ذلك، أو ادعاه من قبل، إنما يراهن، أو كان يراهن على استغلال الدين الإسلامي في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، ليس إلا.
ومن صحة إيمان المسلمين، الذين يحترمون جميع الأديان السماوية، ترسيخ الاعتقاد بأن زمن الوحي قد انتهى، وأن ظهور الأنبياء، والرسل، بعد موت محمد ص، أصبح غير وارد، وأن الفهم الحقيقي للدين الإسلامي، هو مهمة المسلمين جميعا، وأن ادعاء الوصاية على الدين الإسلامي، لا يأتي إلا من راغب في فرض الرهبانية في الدين الإسلامي، وفي الوقت الذي يتطور فيه كل شيء بسرعة الصاروخ، يرجعنا هؤلاء الكهنة الجدد، إلى ظلامية التاريخ بسرعة الصاروخ أيضا، لتعرف الحياة أشكالا من الشد، والجذب، بين الرغبة في التقدم، والإصرار على الاستمرار في التخلف، بين احترام المعتقدات، والإصرار على استغلال تلك المعتقدات، وعلى رأسها الدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية. ولذلك قلنا، إن من سلامة الإيمان، الاعتقاد بأن زمن الوحي قد انتهى، وكل من لا يعتقد ذلك، فلا إيمان له؛ لأنه يتمسك بزمن الشرك، الذي يستمر في شكل تحريف الدين الإسلامي، الذي يضيف إلى قدسية الله تعالى، قدسيات أخرى، لا يمكن أن تعتبر إلا شركا بالله. ومعلوم أن الدين الإسلامي، جاء ليحقق هدفين أساسيين: وضع حد للشرك بالله، ووضع حد للتحريف الذي لحق الأديان السابقة.
وتوقف الوحي بنزول آية من السماء، لا يعني إلا الانقطاع بين السماء، والأرض، بتوقف الوحي الذي يتلقاه الأنبياء، والرسل، الذين لم يعد بعثهم واردا، لأن بعثهم في ظل التطور، الذي أخذت تعرفه البشرية، سوف يصير غير ذي معنى، وسيساهم في المزيد من تشرذم البشرية، خاصة، وأن حفظ آخر الرسالات من التحريف، صارت مهمة خصها الله بنفسه، ولم يكلها لأي من البشر، وكيفما كان، كما جاء في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون). وحفظ الذكر، لا يعني إلا إتاحة الفرصة أمام البشر، من أجل التطور الذي لا يتوقف، بما فيه مصلحة البشرية، خاصة، وأن الأصل في الدين الإسلامي، هو تحريك عجلة التاريخ، في اتجاه المستقبل، منتقدا الجمود الذي كان سائدا قبل مجيء الدين الإسلامي، انطلاقا من قوله تعالى: (إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون)، وقوله: (إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون)؛ لأن الاقتداء بالآباء، مهما كان، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الجمود، ما لم يتم التمييز بين الجانب الثابت من العقيدة، الذي لا يقبل التطور، وبين الجانب المتحرك من الواقع، الذي يستلزم التطور المستمر في حركته، وصولا إلى ابتداع واقع جديد، يصير متطورا بقوة الواقع.
وتوقف الوحي، لا يعني إلا انتهاء مهمة الأنبياء، والرسل، في جميع الأمم، وفي جميع القارات، وفي جميع العصور القادمة؛ لأن الحاجة إلى الأنبياء، لم تعد واردة. وورودها في ظل التطور المتسارع، سوف يصير مذمة في حق البشرية، التي يطلب منها إعمال العقل في كل شيء، من أجل العمل على تطويره، وتطوره، حتى يصير العقل وسيلة للقول، والفعل، وزنا، وضبطا، وتوجيها لممارسة الأفراد، والجماعات، ودونما حاجة إلى فتاوى من أسميهم شخصيا ب (المتنبئين الجدد)، وما هو قائم في النص الديني: (القرءان)، كاف للاسترشاد به في إعمال العقل، في تحولات الواقع، التي قد لا نجد لها مرجعا في النص الديني، ولكنها لا تفتقر إلى إعمال العقل البشري المتطور، والمطور للواقع، الذي يجد له مرجعا في ذلك النص. فمهمة الأنبياء، والرسل، لم تعد واردة أبدا؛ لأن إعمال العقل حل محلها، إذا أتيح لجميع أفراد المجتمع التعليم، واستيعاب علوم العصر، التي تشجع على إعمال العقل في كل شيء. أما إذا لم يتح لهم ذلك، فإن الجهل يجعلهم بعيدين عن كل شيء، لا يستطيعون إعمال عقولهم في الواقع، الذي يعيشونه، ليصيروا بذلك ضحايا لتضليل الملتحين، المؤدلجين للدين الإسلامي، ليعتقدوا أنهم بتبعيتهم لمؤدلجي الدين الإسلامي، إنما يعملون على الالتزام بمنطوق، ومضمون الشريعة الإسلامية، التي ليست شيئا ثابتا، كما يوهمنا أصحاب اللحى المسدلة، التي تكمن قيمتها في التضليل، الذي يمارسه حاملوها في صفوف ضحايا الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية.
