يصر بعض المجهود الإعلامي – السياسي على تقديم الديوان الملكي، بعد مذكرة المعارضة على أساس أنه رديف لديوان المظالم. وإذا كانت النزعة الإعلامية، العفوية أو الموحى بها قد تجد لنفسها أعذارا في تبسيط الأمر إلى هذه الدرجة، هل يمكن القول نفس الشيء عن السياسيين، ولا سيما الذين تحدثوا منذ المذكرة، سواء السياسيون الحزبيون والحكوميون في برنامج بثته القناة الثانية، أو شخص رئيس الحكومة، في خطابه بمناسبة فاتح ماي بالدار البيضاء؟. هل يمكن أن نساير هذه النزعة التي تجعل من مذكرة تستعين في مضمونها، وإن كانت لغتها تستوجب بعض التجاوز المبني على لغة وخطابات الملك منذ دستور2011، مجرد شكاية سياسية برئيس الحكومة من طرف خصومه؟.
منذ البداية، يكون مشروعا عدم اتباع هذا الاستسهال اللفظي والدلالي في حادثة ذات حمولات سياسية أكثر منها حمولات «قضائية»، وذلك لأن هذا المنحى
يعيد الملك إلى وضع «الشيخ الأمغار» الذي يتقاضى الناس بباب بيته ويحتكمون إليه من الجور والظلم وتنزع الصفة الدستورية عن الوضع الاعتباري لرئيس الدولة ورمزها والساهر على توازن السلط فيها؟
وهو تمرين تواصلي سياسي يسعى إلى إعادة الحدث إلى حقل »الآداب السلطانية«، نزع أي طابع مؤسساتي وتحديثي في التعامل بين الفرقاء في الحقل الوطني.
ثانيا كان من المفروض أن يطعن المعنيون بمذكرة مضادة أو انتظار نتائج التحقيق المفترض أن يقوم به صاحب المذكرة..
و مهما كان الموقف من المذكرة أصلا، فإن المقصود من وراء حشر هذه الممارسة المعروفة، المكتوبة والتي تم إطلاع الرأي العام على فصولها وفواصلها، ليس هو المعني هنا هذه المذكرة
ومغزاها ومضامينها، بقدر ما هو في التدحرج الذي يراد لكل فعل سياسي منصوص عليه، ومنصوص على احتمال اللجوء إليه دستوريا، من ممارسة واردة في حكم الدستور إلى شبيه أو مرادف لها في المنظومة التقليدية السابقة…
في الكيبيك مثلا، تحدث عمدة الإقليم بنفس اللغة »الشكوى السياسية» من طرف المعارضة التي احتكمت إلى وزارة الشؤون البلدية بشأن حادثة تبذير مال عام.
فكان أن طلب من المعنيين بالشكاية منع كل ما يتعلق بالقضية موضوع الشكاية التي تتعلق بتهمة تمويل زيارة أحد المستشارين العاملين معه واستفادته من حوالي 5 ملايين سنتيم، هو وعائلته في رحلة إلى فرنسا!
وكان للموقف الذي عبر عنه العمدة مقابل مادي قانوني وإجرائي ملحوظ.
أما في حالة أن يقول عبد الإله بنكيران« شكاوا بي للملك»، فإن الهدف هو تقديم الخصم السياسي، كما لو أنه جزء من الطابور الذي ينتظر الملك في زياراته إلى الأقاليم، ليتقدم بتظلم أو مظلمة، أو جماعة من الذين يحملون الرسائل إلى الملك، وقد يرمونها من وراء حاجز أمني إلى الملك وهو يمرق بسيارته…
إذا كانت المعارضة اشتكت، حسب الرئيس الحكومي إلى الملك، ولها في مسعاها ما تبرر به مذكرتها، سواء لحظة الاحتقان أو لحظة التوتر أو الأفواه المفتوحة لأزمة موجودة.. … فهل ذهب هو، بهذا المعنى ليلغي الشكوى إلى الملك بشكوى أخرى إلى «الشعب» الطبقي المؤمن »المرابض تلك الصبيحة بالقرب من أسوار الحي المحمدي؟
قد يكون ذلك هو الجواب، إذا ما استحضرنا شيئين اثنين:أولا ماقاله هو ذاته «جيت نشكي عليكم»، ثانيا ما يردده كل الوزراء، ومنهم بنكيران مرة أخرى عند كل مجابهة:«لنحتكم إلى الشعب»، كما لو أننا في ديموقراطية مباشرة على الطريقة السويسرية، أو في لاهور حيث الخروج إلى الشارع أو المسيرات هي الرد السياسي على النقاش العمومي في المؤسسات وعبرها؟
إن البديل الذي يمكن أن يستدرجه منطق المقارنة هنا ، هو أن الحل بحسب هذه الثنائية الجارحة – أما أن نلغي تحكيم الملك، لفائدة الشعب، وبالتالي لفائدة بنكيران، وإما نلغي تحكيم الشعب لما قد يبدو أنه لفائدة المعارضة.… فهل يمكن أن يقبل بنكيران أن يذهب إلى حدود هذا المنطق أم يكون من الأنسب والأكثر حصافة أن نتحدث تحت أسوار المنصوص عليه دستوريا..
فأن نشتكي من استعمال نص دستوري، هو في العمق شكوى من أن يكون هو رئيسا للحكومة، وأن فوق وضعه الاعتباري وضع آخر يحتكم إليه الناس ضد منصب دستوري، قوي – افتراضا- بقوة النص ومضمر المذكرة نفسها..
وخارج الهدوء المنطقي نلاحظ للفكاهة ما يلي:
في التشاؤم، يشتكي بنكيران من المعارضة،
في لحظة التفاؤل يتمنى أن تغير ريحها ووجهتها وتتغير إزاءه.
ولكن الواقعية السياسية كانت تفرض، فقط وليس أكثر من فقط ، أن يعدل من شراعه ومشروعه في قلب الدولة والبرلمان..ويتعامل بمنطق التعايش لا منطق الظلم والمظلومية وديوان المظالم مقابل الشعب!
الأهم لم يكن في مقدور بنكيران أن يقول ما قاله بدون أن يحيل على نهاية الشكوى، فقد قال إن الملك «حسم الأمر،» وهو مايعني أنه ناب عنه في تقديم الجواب، عن موضوع حصل بلقاء الطرفين مع مستشاريه…
ولم نسمع بعد منهم ما يفيد نهاية القصة ..
وعلى كل ليس هناك أي دليل أو كاطالوج يحدثنا عن ما سيجري من بعد، وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه..
* عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الثلاثاء 5 ماي 2015