وبعد توقف الوحي، والاتصال بالسماء، نجد أنه على البشرية أن تتحمل مسؤوليتها في تطوير نفسها، على مستوى التشريع، وعلى مستوى التنفيذ، وفي كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير جميع التشريعات القائمة في الواقع، منسجمة مع الرغبة في جعل إرادة الشعب متحققة، من خلال تلك التشريعات، ومن خلال تنفيذها على أرض الواقع، ومستجيبة لطموحات جميع أفراد المجتمع، التي تأبى إلا أن تكون مستشرفة لما يجب أن يتحقق في مستقبل الأجيال القادمة، التي قد تصير لها طموحات مختلفة.
وورود قوله تعالى في القرءان الكريم: (وأمرهم شورى بينهم)، ليس من أجل المزايدة، أو التضليل، كما قد يوهمنا البعض، بل من أجل إثبات أن الإنسان بعد نزول آخر الرسالات، على آخر الأنبياء، والرسل، لم يعد في حاجة إلى الوحي، وإلى الأنبياء، والرسل، بقدر ما هو في حاجة إلى تنظيم المجتمع، وتنظيم التشاور بين الناس، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو عقيدتهم، من أجل الوصول إلى أمر يرضيهم جميعا، حول قضية من القضايا المطروحة للنقاش، وتبادل الرأي، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية، وصولا إلى التمرس على تدبير أمورهم بأنفسهم، في جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهو ما يصطلح عليه في عصرنا هذا، بالممارسة الديمقراطية، التي لا تعني في العمق، إلا حكم الشعب نفسه بنفسه. والله تعالى يعلم، أن لا مجال للجمع بين الدين، والسياسة، وحتى لا يختلط ذلك في أذهان المسلمين، ويفرضوه على غير المسلمين، أنزل قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)، ليصير هذا القول دليلا على أن الجمع بين الدين، والسياسة، أو بين الدين، والدنيا، غير وارد في الدين الإسلامي، وهو ما يترتب عنه ضرورة القول: بأن الجمع بين الدين، والسياسة، لا علاقة له بالدين الإسلامي، وأن كل من يجمع بين الدين، والسياسة، إنما يعمل على توظيف الدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، ليحرف بذلك الدين الإسلامي. وتحريف الدين الإسلامي، خروج عن الدين الإسلامي.
ومدرسو التربية الإسلامية في المدارس المغربية، وغير المغربية، في مستوياتها المختلفة، إنما يدرسون لتلميذاتهم، وتلاميذهم، أن لا رهبانية في الإسلام؛ لأن الرهبانية في الأصل، إنما جاءت لرعاية التحريف الذي تكرسه، سواء تعلق الأمر باليهودية، أو بالمسيحية، المعروفتين بالتحريف القائم على الشرك بالله، كما ورد ذلك في قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله)، أو تعلق بالدين الإسلامي. إلا أن ما كان يدرسه أساتذة التربية الإسلامية، لم يعد واردا، مع وجود مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين صاروا يفرضون وصايتهم عليه، لرعاية التحريف الذي ألحقوه به، بسبب تأويلاتهم المغرضة، المؤدلجة للدين الإسلامي، المؤدية جميعها إلى تقديس غير الله، ليصير الرهبانيون الجدد، أوصياء على الدين الإسلامي المؤدلج، كدين للشرك، ولتصير مقولة: (لا رهبانية في الإسلام)، في مهب الريح. ومع ذلك، فإمكانية حفظ النص الديني من التحريف، تبقى واردة، عن طريق فضح أدلجة الدين الإسلامي، وتسفيه أهدافها، المتمثلة في التوظيف الأيديولوجي، والسياسي للدين الإسلامي، من أجل الوصول إلى السلطة.
وفضح الرهبانيين الجدد، ومواجهتهم، وتعريتهم، وتسفيه أهدافهم، نابع من كون معرفة الدين الإسلامي متاحة لجميع المسلمين، الذين يتمتعون بالمساواة أمام الله، كما جاء في الحديث: (لا فرق بين عربي، وعجمي، ولا بين أبيض، وأسود إلا بالتقوى)، كما تتمتع النساء بالمساواة، مع الرجال، كما ورد في الحديث: (النساء شقائق الرجال)، وكما جاء في القرءان: (والمومنون، والمومنات، بعضهم أولياء بعض). ذلك، أنه في الدين الإسلامي، لا يمكن احتكار المعرفة الدينية، التي هي من حق جميع المسلمين، الذين يستغنون بتلك المعرفة المتنامية باستمرار عن الرهبان، والكهنة، الذين لم يعد لهم وجود في الدين الإسلامي.
وانطلاقا من المعرفة المتاحة للجميع، فإن من حق أي مسلم، أن يبني فهمه الخاص للدين الإسلامي، نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية، التي تحيط بكل مسلم، والتي تؤهله إلى امتلاك فهم معين للنص الديني: كتابا، وسنة. وهذا الفهم ليس مطلقا، بقدر ما هو نسبي، وليس ملزما لجميع المسلمين، بقدر ما هو خاص بصاحبه. وهو فهم مشروع، ما لم يؤد إلى تحريف النص الديني، وما لم يسع إلى أدلجة الدين الإسلامي. وهو، كذلك، فهم محدود في الزمان، والمكان، ومتجدد بتجدد المسلمين، ومختلف من زمن، إلى زمن آخر، ومن مكان، إلى مكان آخر، ومن مسلم، إلى مسلم آخر. وهو ما يجعل النمطية غير واردة في الدين الإسلامي، كما هو الشأن لليهودية، والمسيحية المحرفتين. والذين يعتقدون النمطية في الدين الإسلامي، لا يتجاوزون أن يصيروا محرفين للدين الإسلامي، الذي صار على أيديهم متشكلا في مظاهر معينة، تختلف من توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر. وهذا الاختلاف، هو الذي يؤكد نسبية الفهم الذي ذهبنا إليه، كما يؤكد نسبية الأدلجة، التي ليست، في عمق الأشياء، إلا فهما خاصا للدين الإسلامي، سعى صاحبه إلى جعله منمطا. ومعلوم أن الدين الإسلامي يرفض التنميط.
وادعاء احتكار المعرفة بالدين الإسلامي، وبأموره المختلفة، ناجم عن كون المدعين يحرصون على أدلجة الدين الإسلامي، واعتبار تلك الأدلجة فهما صحيحا للدين الإسلامي، يعملون على تعميمها على جميع المسلمين، من أجل العمل على تنميطهم، بصيرورتهم واقعين تحت أسر تلك الأدلجة، التي تحولهم إلى مجرد مسلمين منمطين، ومشكلين، حسب هوى مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يضللون المسلمين بأدلجتهم للدين الإسلامي، يروجونها آناء الليل، وأطراف النهار، مع أنهم يدركون، جيدا، أن معرفتهم بالدين الإسلامي، مجرد ادعاء، وأن الدين الإسلامي لا وجود فيه لشيء اسمه الرهبان، مع أنهم يدركون، جيدا كذلك، أن معرفتهم بالدين الإسلامي مجرد ادعاء، وأن الدين الإسلامي لا وجود فيه لشيء اسمه الرهبان، والكهنة، كما لا وجود فيه لشيء اسمه علماء الدين الإسلامي، الذين يتخذ وضعهم في المجتمع وضع الكهنة، والرهبان. والمتفرغون لتدبير الشأن الديني في المساجد، إنما هم متفرغون لذلك، حتى تبقى المساجد مفتوحة، ومن أجل تمكين المسلمين من أداء شعيرة الصلاة في أوقاتها المعروفة، التي يعلن عنها في حينها. وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم علماء الدين، هم أول من يعرف أن الدين الإسلامي هو آخر الأديان، وأن محمد ص هو آخر الأنبياء، والرسل، وان الرسالة التي تلقاها هي آخر الرسالات، وأن ما جاء في هذه الرسالة يبين أن اعتماد الإنسان على استخدام عقله في أموره الدينية، والدنيوية، يغنيه عن الحاجة إلى الأنبياء، والرسل، الذين يتلقون الوحي من الله، من أجل أن يبلغوه للناس كافة؛ لأن المستوى العقلي الذي يستمر في الارتفاع، يجعل الإنسان قادرا على إدراك ما يجب عمله، لتدبير أموره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي إطار احترام الرأي، والرأي الآخر، أثناء التداول في مختلف القضايا المطروحة، من أجل الوصول إلى خلاصة محددة، تجعل المعرفة بيد المسلمين جميعا، دون أن تصير محتكرة من قبل المدعين، الذين يبطل الواقع ادعاءاتهم.
وكامتداد لادعاء المعرفة الدينية، المؤدلجة للدين الإسلامي، فإننا نجد أن هؤلاء المدعين، يتشكلون، كل حسب طبيعة أدلجته للدين الإسلامي، وللمعرفة الدينية الإسلامية التي يحملها، فيظهر ذلك التشكل على مستوى الوجه، وعلى مستوى اللباس، وعلى مستوى المسلكية الفردية، التي تسعى إلى التحول إلى مسلكية جماعية. وهذا التشكل الذي يختلف من توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر، تختلف كذلك مرجعياته، التي تلتصق كلها بالدين الإسلامي، مما يجعلها غير قادرة على الصمود أمام متغيرات الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يحاول مؤدلجو الدين الإسلامي، أن يصيروا جزءا لا يتجزأ منه. والمتغيرات التي تستهدف الواقع، يحاول المؤدلجون المدعون للمعرفة الدينية طمسها، محاولة منهم العمل على إظهار الواقع، وكأنه ثابت لا يتغير أبدا، من خلال التشديد على تشكل المسلمين، انطلاقا من نمط التشكل السائد في المجتمع، وكأن المتغيرات غير واردة، وكأن الواقع ثابت. وهو، في الواقع، لا يتجاوز أن يكون منمطا، والتنميط ليس إلا سدا يحول دون وضوح رؤيا المتغيرات، التي لا تتوقف أبدا، وإلا لما كانت هناك حياة تتجدد باستمرار، وما كان هناك مجتمع متضرر باستمرار.
ويعتبر التظاهر بالتشكل، على مستوى إسدال اللحية في مستوى معين، يختلف من توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر مؤدلج لنفس الدين، وعلى مستوى اللباس، الذي يختلف، كذلك، حسب كل توجه من التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، وبالاهتمام بشكليات أداء الطقوس الدينية، وبمراقبة كيفية أدائها، وبإصدار الأحكام بصحة الأداء، أو عدم صحته، من باب التظاهر بالتدين، وبالعمل على حماية الدين الإسلامي، كما يرونه، وبالحرص على إظهاره في شكل معين، وتنميط للمسلمين في كل أرجاء الأرض، ليصير، ذلك التظاهر، وسيلة لتنميط الإسلام، والمسلمين. وينسى هؤلاء أن التظاهر في حد ذاته، يعتبر أمرا لا إسلاميا، وغير مفيد لممارسه، قياسا على مضمون قوله تعالى: (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، ولا يومنون بالله، واليوم الآخر، كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل، فتركه صلدا، لا يقدرون على شيء مما كسبوا). ذلك أن التظاهر، والرياء، من السمات التي تسيء إلى المتسم بها، ولا تفيده لا في الدنيا، ولا في الآخرة…
والتظاهر، والرياء، بسبب ما ذكرنا، يعتبران من المذمات التي تبطل الاستفادة من العمل المقدم إلى أفراد المجتمع، حتى وإن كان ذلك العمل في إطار ديني، خاصة، وأن قول الله تعالى: (عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، حسم الأمر لصالح احترام الآخر، والابتعاد عن الإساءة إليه، ما لم يسأل ليعرف أمور دينه، كما جاء في القرءان الكريم: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). ولذلك، فأي عمل فضولي في الدين الإسلامي، الذي صار معروفا في جميع أرجاء الأرض، وعند غير المسلمين، يعتبر رياء، وتظاهرا بالتدين. وهو ما لم يعد مقبولا لا في الدين الإسلامي، ولا في مجتمعات المسلمين المستنيرة، على خلاف المجتمعات التي تسود فيها الأمية، والفقر، والجهل، والمرض، وغير ذلك، والتي لا زالت تنخدع بخطاب مؤدلجي الدين الإسلامي، باعتباره خطابا دينيا، يقود أصحابه إلى (الجنة). وهي أيضا ممارسة لا علاقة لها بالدين، باعتبارها مجرد تضليل للمسلمين، ومجرد ادعاء لعلم الغيب، ومجرد مساهمة في تحريف الدين الإسلامي؛ لأن الغيب من علم الله وحده، وليس للمدعين أن يعبثوا بالدين الإسلامي، بادعاء المعرفة به، ومشاركة الله في تلك المعرفة.
وكون المدعين للمعرفة الدينية، يتشكلون بالمظاهر المعبرة عن الانتماء إلى التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، فإن ذلك التشكل، لا يعفيهم من التجاوز؛ لأن احتكار المعرفة بصفة عامة، واحتكار المعرفة الدينية بصفة خاصة، صار غير ممكن في عصر شيوع المعرفة بين الناس، عن طريق الكتب المتداولة، والصحف المقروءة، وعن طريق الشبكة العنكبوتية، لتصير المعلومة عابرة للقارات، كتابة، وصوتا، وصورة، في أفق أن تصير عابرة للكواكب، والمجرات، إن كان هناك فيها من يتفاعل مع المعلومة. وذلك بفعل تطور المعرفة العلمية، والتكنولوجية، ولإليكترونية، مما يجعل ادعاء امتلاك المعرفة غير وارد في هذا العصر الذي نعيشه، ليحل محلها إبداع المزيد من المعارف، وتطوير المعرفة الدينية، حتى تصير منسجمة مع العصر الذي نعيشه، وحتى يصير المسلمون كغيرهم من معتنقي الديانات الأخرى الذين يتميزون عنهم، بكون معرفة الدين الإسلامي مشاعة بينهم، وبكافة الوسائل الممكنة، ويختلفون عنهم في كونهم لا يعتمدون في معرفتهم الدينية على الكهنة، والرهبان، بقدر ما يعتمدون على البحث، وإعمال العقل في أمور الدين، كما في أمور الدنيا.
والمسلمون، وغير المسلمين، يمكنهم جميعا الإبحار في الشبكة العنكبوتية، في أي مكان من الكرة الأرضية، والبحث عن المعارف التي تهمهم، بما فيها المعارف التي تتعلق بالدين الإسلامي. وهو ما يؤكد أن احتكار المعرفة بالدين الإسلامي، صارت من باب المستحيلات، في ظل التطور الذي صارت تعرفه البشرية، ونظرا للإمكانيات العلمية، والتكنولوجية، ولإليكترونية، التي صارت متوفرة للإنسان، والتي تمكن الإنسان، أي إنسان، من معرفة كل ما يجري في العالم، وعن كل شيء، مهما كان بسيطا، وبأي لغة، وخاصة عن الدين الإسلامي، الذي أقام الدنيا، ولم يقعدها بعد، بسبب الاشتغال الواسع بأدلجته، منذ وفاة الرسول، وخاصة من بعد مقتل عثمان بن عفان، وبسبب الاشتغال على توظيفه أيديولوجيا، وسياسيا، وبسبب التعامل مع نصوصه، على أنها ثابتة، لا تتطور على مستوى الفهم، وعلى مستوى الأجرأة، مما جعل موضة استنساخ الزمن الماضي ،استنساخا محرفا، ومشوها، بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية، هاجسا حاضرا في ممارسة كل المشتغلين على أدلجة الدين الإسلامي، حتى يتمكنوا من تطبيق الشريعة الإسلامية، التي صارت من وجهة نظر مؤدلجي الدين الإسلامي، صالحة لكل زمان، ومكان، وبمنطق الجمود العقائدي، الذي ينبذ كل أشكال التقدم، والتطور، على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل أن يصير الواقع ثابتا، لا يتحرك أبدا، بمنطق إعادة استنساخ الزمن الماضي، ولا عبرة للتحول الذي تعرفه البشرية في جميع أرجاء الكرة الأرضية، والتي يجب أن تخضع جميعها لمنطق التنميط، الذي يسعى إلى فرضه مؤدلجو الدين الإسلامي، انطلاقا من تنميطهم المفتعل، لتحقيق أهداف أيديولوجية، وسياسية. غير أن التطور العلمي، والتقني، سوف يجتاح جميع أنحاء العالم، وسيذهب احتكار معرفة الدين الإسلامي، وأدلجته، إلى مزبلة التاريخ.
وأدلجة الدين الإسلامي، والتأويلات الأيديولوجية التي يمارسها مؤدلجو الدين الإسلامي للنصوص الدينية: الكتاب، والسنة، هي التي تجعلهم يتوهمون بأنهم يحتكرون المعرفة بالدين الإسلامي. وهذا الوهم، هو الذي يدفعهم إلى التميز بتنميط وجوههم باللحى، وأجسادهم باللباس. ذلك التنميط، الذي يصير معبرا عن الإيمان بالدين الإسلامي. وهو في واقع الأمر، ليس كذلك؛ لأن الإيمان لا يحتاج إلى نمط معين، من المظاهر المتشكلة في الواقع، التي ترتبط بالدرجة الأولى بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وبالعادات، والتقاليد، والأعراف. ولا علاقة لها أبدا بالإيمان بالدين الإسلامي. واعتبارها تعبيرا عن الإيمان بالدين الإسلامي، ليس إلا تحريفا للدين الإسلامي.
والخلاصة، أن التشكل باللحى المختلفة المقاسات، والتنظيم، والعشوائية، وباللباس المختلف من توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر مؤدلج للدين الإسلامي، ليس إلا تضليلا للمسلمين، ورغبة في جعل الدين الإسلامي منمطا، لا علاقة له بحقيقة الإيمان بالدين الإسلامي، بقدر ما هو رغبة في تحريف الدين الإسلامي، عن مقاصده الحقيقية، ليصير بذلك خادما لتحقيق أهداف أيديولوجية، وسياسية، نقيضة للأهداف الحقيقية للدين الإسلامي، من أجل الوصول إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل. وهو ما يجعلنا نعتبر أن ما يسعى إليه المتشكلون باللحى، وباللباس، خروجا عن الدين الإسلامي، وادعاء بأن ذلك التشكل، هو المعبر عن الإيمان بالدين الإسلامي، ليصير كل من لم يتشكل من المسلمات، والمسلمين، غير مومن بالدين الإسلامي، حسب ما يذهب إليه المتشكلون المؤدلجون للدين الإسلامي.
فهل يتخلى المتشكلون باللحى، من الرجال، وباللباس، من النساء، والرجال، عن اعتبار أن ما هم عليه من التشكل، هو المعبر عن الإيمان بالدين الإسلامي؟
وهل يمسكون عن استغلال الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا؟
وهل يعملون على التخلي عن اعتبار غير المتشكلين باللحى، واللباس، غير مسلمين؟
ألا يعتبرون الشأن الديني مرتبطا بالعلاقة بين الفرد المومن، وبين الله، ولا شأن لغير الفرد المومن به؟
ألا يدركون أن ما هم عليه، هو الخروج الفعلي عن الدين الإسلامي؟
ألا يدعو ذلك إلى ضرورة مراجعة أنفسهم؟
ألا تعتبر المراجعة مدعاة إلى التخلي عن أدلجة الدين الإسلامي؟
ألا يعتبر التخلي عن أدلجة الدين الإسلامي مدعاة إلى تقديم النقد الذاتي إلى جميع المسلمين، وفي كل أرجاء الأرض؟
ألا يستلزم النقد الذاتي نقد مختلف تجارب أدلجة الدين الإسلامي؟
أليس نقد مختلف تجارب الدين الإسلامي مدعاة إلى رمي تلك التجارب في مزبلة التاريخ؟
أليس الأجدر بمزبلة التاريخ، أن تصير مآلا لكل ما يسيء إلى الدين الإسلامي؟
أليست أدلجة الدين الإسلامي إساءة إلى الدين الإسلامي؟
أليس التوظيف الأيديولوجي، والسياسي للدين الإسلامي، تحريفا للدين الإسلامي؟
أليس تحريف الدين الإسلامي، ممارسة تشبه ما انتقده القرءان في ممارسة اليهود، والنصارى، من خلال قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله)؟
أليس الغرض من ذلك هو تسييس دين موسى، ودين عيسى؟
أليس الغرض من أدلجة الدين الإسلامي، هو تسييس الدين الإسلامي؟
إننا بحاجة إلى إعادة النظر في الممارسة برمتها، حتى يصير الدين الإسلامي بعيدا عن الأدلجة، وعن السياسة، ويصير الشأن الديني شأنا فرديا.
فهل يتحقق ذلك على أرض الواقع؟
وهل ينتبه المسلمون الحقيقيون، إلى أن التشكل على مستوى الوجه (اللحية)، وعلى مستوى اللباس، تعبير عن ممارسة تحريف الدين الإسلامي؟
وهل يتخذون موقفا من أي شكل، من أشكال التحريف؟
وهل يعملون على مقاومة تلك الأشكال؟
بقلم/ محمد الحنفي